عبقرية المعماريين اليمنيين تغلبت على التضاريس الصعبة (تقرير بالصور)

تقارير وتحقيقات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

منذ القدم، تفاعل الإنسان بتوافق مع البيئة الطبيعية المحيطة به ، فلقد استخدم مواهبه في إيجاد تقنيات لإستيفاء حاجاته سواء من الغذاء أوالمسكن، فكانت مبتكراته في الإنتاج طبيعية ونفذت بنفس المواد التي قدمتها البيئة له.

من حيث المسكن ,يعَدُّ الطين من أقدم مواد البناء التي عرفها الإنسان منذ ما يقارب عشرة آلاف سنة،  فالطبيعة أوحت للإنسان إستخدام هذه المادة والتي بها بنى برج بابل في القرن السابع قبل الميلاد كأول ناطحة سحاب عرفها التاريخ، وكذلك إنتشر البناء بالطين وبتناغم مع البيئة في حضارات بلاد الرافدين ومصر, والحضارة العربية والإسلامية وفي الهند والمكسيك وفي حضارات متنوعة في إفريقيا.  

انبثقت الفكرة الأساسية لمفهوم المدن من المنطقة العربية التي انصهرت بتقنية وفن البناء بالطين، حيث اعتمد السكان المحليين فيها وعلى مرِّ العصور على البناء بالطين من خلال تقنيات بسيطة ومتنوعة وذلك من خلال الخبرات والمهارات المتوارثة عبر الأجيال التي ازدادت تطوراً لتشييد نماذج الأبنية كافة، كانت هذه البساطة مرتبطة بالذوق والإنسجام الجمالي، كما كانت مقرونة بعلم واسع بالفطرة والتجربة بهندسة البناء, فهم يعرفون تمام المعرفة الفوائد الفيزيائية لهذه المادة وكيفية التعامل معها وتوظيفها التوظيف الأمثل الذي يستجيب لجميع المتطلبات الثقافية والإجتماعية والإقتصادية لشعوب المنطقة,حيث أنها كانت تراعي المحددات البيئية كالمناخ ونوعية التربة والمواد المتوفرة من جهة ،ونوعية الخبرات المتوفرة بكل منطقة من جهة أخرى, فالبيئة العربية ذات مناخ جاف محمل في الأتربة ولذلك يجب مراعاه هذه الحقيقة عند تصميم البناء ، ولا تزال البلاد العربية تحتفظ بشواهد رائعة عدة لأولى المدن التاريخية التي بنيت كاملة بالطين كمدينتي شبام وصعدة في اليمن ومدينة أدرار في الجزائر ومدينة مراكش في المغرب ومدينة غدامس في ليبيا ومدينة حلب في سوريا ومدينة أريحا في فلسطين، بالإضافة إلى بعض المدن السعودية كحائل والرياض؛ ونلاحظ أيضاً إستمرار العمارة الطينية في اليمن والتي تميزت عماراتها بالإرتفاعات لعدة طوابق.

إلا أنه ومنذ منتصف القرن الميلادي الماضي وكنتيجة طبيعية لما شهده العالم من تغيرات كبيرة وكثيرة في كافة المجالات، بدأ البناء بالطين في البلاد العربية بالإضمحلال وتم إستبداله بمواد البناء الحديثة المستنزفة للطاقة والمنتجة للنفايات بشكل كبير ، لم تحظ مواد البناء الحديثة بالدراسة الكاملة لمعرفة موافقتها للأحوال الإقتصادية والإجتماعية والمناخية-البيئية للمنطقة العربية،ولذلك إنتقلت الكثير من البلاد العربية وبصورة مفاجئة من إقتصاد إقليمي مستقل, إلى إقتصاد عالمي مبني على نشر منتجات الشركات الصناعية المتعددة الجنسيات التي أجهزت على الحرفيين المحليين.

العمارة الطينية في اليمن

يقف السائحون طويلا أمام العمارة اليمنية ، فالذهول يصيب كل من يزور صنعاء القديمة، فقد أبدع اليمنيون في بناء مدنهم باستخدام الطين، ومنذ فجر التاريخ و لليمنيين يد على فن العمارة و الهندسة في العالم، و ليس هناك أدل على ذلك من سد مأرب الذي جعل من صحراء اليمن مروجا خضراء، و من أهم مزايا الفنان اليمني هي اعتماده على بيئته المحيطة في البناء بداية من الطين، و الأخشاب، و الحجارة، و انطلقت العمارة الطينية من اليمن و شهد العالم كله تميزها، و انتشرت في حضارات العالم المختلفة.


من أهم مزايا العمارة الطينية في اليمن ، هي أنها طوعت البيئة؛ لتناسب الإنسان، و يمكن أن نرى ذلك واضحا في الجبال التي تكسوها المنازل، و كيف تغلبت العمارة الطينية على التضاريس الصعبة، و ما لا يعرفه الكثيرين عن الطين كمادة للبناء قدرته على عزل الحرارة، حيث أن الطين الذي استخدم في العمارة في اليمن  مكونا من "سيلكا الألمونيوم"، و هو عبارة عن بلورات صغيرة من الصخور النارية، ما يعني أنه صلب لحد بعيد، في الوقت نفسه له قدرة هائلة على عزل الحرارة، فالساكن في البيوت الطينية في اليمن ، لا يعاني من الحرارة، أو البرد، كما يعاني من يسكنون في المنازل الإسمنتية. 



تتميز العمارة الطينية في اليمن بالجمال الأخاذ، حيث توصف المدن المشنأة في اليمن  بأنها معارض فنية مفتوحة، حيث أن الطين كمادة طبيعية لها تأثير رائع على نفسية قاطني هذه المنازل، سواء من ناحية شكل المنازل من الخارج حيث الاعتماد على الطين، و الحجر، والخشب و هي خامات طبيعية، أو حتى داخل المنزل حيث البساطة و هو ما يحسن الحالة النفسية للساكن في المنازل الطينية في اليمن .

فى جولة لمدينة شبام المذهلة، أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم أو "مانهاتن الصحراء" والتي تتميز بناطحات سحاب من الطين يسكنها أكثر من خمسة آلاف نسمة، ورغم أن شبام موجودة منذ حوالي 1,700 سنة، إلا أن معظم بيوتها يرجع إلى القرن السادس عشر، والعديد منها أعيد بناؤها مرات عدة في القرون القليلة الماضية.

جميع بيوت شبام مبنية من لبنات الطين، وهي نحو 500 برج سكني ترتفع من 5-11 طابقا، ولحماية الأبراج من المطر والتعرية تطلى الجدران بطبقة جديدة من الطين بين الحين والآخر.

شبام هي واحدة من أقدم وأفضل الأمثلة على التخطيط الحضري باسلوب البناء العامودي، وقد استخدم هذا النمط المعماري من أجل حماية السكان من هجمات البدو، إن شبام الآن هي موقع من مواقع التراث العالمي لليونسكو.