ماكرون يغازل ذاكرة الجزائر بـ "بنزيما ومحرز".. دبلوماسية كرة القدم

عرب وعالم

اليمن العربي

كرة القدم لم تعد تقف فقط عند حدود الرياضة، إذ يسقط الخطوط الفاصلة، وتوظف اللعبة الشعبية أحيانا لأهداف سياسية.

 

هذا ما حدث اليوم، عندما رحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بإقامة مباراة ودية بين منتخب بلاده لكرة القدم بطل العالم الذي يلعب له أفضل لاعب في أوروبا، كريم بنزيما، ونظيره الجزائري الذي يلعب في نفس الفريق اللاعب رياض محرز.

 

ويتواجد ماكرون في الجزائر منذ الخميس، في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام، تسيطر عليها ملف الذاكرة الذي يجمع البلدين نتيجة الإرث الاستعماري الفرنسي.

 

وقال ماكرون ردا على سؤال أحد الصحفيين على هامش زيارته للمقبرة الأوروبية ببلدة بولوغين في العاصمة الجزائرية: "مثلما تحدثت في المؤتمر الصحفي أمس، الثقافة والرياضة هما مجالان يجب تشاركهما مع الجزائر وأن نكون معا، في بعض الأحيان يجب أن نتواجه، لكن نتواجه وديا".

 

وأضاف: "أعتقد أنه سيكون شيئًا جيدًا (برمجة مباراة ودية بين الجزائر وفرنسا) لدرء الماضي، من الواضح أننا سنتحدث عن ذلك مع الرئيس (عبد المجيد تبون) وفريقه، فليس أنا من يقرر، ثم سيعتمد ذلك أيضا على جدول المسابقات المقبلة، بالنسبة للبعض، أتمنى لنا ذلك".

 

وتابع: "أعتقد أن الرياضة يجب أن تصالح، ولهذا السبب سأكون غدا في وهران مع رياضيينا تحسبا لدورة الألعاب الأولمبية 2024 التي ستنظم في باريس".

 

وفازت فرنسا على الجزائر 4/1 في مباراة ودية اقيمت في السادس من تشرين الأول/أكتوبر عام 2001، وتوقفت ربع ساعة قبل نهايتها بسبب اجتياح الجماهير الجزائرية لملعب "ستاد دوفرانس". ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف التأويلات بخصوص مباراة العودة.

 

وأبدى مسؤولو الكرة في البلدين استعداداتهما لبرمجة مباراة "العودة" الودية لكن دون أن يتجسد ذلك على أرض الواقع.


الحقيقة أهم من الندم

 

وخلال المؤتمر نفسه، صرح الرئيس الفرنسي بأن البحث عن "الحقيقة" أهم من "الندم" بشأن المسائل المرتبطة باستعمار الجزائر التي تسبب خلافات متكررة بين البلدين.

 

وقال ماكرون: "فيما يتعلق بمسألة الذاكرة والمسألة الفرنسية الجزائرية، كثيرا ما أسمع دعوات إلى الاختيار بين الفخر والندم".

 

وتابع: "أنا أريد الحقيقة والاعتراف وإلا لن نمضي قدما أبدا"، مشيرا إلى أن الأمر أسهل بالنسبة إلى الجيل الجديد الذي ينتمي هو إليه والذي ليس "من أبناء حرب الجزائر".

 

وأكد: "علينا أن ننظر إلى هذا التاريخ بشجاعة ووضوح وصدق"، موضحا أن هذا هو هدف لجنة المؤرخين الفرنسية الجزائرية حول فترة الاستعمار وحرب الجزائر، التي أعلن إنشاؤها بعد محادثات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

 

وأضاف: "هذا ليس ندما أبدا"، مستبقا انتقادات أصحاب الحنين إلى "الجزائر الفرنسية" ومستبعدا في الوقت نفسه تقديم أي اعتذار كما تطالب الجزائر.

 

وأشار ماكرون إلى أن لجنة المؤرخين ستنظر في المراحل الأولى للاستعمار بقسوتها ووحشية هذه الأحداث وكذلك حول المفقودين.

 

وتطالب الجزائر منذ وقت طويل بفتح ملف الذاكرة وكشف الصفحات السوداء لـ 132 عاما من الاستعمار الفرنسي وليس سنوات حرب الاستقلال السبعة (1954-1962) فحسب.

 

وستتشكل لجنة المؤرخين من خمسة إلى ستة مؤرخين من كل جانب، مع "عقد أول اجتماع عمل ربما في غضون عام، ثم سنقوم بعد ذلك بمبادرات مشتركة"، كما أوضح ماكرون.

 

وتابع "سنفتح لهم كل الأرشيف (..) وقال لي الرئيس الجزائري: سأفتح أرشيفي أيضا".

 

وأوضح ماكرون أن العلاقة بين فرنسا والجزائر هي "قصة حب لها نصيبها من المأساة"، في إجابته عن سؤال حول الأزمة الدبلوماسية التي سببتها تصريحاته حول استخدام الجزائر للذاكرة "كريع" للنظام "السياسي العسكري الجزائري" وحول الأمة الجزائرية.

 

وقال "يجب أن نختلف لكي نتصالح"، مشيرا إلى أهمية عمل الذاكرة لتمكين البلدين من المضي قدمًا، ومضيفا "بعد الحروب هناك دائما فترة نسيان، لكن "في العقود الأخيرة، شهدنا عودة المكبوتات" و"النقمة" و"تخيّلات حول التاريخ".

 

ووفق مراقبين، فإن ملف الذاكرة يحتل مكانة كبيرة في المباجثات بين الجزائر وفرنسا، ويرغب الرئيس الفرنسي في دفع البلدين في التفكير في المستقبل أكثر من الماضي، عبر استغلال القوة الناعمة، وخاصة كرة القدم.


دبلوماسية كرة القدم

 

هذه ليست المرة الأولى التي تلعب فيها الرياضة دورا في السياسة الفرنسية، إذ استحضر المؤرخ الفرنسي جان بابتيست دوروزيل في كتاب منشور في نهاية السبعينيات، المكانة التي تحتلها الرياضة في العلاقات بين فرنسا والبلدان الأخرى.

 

وشدد المؤرخ في كتابه على أهمية الأحداث الرياضية الدولية الكبرى مثل الألعاب الأولمبية، وكأس العالم لكرة القدم وغيرها في هذه العلاقات، ضاربا مثال إلى بطولة كرة قدم في الثلاثينيات، تلقى فيها منتخبات الدول الفائزة بالحرب العالمية الأولى تصفيقًا من الجماهير الفرنسية.

 

لكن لم تكن فرنسا أول دولة تتحدث عن "دبلوماسية كرة القدم"، إذ أبلغ السفير الإسباني في تونس، ألفونسو دي لا سيرنا في مارس/آذار 1969، وزارة الخارجية الإسبانية، عن تنظيم بطولة دولية لكرة القدم في شهر مايو/أيار من نفس العام في تونس، تشارك فيها أندية مثل إنتر ميلان وبنفيكا ودينامو موسكو.

 

وكتب السفير برقيته للخارجية الإسبانية، للفت النظر إلى أهمية وجود ريال مدريد في هذه البطولة، مؤكدا أنه يمكن أن يكون "عنصرا إيجابيا وعاملا محفزا" للعلاقات الدبلوماسية بين إسبانيا ودول المغرب العربي.

 

كما سلط ألفونسو دي لا سيرنا الضوء على الأهمية التي يمكن أن تحظى بها هذه البطولة على المستوى الدبلوماسي، وما يمكن أن تلعبه من دور سياسي في العلاقات بين أندية الدول المشاركة.

 

وبمرور السنوات، ترسخ مصطلح دبلوماسية كرة القدم على المستويين الأكاديمي والسياسي، وبات يشير إلى استخدام اللعبة الشعبية الأولى في تقصير المسافات بين الأمم وتحقيق اختراق في بعض الخلافات أيضا.