تجربة "تاتشر" وخطيئة "تراس".. ما هي كلمة السر في اقتصاد بريطانيا؟

اقتصاد

اليمن العربي

يمثل ما تنتجه أي دولة العمود الفقري لاقتصادها، فالإنتاج يعني كيفية تحقيق المزيد بموارد أقل، وهو ضروري لتحسين مستويات المعيشة.

 

في القرن التاسع عشر كانت بريطانيا أكبر دولة منتجة بالعالم، بفضل الثورة الصناعية في هذا الوقت، وسياساتها الاستعمارية.

 

عندما بدأ القرن العشرون، فقدت بريطانيا مكانتها لصالح الولايات المتحدة، وبعد الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية، لم تسترد لندن مكانتها الإنتاجية من واشنطن.

 

ضعف الإنتاجية الواضح في بريطانيا دفع مارجريت تاتشر (رئيسة وزراء بريطانيا من 1979 حتى 1990) نحو أن تجعل الإنتاج إحدى أهم أولوياتها، وحثت الناس على "السفر إلى الخارج، ومعرفة مدى تحسن أداء الجيران".

 


تجربة تاتشر

 

بمجرد وصولها إلى السلطة في عام 1979، شرعت في سلسلة من الإصلاحات منها خفض الضرائب، وتمكين أصحاب العمل من النقابات، وتفكيك الملكية العامة للأصول، وتحرير جزء كبير من الاقتصاد.

 

نتيجة لهذه الإجراءات تحسنت الإنتاجية بالفعل، مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، لكنها لم تدم طويلا، خطة تاتشر كانت مليئة بالسلبيات، حيث تم تفريغ النقابات من كوادرها، ما أدى إلى انخفاض الأجور ونقص الابتكار، وترك المملكة المتحدة تعتمد بشكل مفرط على القطاع المالي وقطاع الخدمات.

 

وقد أدى ذلك إلى الحد من الإنتاجية والنمو خلال الألفية الجديدة، وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت الإنتاجية تنمو بمعدل يأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.

 

عندما ضربت الأزمة المالية في عام 2008، اصطدمت الإنتاجية بجدار صلب ولم تتمكن من التعافي حتى الآن.

 

بين عامي 2009 و2019، كان معدل نمو الإنتاجية في بريطانيا هو ثاني أبطأ معدل في مجموعة السبع، قبل إيطاليا مباشرة.

 

تقول ديان كويل، أستاذة السياسة العامة في جامعة كامبريدج، لموقع "npr"، إن تراجع الإنتاجية سببه مشكلة في النظام، فهناك أمور أدت إلى ذلك، منها الاستثمار المنخفض، واتخاذ القرارات الحكومية المركزية للغاية، والمهارات غير الكافية، وتغيير السياسات، مؤكدة أن اقتصاد بريطانيا يميل كثيرا نحو الخدمات المالية والخدمات المهنية على حساب التصنيع.


بريكست السبب

 

يرى البعض أن السبب في ضعف إنتاجية بريطانيا إلى انفصالها عن الاتحاد الأوروبي (بريكست)، حيث ترى سومايا كينز، محررة الإيكونوميست أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان له بلا شك تأثير على الإنتاجية.

 

وأوضحت أن" الانفصال عن الاتحاد الأوروبي أدى إلى خلق كل أنواع عدم اليقين والاستقرار، مما جعل من الصعب على الشركات التخطيط لأنواع الاستثمارات الإنتاجية التي قد تكون مفيدة للاقتصاد".

 

عدم اليقين هذا أدى إلى تراجع الاستثمار التجاري بنسبة تصل إلى 11% في عام 2019، حيث قدرت دراسة من بنك إنجلترا أن عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خفضت إنتاجية الشركات البريطانية بنسبة تتراوح بين 2% و5% منذ تصويت 2016 على المغادرة.

 

فالناتج لكل ساعة عمل في بريطانيا أصبح أقل بنحو 15% من الناتج في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا.

 

ومع ذلك، قد تكون تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اقتصاد المملكة المتحدة قصيرة المدى فقط، وينبغي أن يتلاشى عدم اليقين بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمرور الوقت.

 

الأسباب المحتملة الأخرى لنقص الإنتاجية في المملكة المتحدة تتمثل وفقا لسومايا كينز محررة الإيكونوميست في الافتقار إلى الاستثمار في الأعمال والصناعة من قبل كل من الحكومة والقطاع الخاص.

 

وأكدت أن حجم الأموال التي تنفقها حكومة المملكة المتحدة على الاستثمار في الشركات صغير نسبيا، كما أن الحكومة لها دور حيوي في تهيئة الظروف التي تشجع على الإنفاق من قبل شركات القطاع الخاص.

 


اليقين والاستقرار

 

وأشارت إلى أن الشرط الضروري للاستثمار الصحي هو اليقين والاستقرار، وتوقع الشركات أنه سيكون هناك اقتصاد قوي وطلب صحي، وهذه الشروط الضرورية لم يتم تلبيتها خلال السنوات القليلة الماضية في بريطانيا.

 

وضع هذا النقص في الاستثمار المملكة المتحدة في موقف ضعيف مقارنة بنظيراتها، حيث وجد تقرير صادر عن كلية لندن للاقتصاد ومؤسسة ريزوليوشنز البحثية أن استثمار رأس المال التجاري في بريطانيا كان 10% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، مقارنة بـ13% في المتوسط في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا. وتنفق حكومة المملكة المتحدة أقل بكثير على البحث والتطوير أيضا.

 

الاستثمار المنخفض، مع النقص في التعليم، والفجوة في المهارات والتفاوت الإقليمي العميق جعل من الصعب بناء أي شيء في بريطانيا، تمثل هذه الحواجز إجمالا عقبة خطيرة وطويلة الأجل ومنهجية أمام تحسين إنتاجية المملكة المتحدة.


خطأ تراس

 

ليز تراس أرادت معالجة هذه القضايا في ميزانيتها المصغرة، لكن المشكلة تكمن في أنها حاولت الجمع بين الإصلاحات الموجهة إلى هذا الحاجز مع مجموعة من التخفيضات الضريبية الكبيرة في نفس الوقت، التسلسل فقط كان خاطئا، بالنسبة لرئيسة الوزراء المستقيلة.

 

المملكة المتحدة عالقة في مأزق بسبب انخفاض إنتاجيتها ونموها، والتي تفاقمت بسبب المشكلات الخارجية في الاقتصاد العالمي، لا سيما الحرب في أوكرانيا.

 

إذا أرادت لندن زيادة الإنتاجية، فعليها تعزيز الاستثمار، لكن في السياق الاقتصادي الحالي المتمثل في ارتفاع معدلات التضخم ومشاكل الميزانية، وسوق السندات التي لن تسمح بمزيد من الاقتراض، فإن هذا يعني خفض الإنفاق المحلي، مما سيضغط على الأسر في وقت صعب للغاية ويسبب الألم لسنوات قادمة.

 

وقدرت دراسة LSE-Resolution أن زيادة الاستثمار التجاري الممول من الموارد المحلية يمكن أن تولد 8 نقاط مئوية إضافية في نمو الناتج المحلي الإجمالي على مدى 20 عاما، ولكن قد يستغرق الأمر 15 عاما قبل أن يتعافى استهلاك الأسرة من الانخفاض الأولي.

 

هناك طريق آخر يجب اتباعه وهو جذب الاستثمار الأجنبي، لكن جزءا كبيرا من ذلك سيتضمن خفض الضرائب، ولكن بعد ما حدث مع ليز تراس، فهناك صعوبة في تمرير هذا النوع من السياسة عندما يكون التضخم مرتفعا.