أمريكا والصين وروسيا وكنوز إفريقيا.. حرب باردة بسلاح "الديون"

اقتصاد

اليمن العربي

فقدت الولايات المتحدة نفوذها في إفريقيا لصالح منافسيها الرئيسيين، روسيا والصين، فيما يبدو وكأنه حرب باردة جديدة.

لذلك تكثف إدارة الرئيس جو بايدن حملة تهدف إلى تعزيز النفوذ الأمريكي في القارة، حسبما ذكرت اكايلا جاردنرـ مراسلة وكالة بلومبرغ للأنباء لدى البيت الأبيض.

وفي إطار هذه الحملة، سوف تصبح نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس أحدث أكبر مسؤول يزور إفريقيا، حيث من المقرر أن تشمل جولتها غانا وتنزانيا وزامبيا.

وتأتي الجولة في أعقاب زيارة كل من وزير الخزانة جانيت يلين، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن للمنطقة مؤخرا. وكان الرئيس بايدن تعهد خلال قمة عقدت في ديسمبر/كانون الأول الماضي مع قادة إفريقيا بتقديم حزمة مساعدات للقارة بقيمة 55 مليار دولار.


إفريقيا الغنية بالمعادن

وتقول جاردنر في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن السعي للتواصل مع دول القارة الغنية بالمعادن يأتي في الوقت الذي أدت فيه حرب روسيا على أوكرانيا – والمواجهة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين- إلى زعزعة الدبلوماسية العالمية. ويسعى الطرفان إلى كسب ود الدول غير المنحازة في مناطق مثل إفريقيا.

وأثار المسؤولون الأمريكيون قضية الحرب الأوكرانية مع القادة الأفارقة وشجعوهم على دعم كييف- على الرغم من أن الكثير من الحكومات الأفريقية فضلت البقاء على الحياد، ويرتبط بعضها بعلاقات طويلة الأمد مع روسيا، تشمل مشتريات أسلحة.

ومن المرجح أن ما يمثل قلقا أكبر لهاريس وزملائها في الإدارة الأمريكية هو التنافس الاقتصادي مع الصين، التي تعد حتى الآن أكبر شريك تجاري لإفريقيا، حيث من المتوقع أن يزيد حجم التجارة بين الجانبين على 260 مليار دولار هذا العام.


المنافسة على كنوز إفريقيا

ويتضمن التنافس بين الولايات المتحدة والصين سباقا للحصول على المعادن المهمة للغاية بالنسبة للطاقة الخضراء- حيث تمتلك إفريقيا بعض من أكبر الإمدادات في العالم- وكذلك خلاف حول تخفيف عبء الديون، حيث تزداد الأعباء بالنسبة للدول الفقيرة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة. وقد ساعد الإقراض الصيني لإفريقيا الدول على تطوير وبناء البنية التحتية. ويلفت كبار المسؤولين الأمريكيين الانتباه إلى الأسعار المرتفعة بالنسبة للمقترضين والصعوبة التي يواجهونها في السداد للصين.

وتشير جاردنر إلى أن كاميرون هودسون، أحد كبار الباحثين في برنامج إفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قال إن المسؤولين الأمريكيين " لن يقولوا إنهم في تنافس مع الصين أو روسيا في إفريقيا"، مضيفا، رغم ذلك، أن "من الواضح أنهم يستغلون هذه الزيارات لإظهار الفارق الواضح بين أسلوب واشنطن" واساليب منافسيها.

ومن الأمثلة على ذلك تركيز الولايات المتحدة على تعزيز الديمقراطية- وقد وعدت مؤخرا بتقديم 165 مليون دولار لدعم الانتخابات الحرة في إفريقيا- مصحوبة بتحذيرات إزاء الدور المزعزع للاستقرار الذي تقوم بها مجموعة فاغنر، النشطة في دول مثل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى.


هل تنتظر دبلوماسية الديون؟

وهناك أيضا دبلوماسية الديون، إذ تشمل جولة هاريس غانا وزامبيا، اللتين تعثرتا في سداد الديون منذ انتشار جائحة كورونا. وتسعى الدولتان إلى إعادة هيكلة الديون.

وأعربت الولايات المتحدة وحلفاؤها على مدار شهور عن شعورهم بالإحباط إزاء موقف بكين بشأن اتفاقيات تخفيف عبء الديون بالنسبة لبعض أفقر الدول في العالم.

وقد أوقفت الصين، أكبر دائن للدول النامية في أنحاء العالم العملية في العديد من الدول، خشية أن تُرسخ سابقة بإجراء تخفيضات مباشرة على قروضها.

ويدرك القادة الأفارقة تراجع الاقتراض من الصين ويقبلون ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة، حسبما قال مسؤول في الإدارة الأمريكية، طلب عد الافصاح عن هويته، بسبب حديثه عن دبلوماسية سرية.

وقال المسؤول إن الولايات المتحدة والصين ليستا الدولتين الوحيدتين اللتين تسعيان لبناء نفوذ في إفريقيا- مشيرا إلى دول أخرى تريد تكثيف تواجدها هناك، مثل الهند، وتركيا.

وأوضحت جاردنر أن الولايات المتحدة تدعم المزيد من الإقراض الغربي لإفريقيا. وشمل الالتزام بتقديم 55 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، الذي أعلن عنه بايدن في القمة الأمريكية- الأفريقية والتي كانت الأولى منذ عام 2014، مبلغ 21 مليار دولار كقروض للدول المنخفضة والمتوسطة الدخل عن طريق صندوق النقد الدولي.


استثمارات أمريكية في إفريقيا

كما أوضحت الإدارة الأمريكية أهمية زيادة مشاركة القطاع التجاري أيضا. وفي القمة التي عقدت في واشنطن قالت وزيرة التجارة جينا ريموندو إنها تتوق إلى أن ترى مشاركة القطاع الخاص باستثمارات في إفريقيا.

وأشارت جاردنر إلى أن الولايات المتحدة تسعى بقوة للتحول إلى الطاقة النظيفة، ولدى الدول الأفريقية بعض المعادن الحيوية بالنسبة للتكنولوجيات الناشئة، مثل الليثيوم والكوبالت، والتي تستخدم لإنتاج البطاريات للسيارات الكهربائية. وألمح المسؤولون إلى أن مجموعة فاغنر قد تقوم بدور في نقل تلك السلع الرئيسية إلى روسيا.

وتعتبر الصين متقدمة للغاية عن باقي دول العالم في تأمين سلسلة إمداد متكاملة لإنتاج السيارات الكهربائية، ولكنها ما زالت تحتاج إلى معادن مثل النحاس والكوبالت، وهي متوفرة بكميات ضئيلة للغاية في الصين والولايات المتحدة وأوروبا، بينما لدى إفريقيا كميات كبيرة جدا منها.

واختتمت جاردنر تقريرها بالقول إن المساعدات الإنسانية لإفريقيا زادت أيضا منذ تولى بايدن الرئاسة، خاصة بالنسبة للدول التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الذي ازداد سوءا بعد الارتفاع الشديد لأسعار القمح وغيره من الصادرات التي ترد من أوكرانيا وروسيا.

ويكمن وراء هذه المبادرات شعور بأن الولايات المتحدة تحتاج إلى إصلاح الضرر الذي لحق بالعلاقات الأفريقية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.