تضخم تاريخي.. المجهول يحاصر أوروبا بسبب أزمتي الطاقة والغذاء

اقتصاد

اليمن العربي

اقترب عام 2022 من النهاية، لكن أزمات أوروبا لم يأت موعد انقضائها بعد، فمع تسارع وتيرة التضخم، تتفاقم أزمة الطاقة، بل والغذاء أيضًا.

 

وقد قفز التضخم بمنطقة اليورو إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، في الوقت الذي فقدَ اقتصاد المنطقة الزخم، الأمر الذي عزز المخاوف من أن الركود في الوقت الراهن أمر لا مفرّ منه.

 

وتشهد البلدان الأوروبية أسوأ أزمة في تكاليف المعيشة منذ عقود، وذلك نظرًا لارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء.

 


التضخم بمنطقة اليورو يقفز لأعلى مستوى على الإطلاق

 

ومن جانبه، قال مكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات" الإثنين 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن التضخم في منطقة اليورو وصل إلى مستوى قياسي آخر في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بعد أن قفز إلى 10.7%، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي.

 

وكان خبراء اقتصاد يتوقعون أن يبلغ معدل التضخم سيسجل 10.3%. ومعدل التضخم هذا الشهر، هو الأعلى منذ بدء التعامل باليورو في عام 1999.

 

وفي الشهر الماضي، ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 9.9%. وفي غضون ذلك، تحسن اقتصاد منطقة اليورو بشكل طفيف عما كان متوقعا في الصيف، وفقا لتوقعات أخرى صادرة عن المكتب.

 

وقد تباطأ إنتاج الربع الثالث إلى 0.2% مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، متفوقًا على توقعات المحللين، ولكنه أقل بكثير من مستوى 0.8% المُسجل خلال الفترة بين شهري أبريل ويونيو.

 

ومع استمرار أزمة الطاقة في إلحاق الضرر بالشركات والأسر، فمن المتوقع على نطاق واسع أن يتحول التوسع إلى الاتجاه المعاكس خلال فصل الشتاء.

 

لكن لا تزال الآفاق غير مؤكدة بشكل غير عادي. فقد أدى الطقس المعتدل وإمدادات الغاز الطبيعي الأقوى من المتوقع إلى انخفاض كبير في بعض تكاليف الطاقة بالجملة، لكن مسار الإمدادات المستقبلية وحرب روسيا في أوكرانيا لا يزالان يشكّلان مخاطر.


تشديد أكبر للسياسة النقدية بمعركة تجنب الركود

 

وبدوره، يتجه بنك إنجلترا المركزي إلى الكشف أكبر زيادة في أسعار الفائدة خلال 33 عاما، هذا الأسبوع، حيث يواصل البنك المركزي جهوده لكبح التضخم.

 

ووفقا لوكالة" بي أيه ميديا" البريطانية للأنباء، يأتي اجتماع لجنة السياسة النقدية الرئيسية في خضم تحذيرات من أن خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، في عهد رئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك، يمكن أن يؤديا إلى ركود أشد وأطول بقاء.

 

ويرى معظم خبراء الاقتصاد أن من المحتمل أن ترفع اللجنة أسعار الفائدة بواقع 0.75 نقطة مئوية لتصل إلى 3% في اجتماع الخميس 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

 

وستكون هذه هي الزيادة الثامنة على التوالي لأسعار الفائدة من قبل البنك، لكنها ستمثل الزيادة الأكبر منذ عام 1989.

 

وفي اعتراف منه بأن الركود في منطقة اليورو "أصبح أكثر ترجيحًا"، صرّح كلاس نوت رئيس البنك المركزي الهولندي أنه يفضل رفع سعر الفائدة بمقدار 50 أو 75 نقطة أساس في اجتماع السياسة الأخير لهذا العام المقرر انعقاده في ديسمبر.

 


معضلة احتياطيات الغاز.. وتكريس أزمة الطاقة بأوروبا

 

ومن المفترض أن يكون هذا هو فصل الشتاء الذي تستفيد فيه الشركات التي تخزن الغاز الطبيعي من الأسعار المرتفعة في أوروبا، إذ إن المعروض القليل والطقس البارد سيؤديان إلى تعزيز الطلب، لكن رغم ذلك، فإن الانخفاض الكبير الأخير في أسعار الجملة يقلب اقتصاديات هذا القطاع رأسًا على عقب.

 

كان السعي لملء مرافق التخزين قبل بداية فصل الشتاء ناجحًا، حيث اقترب العديد من جهات التوريد من الوصول إلى السعة التامة، لكن قد يرغب بعض الموردين الآن في الاحتفاظ بتلك الاحتياطيات إلى أن يتمكنوا من بيع الغاز المخزن لديهم بأسعار جذابة.

 

وستدفع مثل هذه الخطوة أسعار السوق إلى الأعلى، وتلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد الأوروبي، الذي يتجه بالفعل إلى الركود. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على أسواق الطاقة.

 

فيما أظهرت بيانات أن الأسر الألمانية تدفع حاليًا قرابة ضعفي متوسط قيمة فاتورة الغاز السنوية مقارنة بالعام الماضي، على الرغم من انخفاض الاستهلاك وتدفق المزيد من الإمدادات إلى البلاد.

 

وقالت بوابة أسعار الطاقة Check24، إن متوسط سعر الغاز في أكتوبر لأسرة نموذجية تستهلك 20 ألف كيلوواط / ساعة (MWh) بلغ 3726 يورو (3702.15 دولار). قبل عام أي قبل الحرب الروسية في أوكرانيا وما نتج عنها من انقطاع في إمدادات الغاز، كان من الممكن تأمين مثل هذا العقد بمبلغ 1365 يورو فقط.

 

ويبلغ سعر الغاز الفوري الأوروبي في الوقت الحالي نحو 35 يورو لكل ميجاواط / ساعة (MWh)، أي أقل بنسبة 90% تقريبًا من الرقم القياسي المسجل في أغسطس، والذي تجاوز 300 يورو عندما بلغت مخاوف الاضطراب ذروتها بعد توقف خط أنابيب نورد ستريم 1 من روسيا إلى ألمانيا، حسب "رويترز".


أزمة غذاء "تختمر" في أوروبا

 

وعلى مسار الغذاء، فالأمر لا يختلف كثيرا عن الطاقة بل ربما يتفاقم إلى حد الكارثة، فأسعار الغذاء اليوم في أوروبا آخذة في الارتفاع مجددًا، بسبب قرب دخول الشتاء وتراجع الإنتاج الزراعي وأخيرا انسحاب روسيا من اتفاق البحر الأسود، يعني أن أزمة باتت على الأبواب.

 

والأمن الغذائي هو التحدي العالمي الرئيسي اليوم في القارة العجوز، وقد تتفوق على أزمة الطاقة التي تعاني منها، حسب بيانات المفوضية الأوروبية.

 

وأوكرانيا منتج ومصدر رئيسي للمواد الغذائية الأساسية، مثل القمح والذرة؛ حيث ذهب نحو 40% من صادراتها من القمح إلى دول أوروبا والباقي إلى إفريقيا وآسيا بين عامي 2016 و2021.

 

وليست الحبوب والمواد الغذائية فقط التي تهدد طعام القارة العجوز؛ لكن الأسمدة والأمونيا التي تساعد على زيادة إنتاج الأغذية الزراعية بأكثر من 30%، تواجه أزمة إمدادات؛ إذ تُعد روسيا مزودًا عالميًّا لها.

 

ويُظهر تحليل أجرته شركة «SYSTEMIQ» الاستشارية أنه من خلال خفض إنتاج اللحوم بنسبة 13% فقط، أي ما يعادل المستهلكين الأوروبيين الذين يمتنعون عن أكل اللحوم ليوم واحد في الأسبوع، يمكن للاتحاد الأوروبي إعادة تخصيص القدر الكافي من الحبوب والأراضي المستخدمة حاليًا لإطعام الماشية، لتعويض 23 مليون طن من القمح الذي أنتجته أوكرانيا في عام 2020.

 

كما أنه مع احتمالية عودة أزمة الموانئ بسبب الحرب القائمة، فإن معظم إنتاج الحبوب للفصل الحالي والفصول المقبلة، لن تجد طريق التصدير لدول الاتحاد الأوروبي وإفريقيا.

 

وفي مايو/أيار 2022، قدمت المفوضية الأوروبية خطة عمل لإنشاء مسارات تضامن؛ كان الهدف هو تطوير طرق برية بديلة لمساعدة أوكرانيا على تصدير منتجاتها الزراعية، من خلال توفير عربات الشحن والسفن والشاحنات.

 

اليوم، بالنسبة لأوروبا الذُّرة هي المشكلة الأكبر من القمح، مع دخولنا موسم الذروة في نوفمبر/تشرين الثاني.

 

وفي باريس، قال وزير الزراعة الفرنسي مارك فيسنو، إن بلاده تسعى إلى إتاحة طرق برية عبر بولندا أو رومانيا، لمرور الصادرات الغذائية من أوكرانيا كبديل لطريق البحر الأسود.