بوريل يعتذر عن تصريحاته الأخيرة بعد موجة غضب

عرب وعالم

اليمن العربي

بعد موجة من ردود الفعل الغاضبة، قدم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فجر الأربعاء، اعتذاره عن تصريحاته التي وصف فيها "أوروبا بـ "الحديقة" والعالم خارجها "غابة".

وقال بوريل خلال اعتذاره في بيان:" لقد أساء البعض تفسير الاستعارة على أنها مركزية أوروبية استعمارية.. أنا آسف إذا شعر البعض بالإهانة".

بوريل يعتذر عن تصريحاته الأخيرة بعد موجة غضب


وبرر تصريحاته، في بيانه، قائلا، إن: "كلمة "الحديقة" و"الغابة" ليست من اختراعي.. البعض يكرهها حقا لأنها كانت من الكلمات التي استخدمها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة، لكنني بعيد عن هذه المدرسة من الفكر السياسي"، وفق وصفه.

وأضاف:" هذه حقيقة الأمر أن هذا المفهوم كان حاضرًا في النقاشات الأكاديمية والسياسية منذ عقود، لأنه يشير إلى سؤال بسيط نواجهه كل يوم: هل ينبغي أن يقوم النظام الدولي على مبادئ مقبولة من الجميع، بغض النظر عن قوة الجهات الفاعلة فيه، أم هل ينبغي أن يقوم على إرادة الأقوى، والتي تسمى عادة "قانون الغاب؟".
وتابع:" ما يؤسف له، أن العالم الذي نعيش فيه اليوم يبدو أشبه بـ "غابة" أكثر منه "حديقة"، حيث يعمل قانون إرادة الأقوى في أجزاء كثيرة من العالم على تقويض المعايير الدولية المتفق عليها"، وفق تعبيره.

وأردف: " هذا الاتجاه يثير قلق الجميع، بما في ذلك الأوروبيين بالنظر إلى جذورنا المشتركة. منذ البداية، انطلق مشروع التكامل الأوروبي من رفض سياسات القوة. لقد نجحنا باستبدال حسابات القوة بالإجراءات القانونية. لهذا السبب تحدثت عن "الحديقة الأوروبية": وتمكنا، بفضل اتحادنا، من تعزيز السلام والتعاون بين الأطراف المتحاربة سابقًا، مع التزام مشترك بدعم القواعد والقوانين".

وتابع المسؤول الأوروبي:" لكن الآن عادت الحرب إلى أوروبا ونشهد في جميع أنحاء العالم تحولا في الجغرافيا السياسية. نحن نواجه عالمًا من سياسات القوة مع عدد كبير من الدول التي تستخدم القوة والتخويف والابتزاز للوصول إلى طريقها".

وواصل تبرير موقفه قائلا:" إن نمو هذا العالم الخارج عن القانون والفوضى هو ما قصدته عندما تحدثت عن "الغابة". وإشارتي إلى "الغابة" ليس لها دلالة عنصرية أو ثقافية أو جغرافية. ولسوء الحظ، فإن "الغابة" منتشرة في كل مكان، بما في ذلك أوكرانيا. يجب أن نأخذ هذا الاتجاه على محمل الجد وكانت تلك هي رسالتي للطلاب. يجب ألا نتراجع وراء الأمن الزائف للجدران والانعزالية".

وبدأت الأزمة، بتصريحات أدلى بها بوريل، خلال افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية الجديدة، في بلجيكا، الأسبوع الماضي، وصف الممثل الأعلى أوروبا بأنها "حديقة" ومعظم العالم بأنه "غابة".

وأضاف بوريل خلال تصريحاته أن "البستانيين يجب أن يعتنوا بالحديقة، لكنهم لن يحموا الحديقة ببناء الجدران".

وتابع: "حديقة صغيرة جميلة، تحيط بها الجدران العالية لمنع الغابة من الدخول لن تكون حلا".

واستطرد في تصريحاته، التي تجافي كل المدارس الدبلوماسية في العالم، قائلا: "ولأن الغابة لديها قدرة كبيرة على النمو، لن يكون الجدار عاليا بما يكفي أبدا".

واستعادة لجمل الاستعمار البائدة، قال بوريل: "يجب أن يذهب البستانيون للغابة. وأن يكونوا أكثر انخراطا مع بقية العالم، وإلا فإن الغابة ستغزونا".

وانتشرت تصريحات بوريل التي وصفت بـ "العنصرية" كالنار في الهشيم، وتم تداولها على شبكة الإنترنت على نطاق واسع، ولاقت ردود فعل غاضبة ومستنكرة.

ومن بين التعليقات ما قاله عزالدين بن زغيبة الباحث الجزائري، الذي قال: "سيد بوريل إن الشخص يصاب بالهذيان في حالتين عندما يشتد به الخوف من خطر أو عندما تحاصره الأزمات من كل مكان تضيع جميع حساباته في الماء".

وأضاف: "يبدو أن الدب الروسي قد أصابكم بالحالتين معا حتى صرتم ترون أوروبا الجنة، وغيرها الجحيم، وهي الواحة وغيرها الأدغال.. أتمنى لك الشفاء العاجل من التوهان".

ورفضا لتواجده أو زيارته للدول الذي وصفها بالغابة، علق حساب آخر قائلا: "عزيزي البستاني يرجى التزام حديقتك الخاصة.. أنت غير مرحب بك في (الغابة)".

وعلق حساب آخر على قضية الغزو قائلا: "واضح أن خوف هذه المنظمات من العرب والمسلمين لا زال قائما.. واقتراحه عن فكرة المبادرة باجتياح الأدغال قائمة.. وهم مستمرون واقعيًا في اجتياحنا فكريًا وأخلاقيًا وثقافيًا."

تصريحات بوريل أثارت غضبا عارما أيضا حتى داخل المؤسسات الأوروبية نفسها، إذ قالت سفينيا هان، عضوة البرلمان الأوروبي: "لا يزال لغزا كيف انتهى بنا المطاف مع شخص غير دبلوماسي مثل بوريل بصفته أكبر دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي".

وتابعت في تغريدة عبر "تويتر": "في مثل هذه الأوقات، نرى الحاجة إلى وزير خارجية حقيقي في الاتحاد الأوروبي وسياسة خارجية مشتركة.. نحن بحاجة إلى إصلاح الاتحاد الأوروبي وتقليص دور المفوضية. ترشيح الدول الأعضاء لشاغلي المناصب ليس مؤهلًا كافيًا".

الانتقاد جاء أيضا من زملاء المهنة؛ إذ كتب الدبلوماسي الكندي البارز، بوب ري على "تويتر": "تابعت الموضوع. يا له من تشبيه رهيب قام به بوريل".

وتابع، و: "من المؤكد أن التاريخ وتجربتنا الحية تعلمنا أنه لا يوجد جزء من العالم يخلو من العنف".

الغضب والانتقاد تحول إلى التشكيك في استحقاق بوريل لوظيفته، إذ كتب ماريك كلاين الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد؛ وهي إحدى أعرق الجامعات في العالم، "كان بوريل ولا يزال غير مناسب على الإطلاق لوظيفة الممثل الأعلى للشؤون الخارجية".

نغمة استعمارية 
وتعليقا على تصريحات وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، قال فيليب مارليير، أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة لندن، على حسابه بـ "تويتر"، "قال جوزيب بوريل إن أوروبا حديقة. ومعظم بقية العالم غابة ويمكن للغابة أن تغزو الحديقة".

وأضاف مارليير أن "هذا التشبيه مسيء بشكل رهيب، وله نغمات استعمارية وعنصرية قوية"، وفق ما طالعته "العين الإخبارية".

أما المحللة والباحثة، ماريا دوبوفيكوفا، فرأت في تصريحات بوريل، استعادة لنغمة عنصرية ولت، تفيد بأن "الأوروبيين هم الأشخاص المتميزون" في هذا العالم.

الجمعية الدولية، وهي مؤسسة تنشط في إقليم كتالونيا الإسباني، فقالت في بيان مقتضب: "هذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها وزير الخارجية الإسباني السابق، جوزيب بوريل، ادعاءات مثيرة للجدلَ".

وتابعت: "ولكن من المقلق للغاية أن نرى الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي يقول مثل هذه التعليقات العنصرية والتي تبرز (نظريات) التفوق الأوروبي، مع الإفلات التام من العقاب".


وفي أول تحرك دولي رسمي ضد تصريحات بوريل العنصرية، أكدت دولة دولة الإمارات، استنكارها الشديد لتلك التصريحات الأخيرة التي أدلى بها بوريل.

وأشارت في بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي، إلى أن "أية تصريحات من هذا النوع غير مناسبة وتتسم بالعنصرية".

وأعربت الخارجية الإماراتية عن رفضها لتلك التصريحات، مؤكدة أنه "تسهم في تفاقم التعصب والتمييز على المستوى العالمي".

وأعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، استدعاء إيميل بولسن، القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى دولة الإمارات، وطُلب من مكتب الممثل الأعلى تقديم تفسير مكتوب بشأن تصريحات بوريل "المؤذية والعنصرية".

ووصف بيان الخارجية الإماراتية تعليقات بوريل بأنها "مخيبة للآمال، وتأتي في وقت تدرك جميع الأطراف فيه أهمية احترام جميع الثقافات والأديان والأعراق، إضافة إلى قيم التعددية والتعايش والتسامح".