السودان في ثالث أيام المواجهات.. ظلام دامس وجثث متحللة بالشوارع

عرب وعالم

اليمن العربي

في العاصمة السودانية الخرطوم لا شيء يعلو فوق صوت المعارك الحربية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي استدعيت إليها كافة الأسلحة الحربية.

فأصوات الرصاص والذخائر الثقيلة والخفيفة والطائرات الحربية التي تحلق فوق السماء، وألسنة الدخان المتصاعدة تشير إلى أن الطرفين المتحاربين يخوضان معركة كسر العظم.

وعلى الرغم من استمرار المواجهات العسكرية لليوم الثالث على التوالي، إلا أن الرؤية النهائية بشأن الطرف العسكري الذي يبسط سيطرته على الأرض لم تتضح بعد.


روايات متضاربة

ففيما أعلن الجيش السوداني، الإثنين، السيطرة على مقار قوات الدعم السريع بالفاشر، واستلام نحو 100 مركبة عسكرية بمختلف الأسلحة، أشار إلى أن قواته سيطرت على مقر قوات الدعم السريع (رئاسة المجموعة الخاصة) بالخرطوم.

كانت قوات الدعم السريع على موعد مع روايتها الخاصة، والتي أشارت فيها إلى إسقاط قواتها طائرة حربية بالقرب من معسكر "النسور" بمدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم.

كما أعلنت تلك القوات وضع يدها على صواريخ بمخازن التصنيع الحربي والسيطرة الكاملة على مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، والقبض على قناصين في محيط القيادة العامة للجيش في قلب العاصمة الخرطوم.

وقال شهود عيان، إن هناك طائرات تحلق على ارتفاع منخفض فوق سماء شرق الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، مشيرين إلى سماع دوي انفجارات لقنابل ثقيلة، وأسلحة وآليات، فيما لا يزال صوت إطلاق النار والرصاص مستمرا.

وما زال العديد من المواطنين محتجزين في أماكن متفرقة منذ بداية الاشتباكات منها الجامعات، ومقر كلية الهندسة بجامعة الخرطوم، الذي وصلت منه نداءات لمحتجزين أعدادهم نحو 150 شخصا، بينهم نساء كن يعملن في بيع الأطعمة أمام مباني الجامعة.

وحاول العديد من المحتجزين الخروج للعودة إلى منازلهم أثناء هدنة وقف إطلاق النار التي دعت إليها بعثة الأمم المتحدة، إلا أن الأطراف المتصارعة لم تلتزم بوقف إطلاق النار، رغم تعهداتهم في بيانات رسمية باحترامها.


جثث متحللة

وانطلقت نداءات واسعة من المواطنين جراء انتشار الجثث المتحللة في الشوارع دون دفنها، إثر الاستمرار العنيف لإطلاق النار.

وظهرت عدة رسائل على منصات وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بتوفير مسارات آمنة لدفن جثامين القتلى المنتشرة في الشوارع وداخل المنازل والمستشفيات.

وتعاني النساء أيضا أوضاعا صحية بالغة التعقيد، نظرا لإغلاق الصيدليات وعدم قدرتهن على الحصول على مستلزمات العناية النسائية والفوط الصحية، وكذلك صعوبة الوصول إلى المستشفيات للنساء الحوامل أو من هن على وشك الولادة.

بدورها، أشارت لجنة أطباء السودان المركزية (غير حكومية) إلى تعرض المستشفيات والمؤسسات الصحية بالخرطوم ومدن السودان الأخرى إلى القصف بالمدافع والأسلحة النارية، مما ألحق أضرارا بالغة بمستشفى الشعب التعليمي ومستشفى ابن سينا التخصصي ومستشفى بشاير جراء الاشتباكات والقصف المتبادل بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.


قصف متكرر

وقالت اللجنة، في بيان صادر عنها، إن القصف المتكرر تسبب بخروج مستشفيات الشعب التعليمي والخرطوم التعليمي عن الخدمة تماما، بالإضافة إلى حالة من الإرباك والخوف ضربت الكادر الطبي، والمرضى، والأطفال، ومرافقيهم.

وأشارت إلى أن القصف يعد انتهاكا واضحا للقانون الدولي الإنساني والمواثيق التي تنص على حماية المؤسسات الصحية وتحييدها من الاستهداف، مؤكدة أن القوات المتصارعة أخلت مستشفى الشرطة من المرضى، مما جعله يخرج عن الخدمة، بالإضافة إلى مستشفى الضمان بمدينة الأبيض.

وذكر البيان أن المستشفى الدولي بمدينة بحري يعاني من انقطاع الكهرباء، فيما شارف وقود مولدات الكهرباء على النفاد، مما يعرض حياة المرضى بالعناية المكثفة والعمليات الجراحية للموت.

وطالب الأطباء المجتمع الدولي بإلزام طرفي النزاع بعدم المساس بالمرافق الصحية، وفتح ممرات آمنة، والسماح بمرور سيارات الإسعاف.

وكرر الأطباء مناشدتهم المنظمات الإنسانية لمد يد العون والتحرك العاجل، من أجل المساعدة في إجلاء الجرحى وتوفير المحاليل الوريدية وأكياس الدم.


ماذا عن الخدمات الميدانية؟

ومع احتدام القتال، انقطعت خدمات المياه والكهرباء في معظم أحياء الخرطوم وبحري وأم درمان، مما تسبب في حالة من الاستياء لدى المواطنين.

وأصدرت هيئه مياه ولاية الخرطوم بيانات متعددة أشارت بموجبها إلى عدم قدرة موظفيها على إصلاح الأعطال في شبكات المياه التي تضررت كثيرا جراء إطلاق النار والقذائف.

وبحسب إفادات شهود العيان، فإن هناك تناقصا ملحوظا في أعداد المحال التجارية المفتوحة خاصة في الأحياء الراقية وسط العاصمة الخرطوم، كما أوصدت المخابز والصيدليات وبعض دور العبادة أبوابها، مما يهدد بنقصان الغذاء والدواء والمستلزمات اليومية، خاصة حليب الأطفال وأدوية الأمراض المزمنة والإسعافات الأولية والغذاء الرئيسي.

وقال شهود عيان إن خدمة الإنترنت وتطبيقات البنوك الإلكترونية ما زالت تعمل في مناطق عديدة من العاصمة مع إرهاصات مستمرة بقطع الخدمة بأمر السلطات في أي لحظة.

وتبادل الجيش وقوات "الدعم السريع" اتهامات ببدء كل منهما هجوما على مقار تابعة للآخر، بالإضافة إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كل منهما، فيما وصف الجيش "الدعم السريع" بـ "المتمردة"، في خلاف بدأ بتحريك الأخيرة لقواتها نحو عدة مدن سودانية دون إذن من قيادة المؤسسة العسكرية.

وتوجت الاشتباكات شهورا من التوترات المتصاعدة بين الجيش وشريكه "قوات الدعم السريع" الذي تحول إلى خصم نتيجة الخلافات حول عملية دمج قوات الدعم بالجيش.

وأدت هذه التوترات إلى تأخير التوصل إلى اتفاق مع الأحزاب السياسية لإعادة البلاد إلى عملية الانتقال إلى الديمقراطية، والتي توقفت بسبب الانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021.