تقرير أممي صادم قبل "COP 27".. الالتزامات الدولية "بعيدة المنال"

اقتصاد

اليمن العربي

يبدو أن تحول الاقتصاد العالمي اقتصادا أخضر لا يزال بعيد المنال، في ظل تباطؤ الالتزامات الدولية لتلبية هدف اتفاقية باريس.

 

في تحذير جديد قبل أقل من أسبوعين من انطلاق مؤتمر الأطراف المناخي في شرم الشيخ (COP 27)، نبهت هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة الأربعاء من أن الالتزامات الدولية الأخيرة بشأن المناخ ما زالت "بعيدة جدًا" عن تلبية هدف اتفاقية باريس للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل 1.5 درجة مئوية.

 

وأكدت الهيئة الأممية في أحدث تحليل للالتزامات الدولية التي تلقتها، أن خطط تقليص انبعاثات غازات الدفيئة من البلدان الـ193 الموقّعة على الاتفاقية "يمكن أن تضع العالم على طريق ارتفاع الحرارة بمعدل 2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي".

 

فرغم ارتفاع درجة الحرارة بنحو 1.2 درجة مئوية، يواجه العالم بالفعل الآثار المدمّرة لتغيّر المناخ، كما يتّضح من سلسلة الفيضانات الكارثية وموجات الحرارة والجفاف أو الحرائق الضخمة التي شهدها العام 2022.

 

خلال مؤتمر المناخ COP 26 الأخير في عام 2021 في جلاسكو، التزم الموقعون على الاتفاقية بأن يراجعوا التزاماتهم سنويًا - بدلًا من كل خمس سنوات - بشأن مكافحة الانبعاثات والتي يُشار إليها باسم "المساهمة المحددة على المستوى الوطني".

 

لكن 24 دولة أرسلت مساهماتها الوطنية الجديدة أو المعدلة بحلول الموعد النهائي في 23 أيلول/سبتمبر، في الوقت المناسب للنظر فيها في مؤتمر COP 27 المقرر عقده في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في مدينة شرم الشيخ المصرية، وهو عدد "مخيب للآمال" وفق ما قال رئيس برنامج الأمم المتحدة للمناخ سيمون ستيل في بيان صحفي مصاحب للبيانات الجديدة.

 

وقال ستيل: "نحن بعيدون جدًا عن مستوى خفض الانبعاثات والسرعة اللازمين لوضعنا على الطريق إلى عالم لا ترتفع حرارته بأكثر من 1،5 درجة مئوية".

 

وشدد مسؤول الأمم المتحدة على أنه للحفاظ على قابلية تحقيق هذا الهدف (1،5 درجة مئوية)، يجب على الحكومات تعزيز خططها الآن وتنفيذها في السنوات الثماني المقبلة.

 

ويقول خبراء الأمم المتحدة إنه يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010، لتحقيق هذا الهدف الذي حُدّد استنادًا إلى معدلات الحرارة في عصر ما قبل الثورة الصناعية حين بدأت البشرية تعتمد بدرجة كبيرة على مصادر الطاقة الأحفورية التي تُصدر انبعاثات لغازات الدفيئة المسؤولة عن الاحترار.

 

ولكن حسب آخر ملخص للمساهمات المحددة وطنيًا، ستؤدي الالتزامات الحالية على العكس من ذلك إلى زيادة بنسبة 10،6% في الانبعاثات خلال هذه الفترة.


خارج السيطرة

 

في دراسة منفصلة عن الاستراتيجيات الطويلة المدى تجاه "حياد الكربون" نُشرت الأربعاء، قدرت منظمة الأمم المتحدة للمناخ أنّ الانبعاثات من البلدان التي تبنّت مثل هذه الخطط يمكن أن تنخفض بنحو 68 في المئة، إذا تم تنفيذها بالفعل، لكنها حذّرت من أنّ "العديد" من هذه الخطط "غير مؤكّدة" ولا تطبيق ملموسا لها.

 

وشدد ستيل على أنّ مؤتمر الأطراف السابع والعشرين يشكّل فرصة لقادة العالم لاستئناف الكفاح ضد تغير المناخ، داعيًا إلى الانتقال من المفاوضات إلى التنفيذ والتحرك نحو التحولات العميقة التي يجب أن تحدث في جميع القطاعات في مواجهة حالة الطوارئ المناخية.

 

وبحسب مصر، من المتوقّع أن يحضر "أكثر من 90" زعيمًا من مختلف أنحاء العالم القمّة التي ستُعقد في الأيام الأولى للمؤتمر.

 

وحذر أحدث تقرير صادر عن خبراء المناخ التابعين للأمم المتحدة من تضاؤل المهلة المتبقية لضمان "مستقبل صالح للعيش" للبشرية.

 

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي سيرأس "COP 27"، الأربعاء في بيان إن التقرير حول المساهمات المحددة وطنيًا وتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هما "تذكير في الوقت المناسب لنا جميعا، أن زيادة الطموح والتنفيذ العاجل أمر لا غنى عنه لمعالجة أزمة المناخ... لحمايتنا من التأثيرات المناخية المعاكسة الأكثر شدة والخسائر والأضرار المدمرة".


بطء شديد

 

يتحول الاقتصاد العالمي، بكافة مجالاته تقريبًا، ببطء شديد جدًا اقتصادا أخضر يساهم في درء كارثة التغير المناخي، حسب تقرير صدر الأربعاء عن مجموعة من المؤسسات البحثية.

 

من المتوقع أن يتسارع التقدم في 40 مؤشرًا رئيسيًا التفت اليها فريق إعداد التقرير، من الطاقة والصناعة والنقل وإنتاج الغذاء وإزالة الغابات والمالية، بعشرة أضعاف أو أكثر في بعض الحالات، تماشيًا مع هدف اتفاق باريس للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل 1،5 درجة مئوية.

 

وأظهر أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أن الكوكب شهد احترارًا بحوالى 1،2 درجة مئوية مقارنة مع معدل ما قبل الثورة الصناعية، بسبب انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة من هذه الأنشطة البشرية.

 

وهذا الاحترار وحده يكفي للتسبب بفيض من العواصف والفيضانات والجفاف وموجات الحر.

 

ولفت التقرير الذي صدر الأربعاء، قبل 12 يومًا من انطلاق مؤتمر الأطراف حول المناخ "COP 27" في شرم الشيخ، إلى أن التقدم في خمسة مجالات على الأقل يتحرك بالاتجاه الخاطئ تمامًا.

 

وتشمل هذه المجالات استخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء والمسافات التي تقطعها السيارات والتلوث الكربوني الناجم عن الزراعة.

 

وقال مدير معهد موارد العالم World Resources Institute الذي ساهم في إعداد التقرير آني داسغوبتا "لسنا نحقق أي نجاح في أي قطاع".

 

ولفت إلى أن خلاصات التقرير تدق ناقوس الخطر لصناع القرار من أجل الالتزام بإحراز تحولات حقيقية عبر كل جانب من جوانب اقتصادنا.

 


طاقة نظيفة

 

قام الباحثون بتحديد الفجوة العالمية في العمل المناخي، عبر مقارنة الجهود الحالية بالجهود المطلوب إحرازها بحلول العام 2030 وبحلول منتصف القرن في سبيل الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل 1،5 درجة مئوية.

 

وقالت رئيسة فريق إعداد التقرير صوفيا بوهم، وهي باحثة في منصة "سيستمز شينج لاب" Systems Change Lab، "الحقيقة الصعبة هي أنه لا يوجد أي مؤشر من المؤشرات الأربعين التي قمنا بتقييمها يسلك المسار الصحيح لتحقيق أهداف 2030".

 

لمنع ارتفاع درجة الحرارة بشكل خطير، يجب أن ينخفض التلوث الكربوني العالمي بنسبة 40% بحلول نهاية العقد. وبحلول عام 2050، يجب أن يكون العالم محايدًا للكربون ويعوض أي انبعاثات متبقية بإزالة ثاني أكسيد الكربون.

 

ولفت معدو التقرير إلى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أوجه القصور في قطاع الطاقة وعدم إحراز تقدم في وقف إزالة الغابات.

 

ووجدوا أن التخلص التدريجي من الفحم المستخدم لتوليد الكهرباء دون تصفية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يجب أن يحدث ست مرات أسرع مما يحصل حاليًا، أي ما يعادل إيقاف تشغيل نحو ألف محطة طاقة تعمل بالفحم سنويًا مدى السنوات السبع المقبلة.

 

وقطاع الطاقة هو أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون حول العالم. والفحم، الذي يمثل نحو 40% من الكهرباء في جميع أنحاء العالم، هو إلى حد بعيد أكثر أنواع الوقود الأحفوري كثافة كربونية.

 

وقالت المشاركة في إعداد التقرير لويز جيفري، وهي محللة في معهد المناخ الجديد New Climate Institute، "إذا كان حلّنا للعديد من الأشياء هو الكهربة، فنحن بحاجة للتأكد من أن الكهرباء نظيفة وخالية من الوقود الأحفوري".

 

لم تكن الزيادات الهائلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كافية لمواكبة الطلب المتزايد على الطاقة.

 


"لا رجعة" في خسارة الغابات الأولية

 

يجب زيادة الجهود في إزالة الغابات مرتين إلى ثلاث مرات للحفاظ على تحقيق هدف 1،5 درجة مئوية في مستقبل قريب، حسب التقرير.

 

وقالت المشاركة في التقرير كيلي ليفين، وهي مسؤولة قسم العلوم والبيانات وتحولات الأنظمة في صندوق بيزوس للأرض Bezos Earth Fund، "خسارة الغابات الأولية لا رجعة فيها، سواء من حيث تخزين الكربون أو كملاذ للتنوع البيولوجي".

 

وأضافت: "إذا كان بلوغ هدف 1،5 درجة يمثل تحديًا الآن، فسيكون ذلك مستحيلًا تمامًا عندما نتخلص من أحواض الكربون الخاصة بنا"، في إشارة إلى دور الغابات والتربة في امتصاص نحو 30% من تلوث الكربون الذي يتسبب به الإنسان.

 

وتحدث التقرير عن ضرورة زيادة أنظمة النقل العام (المترو والسكك الحديد الخفيفة وشبكات الحافلات العامة) ستّ مرات أسرع، بالإضافة إلى تخفيض انبعاثات الكربون الناتجة من إنتاج الأسمنت أسرع بعشر مرات، فضلًا عن تخفيض استهلاك اللحوم وضرورة تحويل النظم الغذائية إلى نظم مستدامة أسرع بخمس مرات.

 

وتناول التقرير أيضًا تمويل جهود حماية المناخ.

 

وقالت المحللة لدى "كلايمت أناليتيكس" Climate Analytics كلير فايسون "تفشل الحكومات والمؤسسات الخاصة في تحقيق أهداف اتفاق باريس لمواءمة التدفقات المالية مع الالتزام بحد 1،5 درجة مئوية".

 

أظهر التقرير أن تمويل جهود حماية المناخ يجب أن يزيد بمعدل أسرع 10 مرات من الاتجاهات الحالية.