"السلم الأهلي ليس لعبة".. رسالة قاسية من الرئيس التونسي لـ "صندوق النقد"

اقتصاد

اليمن العربي

الإصلاحات التي يشترطها صندوق النقد للموافقة على برنامج تمويل لتونس، يبدو أنها غير مقبولة من الرئيس قيس سعيد، الذي أكد رفضه لها.

في أوضح إشارة على رفضه للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، قال الرئيس التونسي، قيس سعيد، الخميس إن "إملاءات المقرضين غير مقبولة.. وإن خفض الدعم أدى إلى احتجاجات سقط فيها قتلى في تونس سابقا"، مضيفًا أن "السلم الأهلي ليس لعبة".

جاءت تصريحات سعيد ردا على سؤال حول إمكانية توقيعه على اتفاق محتمل مع صندوق النقد الدولي، وذلك خلال الذكرى 23 عن رحيل الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة (1957-1987) الخميس في محافظة المنستير وسط شرقي تونس.

وأضاف سعيد في تصريحاته أنه بدلا عن ذلك يجب أن "يعول التونسيون على أنفسهم"، في أوضح إشارة على رفضه لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وعبر عن رفضه للضغوط التي تمارسها الجهات المانحة على بلاده والتي يقدمها صندوق النقد الدولي الذي يطالب برفع الدعم.

ومنذ فترة، تسعى تونس إلى الحصول على قرض من صندوق النقد في ظل أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية.

وتنتظر الحكومة التونسية من صندوق النقد الدولي "الإفراج" عن قرض مالي بقيمة 1.9 مليار دولار موزعة على أربع شرائح على أربع سنوات، لتتمكن من الخروج إلى الأسواق المالية وتعبئة الموارد لموازنة هذا العام وكذلك سد فجوة موازنة 2022 التي لم يتم إغلاقها إلى الآن.

وتناقض تصريحات سعيد موقف أعضاء حكومته، الذين قالوا إنه لا بديل عن الاتفاق مع الصندوق. وكان وزير الاقتصاد سمير سعيد قد كرر أن تونس لا خيار لها سوى الاتفاق مع صندوق النقد وأنه لا خطة "ب" لديها.

ووفقا لميزانية 2023، تعتزم تونس خفض نفقات الدعم بنسبة 26.4 بالمئة إلى 8.8 مليار دينار (2.89 مليار دولار).

لكن حتى الآن، لم ترفع الحكومة أسعار الوقود هذا العام على عكس ما خطط سابقا فيما يبدو أنه سعى لتجنب الغضب الشعبي مع وصول التضخم 10.3 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ أربعة عقود.

وعلى رغم حصول اتفاق الخبراء في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2022 بين تونس وصندوق النقد الدولي وإرجاء الاتفاق النهائي والرسمي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا أن المكتب التنفيذي للصندوق سحب مناقشة برنامج تونس من جدول أعماله في الشهر ذاته، وأجّل الموافقة النهائية إلى حين تنفيذ تونس برنامج الإصلاحات الاقتصادية.

وتشمل الإصلاحات رفع نظام الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية المتعثرة والتخفيض في كتلة الأجور وغيرها من الإصلاحات الأخرى، وهي إجراءات قوبلت بتحفظ كبير من الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأكبر في البلاد.

وسبق أن حذّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مؤخرا من أن تونس تحتاج بشكل طارئ إلى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، كما عبر الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء ما وصفه بـ "تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في هذا البلد ويخشى انهياره".

وتراجعت سندات العملة الصعبة الصادرة عن تونس بنحو 4.6 سنتا بعد أن رفض رئيسها قيس سعيد شروط برنامج صندوق النقد الدولي.

وكانت وكالة "موديز"، خفّضت التصنيف الائتماني لتونس، إلى "CAA2"، مع نظرة مستقبلية سلبية، مشيرة إلى المخاطر التي تواجهها البلاد بعد سنوات متتالية من الأزمات السياسية والاقتصادية، والتي قلصت الآمال في حدوث تغيير قريب، وانعكاس للمؤشرات الاقتصادية المنحدرة منذ 2011.

وفي فبراير/شباط 2023، شهد معدل التضخم في تونس ارتفاعًا غير مسبوق، بنسبة 10.4 في المئة في ظل استمرار تذبذب وفرة السلع الأساسية محليًا وارتفاع أسعارها عالميًا، حسب المعهد الوطني للإحصاء.


حلول بديلة

ويرى مراقبون أن القرض الذي تنتظره تونس هو بمثابة الضمان للدول المانحة وأنه في صورة عدم الحصول عليه

من جهته، حذر خبير الاقتصاد التونسي معز حديدان، من عدم إمضاء الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي قد يحول دون حصول تونس على قروض من عدّة دول، على رأسها إيطاليا، إلاّ إذا كانت الدولة التونسية لها حلول أو وعود أخرى.

وكشف حديدان أنّه لتعويض الأموال المفترض تلقيها من صندوق النقد الدولي، تدخّل البنك المركزي، من خلال ضخّ 1.3مليار دولار في الاقتصاد التونسي، وذلك منذ 1 ديسمبر/ كانون الأول 2022 إلى غاية يوم أمس، مؤكّدا أنّ هذا التدخّل كان بطريقة سلسة، وهو إجراء قانوني، لكن له عواقب على التضخّم.

وفسّر حديدان أنّ الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي مهم لأنّه بمثابة الضمان للدول المانحة للقروض، أكثر من قيمته المالية المقدّرة بـ 1.9 مليار دولار، قائلا: "قيمة قرض صندوق النقد لا تكفي تونس لسداد أجور الوظيفة العمومية، لأربعة أشهر فقط".

وأكد أن الإصلاحات التي يشترطها صندوق النقد ستمكن تونس من أن تصبح قادرة على السداد.

من جهته، قال علي الصنهاجي أستاذ الاقتصاد التونسي إن الرئيس التونسي أكد أن بلاده يجب أن تعول على نفسها وأن هناك حلولا بديلة في صورة عدم الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.

ودعا إلى ضرورة استغلال الثروات الباطنية بطريقة ناجعة وحل معضلة نقل الفوسفات وتأمين مناطق الإنتاج، إضافة إلى دعم القطاع الفلاحي وترشيد التوريد وتأهيل القطاع السياحي من خلال الاستثمار في الجودة والتكوين.

وأكد أنه بالعمل الجيد يمكن أن تحقق تونس موسما سياحيا ناجحا، بخاصة من حيث تأمين عائدات كبيرة إلى جانب تواصل تحويلات التونسيين المغتربين بنفس مستويات السنوات الماضية.

وتابع أن تحويلات التونسيين المغتربين بالعملة الصعبة نحو تونس قد بلغت 9.5 مليار دولار سنة 2020 وتمثل نحو 20 % من احتياطي تونس بالعملة الأجنبية.

ويمثل قطاع الفوسفات عصب الاقتصاد التونسي والرئة التي تتنفس منها الدولة والمورد الأول في الميزانية، حيث احتل مكانة مهمة في المنظومة الاقتصادية، سواء على مستوى المداخيل من العملة الصعبة أو على مستوى الميزان التجاري، لكن  بعد 2011 وصعود الإخوان للحكم عاش القطاع أحلك فتراته بسبب كثرة الاحتجاجات وتفاقم الفساد.

أوقفت السلطات التونسية، في شهر أغسطس/ آب الماضي، 14 مسؤولا وأدرجت 3 آخرين في قائمة البحث (الطلب) للقبض عليهم، بينهم وزير صناعة سابق وذلك بشبهة فساد مالي وإداري في قطاع الفوسفات.

وفي 2 أغسطس/آب الماضي، توعد الرئيس التونسي قيس سعيد، أطرافا متورطة (لم يسمها) في تعطيل إنتاج ونقل الفوسفات.