السودان في اليوم الـ29.. سلام غائب واتفاقيات تحطمت على صخرة التصعيد

عرب وعالم

اليمن العربي

تعاهدا على حماية المدنيين في بيان منتصف الليل، إلا أنه ما إن انقشع الظلام، حتى محا الحبر الذي كُتب به اتفاق لم يكمل يومه الأول.

وضع عاشته العاصمة السودانية الخرطوم غداة التوقيع على ما يسمى بإعلان المبادئ في مدينة جدة السعودية يوم الخميس، بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، والذي توج محادثات استمرت لما يقرب من أسبوع بين الجانبين.

إلا أنه ما إن بزغ فجر يوم الجمعة وحتى طوى ساعاته، وتعرضت العاصمة السودانية الخرطوم لقصف جوي ومدفعي، وسط اتهامات من الطرفين لبعضهما لخرق الاتفاق.

ومنذ اندلاع الاشتباكات بشكل مفاجئ في 15 أبريل/نيسان الماضي، لم يبد أي من الجانبين استعدادا يُذكر لإنهاء القتال الذي أودى بحياة مئات الآلاف وقد يزج بالسودان في أتون حرب أهلية شاملة.

وأصدر الجانبان بيانات يوم الجمعة تبادلا خلالها الاتهامات بإيذاء المدنيين وغض الطرف عن الاحتياجات الإنسانية للسكان.


فماذا قالا؟

القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، قالت في بيان، إن الموقف العملياتي مستقر في جميع ولايات البلاد عدا المناوشات مع قوات الدعم السريع في أجزاء من العاصمة.

واتهم الجيش، قوات الدعم السريع، بالمشاركة في الصراع القبلي بالجنينة بقصف المدنيين من مواقع تمركزهم بالمدينة ودخولهم طرفا في الأزمة، زاعمًا أن قوات الدعم السريع، سيطرت على 15 مستشفى بالعاصمة وطردت المرضى واحتجزت الكوادر الطبية وأجبرتهم على علاج منسوبيهم، فضلا عن تحويل تلك المنشآت إلى قواعد عسكرية، إلى "جانب الاستيلاء على منازل المواطنين وطردهم منها ونهب الممتلكات العامة والخاصة وسرقة سيارات مدنية لاستخدامها في الأغراض الحربية"، على حد قوله.

وادعى بيان الجيش، أن قوات الدعم السريع، حاولت نهب المخزون الاستراتيجي لبنك السودان من الذهب، إلا أن قواته تصدت لهم، مشيرًا إلى أنه وجه ضربات لعناصر الدعم السريع في جنوب الخرطوم وجبل أولياء، مما أدى إلى تدمير نحو 60 عربه مسلحة، ومقتل نحو 100 عنصر.


ماذا قالت قوات الدعم السريع؟

في بيان اتهمت قوات الدعم السريع، الجيش بتنفيذ غارات جوية وقصف بالطيران الحربي على المواطنين في جنوب العاصمة الخرطوم وعدد من المواقع الحيوية (مصانع وشركات ومؤسسات مدنية) في مناطق مأهولة بالسكان، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى، وانهيار مبان وتضرر مرافق "مهمة".

وقالت قوات الدعم السريع في بيانها: "وقعنا أمس على إعلان جدة مراعاة للظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها المواطنون، رغم علمنا التام من واقع التجارب السابقة بأن قوات الجيش لن يلتفتوا لمعاناة أهلنا في الحصول على الغذاء والدواء والحركة".

وفي السياق نفسه، قال موسى خدام مستشار قائد قوات الدعم السريع، إن القوات ستلتزم بالمبادئ المتفق عليها والتي تهدف إلى التوصل لوقف كامل لإطلاق النار.

وتسبب الصراع في شل الاقتصاد السوداني وخنق حركة التجارة مما أدى لتفاقم الأزمة الإنسانية الكبيرة. وقالت الأمم المتحدة يوم الجمعة إن 200 ألف نزحوا حتى الآن إلى الدول المجاورة.

غير أن ممثل الأمم المتحدة الخاص للسودان فولكر بيرتس قال إنه يتوقع استئناف محادثات وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة لم تصمد بسبب شعور كل طرف بقدرته على تحقيق النصر، لكنه أضاف أن كليهما يدرك الآن أن النصر لن يكون سريعا.


عنف قبلي

ويتناقض تقديره المتفائل مع خيبة أمل كثيرين في العاصمة؛ فمحمد عبد الله (39 عاما) الذي يعيش في الخرطوم قال: "كنا نتوقع أن يهدئ الاتفاق الحرب لكننا استيقظنا على نيران المدفعية والضربات الجوية". وقال سكان إن قتالا عنيفا دار في مناطق متفرقة من الخرطوم ومدينة بحري المجاورة.

وفي دارفور بغرب البلاد، تجدد العنف بين جماعتين مسلحتين محليتين في مدينة الجنينة بعدما شنت جماعة هجوما على جماعة مسلحة أخرى، وهز قتال بالبنادق الآلية والمدفعية أحياء المدينة بعد هدوء نسبي استمر أسبوعين. وكان العنف بين الجماعتين المسلحتين قد أدى لمقتل 450 شخصا في الشهر الماضي.


وفي أجزاء أخرى من دارفور، حيث تعتمل حرب منذ عام 2003 أودت بحياة 300 ألف وشردت 2.5 مليون، بدا وقف إطلاق النار الذي تم ترتيبه محليا بين الجيش وقوات الدعم السريع صامدا.

وفي بورتسودان على البحر الأحمر، عبر التاج الطيب عن أمله في أن يمهد اتفاق الخميس الطريق نحو السلام، قائلا: "بلادنا ما محتاجة لكل هذه الكوارث، والله ما محتاجة".


اتفاق إنساني

تضمن الاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم الخميس، وهو نتاج محادثات جرت بوساطة سعودية وأمريكية في جدة، التزامات بالسماح بعبور آمن للمدنيين والمسعفين والإغاثة الإنسانية، وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين والمرافق العامة.

وقال مسؤولون أمريكيون إن التوقيع سيتبعه مفاوضات لوقف إطلاق النار ووصفت السعودية الاتفاق بأنه "خطوة أولى".

وذكر أحد المشاركين في جهود الوساطة إن الوسطاء دفعوا الجانبين للتوقيع على إعلان المبادئ الخاص بحماية المدنيين بهدف تخفيف التوترات في ظل استمرار الخلاف بشأن التوصل لوقف أوسع لإطلاق النار.

لكن مسؤولا كبيرا في وزارة الخارجية الأمريكية قال إن "الطرفين متباعدان جدا"، وأضاف أنهم لا يتوقعون امتثالا كاملا للمبادئ الواردة في الإعلان.

واتفق الطرفان على إخلاء المنازل والممتلكات الخاصة الأخرى، لكن أسرة في بحري قالت إن مقاتلي قوات الدعم السريع حاولوا الاستيلاء على منزلها صباح الجمعة.

وكثيرا ما يتهم سكان الخرطوم قوات الدعم السريع بالاستيلاء على المنازل والمستشفيات كجزء من أسلوب للانتشار في أنحاء المدينة في وقت تخوض فيه قتالا مع الجيش الذي يملك قدرات جوية.

وتنفي قوات الدعم السريع هذه الاتهامات وتلقي بالمسؤولية على عناصر من الجيش وجماعات مسلحة أخرى.

وقالت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق إفريقيا (إيغاد) "يتعين على الطرفين نقل تعليمات واضحة لا لبس فيها للرتب الأدنى" في سبيل تنفيذ اتفاق الخميس.

إلا أن كاميرون هدسون الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن يشك في أن قوات الدعم السريع لديها ما يكفي من السيطرة على جنودها للقيام بذلك.

وشهدت الإعلانات السابقة لوقف إطلاق النار انتهاكات متكررة، مما ترك المدنيين وسط مشهد مرعب من الفوضى والقصف في ظل انقطاع إمدادات الكهرباء والمياه وشح الغذاء وانهيار النظام الصحي.


قتلى ونازحون

وأوقفت الكثير من وكالات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الأخرى المساعدات للسودان خاصة في العاصمة الخرطوم في انتظار ضمانات لسلامة المؤن والعاملين.

وذكرت منظمة الصحة العالمية أن 600 على الأقل قتلوا وأصيب أكثر من خمسة آلاف في القتال لكنها رجحت أن تكون الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك بكثير.

وفي دارفور، قال ناشط محلي اسمه أحمد قوجة إن اتفاق الخميس قد يساعد في تثبيت وقف إطلاق النار الذي جرى ترتيبه محليا لكنه حذر من أن غياب آليات مراقبة تنفيذه سيعرقل تحسن الأوضاع.

وأضاف قوجة أن القليل من المساعدات الإنسانية وصلت إلى مدينتي نيالا والفاشر الرئيسيتين في دارفور حيث لم يتلق العاملون أجورهم لشهرين. وفي الجنينة، دُمرت البنية التحتية المحلية وتعطل النظام الصحي تماما، وفر عشرات الآلاف من السكان إلى تشاد المجاورة.