زيارة مثيرة وميناء تاريخي.. ألمانيا تُثير قلق الغرب بالتقارب مع الصين

اقتصاد

اليمن العربي

حالة من التخوف تسود التكتل الغربي، في ظل تقارب اقتصادي بين ألمانيا أكبر اقتصاد أوروبي، مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.

 

ما بين زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز لبكين، واستحواذ الصين على حصة مسيطرة في ميناء هامبورج، تثير تحركات برلين بعيدا عن التحالف الأوروبي الأمريكي الكثير من التساؤلات.

 

البداية من ميناء هامبورج، وهو أحد أكبر وأعرق الموانئ في أوروبا، حيث تميزت المدينة الألمانية في التجارة منذ العصور الوسطى.

 


ميناء هامبورج

 

ما يثير المخاوف في أمريكا وأوروبا، هو انضمام الميناء إلى قوة الشحن الصينية العملاقة شركة China Ocean Shipping Co للشحن والمعروفة اختصارا باسم (كوسكو)، حيث تتجه الشركة المملوكة للحكومة الصينية نحو شراء حصة في محطة الحاويات الألمانية.

 

كانت الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا خلال معظم العقد الماضي، ثم جاء المستشار الألماني أولاف شولتز ليدفع بصفقة ميناء هامبورج وكوسكو من خلال حكومته الأسبوع الماضي.

 

معارضة الصفقة لا تقتصر على الخارج فقط، هي أيضا تلقى معارضة في الداخل الألماني، فهي لا تلقى قبول 6 وزراء في حكومة شولتز.

 

لكن شولتز حاول تهدئة مخاوفهم بشأن الصفقة، من خلال خفض حصة كوسكو من 35% إلى 24.9%، وبينما وافقت حكومته على مضض على هذه الصفقة المخففة، فإنها على المستوى الشعبي تحظى بمعارضة كبيرة.


دهشة عواصم أوروبا

 

خارجيا، تطالب الولايات المتحدة بعدم السماح للصين بالحصول على حصة مسيطرة في محطة ميناء هامبورج، وفقا لمسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية.

 

وبينما لم يتم الانتهاء من الصفقة بعد، أثار توقيت موافقة مجلس الوزراء عليها من قبل شولتز الدهشة في برلين وعواصم غربية أخرى.

 

ويتعرض المستشار الألماني لضغوط سياسية في الداخل ومن واشنطن لإعادة التفكير في علاقة برلين مع بكين.

 

يخشى المشرعون سواء من حكومة شولتز أو من المعارضة، ارتكاب نفس الأخطاء مع بكين التي ارتكبوها مع موسكو، حيث كانوا يعتمدون بشكل مفرط عليها من أجل رفاههم الاقتصادي، وفقا لموقع "npr"، هم حريصون على تقليل اعتماد ألمانيا الاقتصادي على الصين.

 

يسير شولتز على نهج المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، ويسافر إلى بكين مع وفد من الرؤساء التنفيذيين الألمان، الذين يتطلعون إلى مواصلة العمل.


نوايا شولتز

 

ردا على الانتقادات، أوضح شولتز نواياه في بكين في مقال رأي لصحيفة فرانكفورتر ألجماينه الخميس.

 

وقال إنه إذا شددت بكين اعتماد سلاسل الإنتاج الدولية على الصين، فإن برلين ستغير موقفها.

 

كما يتعرض شولتز لضغوط من واشنطن التي تريد خروج ألمانيا من الصين، يؤكد شولتز في مقالته أن "دعوات البعض لعزل الصين" غير مبررة وأن برلين لا تسعى إلى الانفصال عن بكين.

 

يقول مارسيل فراتزشر، رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، إن واشنطن ليست العاصمة الوحيدة التي ترى أن الاستثمار الألماني الضخم في الصين يمثل مشكلة. بروكسل وباريس لديهما نفس وجهة النظر.

 

وفي ظل المخاوف من ركود اقتصادي محتمل، لا توجد نية للصناعة الألمانية في إزعاج أكبر أسواقها، ناهيك عن قطع العلاقات.

 


خطأ اقتصادي

 

أحد قادة الأعمال الذين يرافقون شولتز إلى بكين من شركة الكيماويات العملاقة BASF، التي تحول الإنتاج من ألمانيا إلى الصين بسبب الارتفاع الحاد في تكاليف الطاقة في أوروبا، أيضا مسؤول تنفيذي آخر من شركة فولكس فاجن، التي تبيع ما يقرب من 40% من سياراتها إلى الصين.

 

حذرت هيلديجارد مولر، رئيسة جماعة ضغط صناعة السيارات الألمانية من أن الانفصال عن الصين سيكون "خطأ اقتصاديا وجيوستراتيجيا فادحا".

 

تصريحات هيلديجارد مولر، تبدو مقنعة إذا نظرنا للمصالح الاقتصادية، بعيد عن التوجهات السياسية لأوروبا وأمريكا تجاه الصين، هنا الصين تبحث عن مصالحها والحفاظ على اقتصادها.


أهم شريك تجاري

 

الأرقام التجارية المعلنة بين البلدين، تؤكد نفس الرؤية، حيث ظلت الصين أهم شريك تجاري لألمانيا في عام 2021 للعام السادس على التوالي بحجم تجاوز 245 مليار يورو (246 مليار دولار أمريكي)، حيث تستمر التجارة الثنائية والاستثمار والعديد من مبادرات الابتكار الأخرى في التدفق إلى بكين، وفقا لموقع "shine.cn" الصيني.

 

وارتفعت التجارة الثنائية بين الصين وألمانيا بنسبة 0.9% على أساس سنوي لتصل إلى 173.57 مليار دولار أمريكي في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، وفقا للبيانات الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك الصينية (GAC)، والتي لا تزال إيجابية بالنظر إلى تأثير الوباء.

 

ارتفعت حصة الصين من الواردات الألمانية إلى 12.4% في النصف الأول من عام 2022، مقارنة بنحو 3.4% في عام 2000، في حين ارتفعت الواردات الألمانية من السلع الصينية من حيث القيمة بنسبة 45.7% على أساس سنوي خلال فترة الستة أشهر تلك، وفقًا للمعهد الاقتصادي الألماني (IW).

 


رسائل شي وشولتز

 

أما فيما يخص الصفقة التي أثارت جنون أوروبا وأمريكا، "ميناء هامبورج"، فالأرقام تؤكد أن الصين هي الشريك التجاري الأكثر أهمية للميناء الألماني، وواحدة من كل ثلاث حاويات يتم التعامل معها في ميناء هامبورج تأتي من الصين أو سيتم شحنها إليها.

 

الزيارة التي تعترض عليها واشنطن وبروكسل، ينظر إليها الرئيس الصيني بشكل إيجابي، وجاء وصفه لها وقال "زيارة المستشار الألماني لبلادنا تعزز التعاون بين بكين وبرلين، وعلى البلدين العمل سويا خلال أوقات التغيير والاضطراب من أجل السلام العالمي، بينما مثلت كلمة شولتز في أثناء اللقاء رسالة واضحة للغرب وللداخل في بلاده عندما قال "نسعى إلى تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين".

 

شولتز هو أول زعيم أوروبي يزور الصين بعد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وأن هذه هي أول زيارة له للصين بصفته المستشار الاتحادي.

 

في الوقت الذي يعترض فيه الغرب، على الزيارة سافر شولتز والتقى شي جين بينج، في قاعة الشعب الكبرى في بكين، حيث يصادف هذا العام الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين الصين وألمانيا.