"أم المعارك" مقابل "أم الإصلاحات".. فرنسا على موعد مع "سترات صفراء" جديدة

عرب وعالم

اليمن العربي

"كما وعدتكم، سيكون هذا العام عام إصلاح نظام المعاشات التقاعدية"، كلمات خاطب بها رئيس فرنسا مواطنيه ليلة رأس السنة.

ففيما تضمن الخطاب وضع خطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على طريق التفعيل، لم تمض أيام حتى باتت واقعا حملته تصريحات رئيسة وزراء فرنسا إليزابيت بورن اليوم الثلاثاء.

وقالت بورن، في مؤتمر صحفي، تضمن عرض خطط الحكومة الفرنسية للإصلاح، إن الحكومة الفرنسية ستقدم مشروع قانون يهدف إلى رفع سن التقاعد الاعتيادي إلى 64 عاما من 62، مضيفة: "أدرك جيدا أن تغيير منظومة معاشات التقاعد يثير تساؤلات ومخاوف بين الشعب الفرنسي، إلا أن مهمة الحكومة الآن حشد الدعم الشعبي للإصلاح".


وعد رئيس

وكان إصلاح منظومة معاشات التقاعد أحد الوعود الرئيسية التي قدمها الرئيس ماكرون حينما انتُخب لأول مرة عام 2017، ولطالما دافع عنه، لكنه أرجأ المحاولة الأولى في عام 2020 في مواجهة جائحة كورونا، والاحتجاجات العارمة التي نظمتها النقابات آنذاك.

وكان من المفترض أن يتم الإعلان عن الإصلاح منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن ماكرون الذي خسر حزبه الحاكم الأغلبية البرلمانية في انتخابات العام الماضي، أرجأ الإعلان لإفساح المجال أمام المزيد من المحادثات.

وستكون إصلاحات ماكرون واحدة من أكثر الإصلاحات شمولا في سلسلة إصلاح نظام التقاعد التي سنتها الحكومات المتعاقبة من اليسار واليمين في العقود الأخيرة لوضع حد لعجز الموازنة.

إلا أن تلك الإصلاحات تجد معارضة قوية بين الفرنسيين والنقابات على حد سواء، وفقا لاستطلاعات الرأي، التي قالت إن هذا المقترح لا يحظى بشعبية كبيرة لدى الجمهور.


معارضة "جامحة"

تلك المعارضة ترجمها بيان صدر في أعقاب تصريحات رئيسة الحكومة الفرنسية، ممهورًا بتوقيع النقابات الفرنسية الثماني الرئيسية والتي أعلنت يوم الثلاثاء تعبئة عامة في 19 يناير/كانون الثاني احتجاجا على خطة رئيسة الوزراء لإصلاح نظام التقاعد والتي تتضمن رفع سن التقاعد القانوني من 62 إلى 64 عاما.

النقابات الثماني التي اجتمع رؤساؤها مساء الثلاثاء في باريس، قالت في بيان مشترك إن هذا اليوم يجب أن "يطلق تعبئة قوية بشأن المعاشات التقاعدية على المدى الطويل".

وفيما تستعد فرنسا لتظاهرات ضخمة مع كشف الحكومة عن إصلاح نظام التقاعد، بات الشارع الفرنسي على موعد مع انتفاضة شعبية عنيفة أخرى، تعيد إلى الأذهان احتجاجات "السترات الصفراء" في عام 2018، عندما هرع المتظاهرون بشكل عفوي إلى الشوارع.

وحذر رئيس نقابة "القوة العاملة" فريديريك سويو المعارض لهذا الإصلاح على غرار كل المنظمات النقابية والمعارضة السياسية باستثناء اليمين، قائلا: "إذا كان إيمانويل ماكرون يريد جعل ذلك أم إصلاحاته، بالنسبة إلينا ستكون أم المعارك".

وشهدت فرنسا منذ نحو ثلاثين عاما سلسلة إصلاحات كبرى لأنظمة التقاعد للاستجابة لتقدم السكان بالسن والتدهور المالي في خزينتها، إلا أنه في كل مرة يُعلن عن تمديد سن العمل، تنظم تحركات عمالية في بلد تعتبر فيه نسبة توظيف كبار السن متدنية.


توحد المعارضة

ولا يحظى رفع سن التقاعد بتأييد شعبي في فرنسا، إحدى دول أوروبا التي يبقى فيها سن التقاعد بين الأدنى مقارنة مع ألمانيا أو إيطاليا أو إسبانيا؛ فقد عبر أكثر من ثلثي الفرنسيين (68%) عن معارضتهم رفعه إلى 64 عاما حسب استطلاع أجراه "ايفوب-فيدوسيال".

وقالت الرئيسة الجديدة لحزب الخضر مارين توندلييه: "سيدور النقاش" في الشارع في مواجهة إصلاح "عقائدي" و"مناهض للعمال" و"يخدم طبقة" الميسورين.

واعتبر رئيس نقابة الكونفدرالية العامة للشغل فيليب مارتينيز أنه مع هذا الإصلاح "نعود إلى ما عاشه أجدادنا، أي بعد العمل، القبر".

من جهته، وعد منسق اليسار الراديكالي مانويل بومبار على قناة "BFMTV" بأن "الجبهة النقابية والسياسية ستكون موحدة بالكامل في هذه المعركة".

وأظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الفرنسيين يعارضون هذا الإصلاح؛ فاستطلاع أجرته مؤسسة "هاريس انتراكتف" Harris-Interactive نشر يوم الإثنين، كشف أن مستوى المعارضة عند 54%.


فئة وحيدة

وقال فريدريك دابي رئيس معهد إيفوب إن "الفئة الوحيدة المؤيدة لهذا الإصلاح هي المتقاعدون البالغون من العمر 65 وما فوق".

وفيما كشف استطلاع أجرته مؤسسة "هاريس انتراكتف" Harris-Interactive نشر الإثنين أن مستوى المعارضة عند 54%، قال إتيان أوليون، أستاذ علم الاجتماع في Ecole Polytechnique، لموقع "Street Signs Europe" يوم الثلاثاء إن ماكرون "حريص على الحفاظ على صورة الرئيس الإصلاحي".

وقال رئيس الاتحاد الفرنسي الديمقراطي للعمل لوران بيرغر: "سأقولها هنا وأخبرت رئيس الوزراء: إذا تم تأجيل سن التقاعد إلى 64 أو 65، فإن الاتحاد سيحشد لمعارضة هذا الإصلاح".

وكتب الزعيم السياسي اليساري المتشدد جان لوك ميلينشون، رئيس حزب La France Insoumise، على تويتر: "سيكون الجو حارًا في يناير (كانون الثاني)".


إشعال النار

وحذر فرانسوا بايرو، الحليف المقرب لماكرون، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قائلًا: "لم نبذل، بشكل جماعي، ما يكفي من الجهد اللازم لتثقيف الناس".

وقال فريدريك دابي، لإذاعة أوروبا 1 هذا الأسبوع: "بذور (انفجار اجتماعي آخر) موجودة ويمكن أن تؤدي شرارة إلى إشعال النار في كل شيء".

وأظهر استطلاع أجرته مجموعة إيفوب يوم الأربعاء أن معظم الفرنسيين يعارضون تغييرات المعاشات التقاعدية، حيث قال ستة من كل 10 (58 بالمائة) إنهم سيدعمون الاحتجاجات.

وقالت أديلايد ذو الفقارباسيتش، المديرة العامة لمجموعة استطلاعات الرأي في فرنسا BVA، لوكالة فرانس برس إن البلاد بدت "متعبة ومرهقة"، مما يجعل من الصعب معرفة ما إذا كانت "على وشك حركة احتجاجية كبيرة أو استقالة".