الإخوان يحولون محطة أبحاث في تعز إلى "قبور جيل خامس"

أخبار محلية

اليمن العربي

كُتب على شعب اليمن أن يكون على موعد مع إرهاب متعدد المصادر، من ميليشيا الحوثي إلى تنظيم الإخوان.

 

ذلك الإرهاب لم يقتصر على "تعنيف" المواطنين اليمنيين وحرمانهم من حاضر "آدمي"، بل امتدت آثاره الخبيثة إلى مستقبلهم، حيث إحدى أقدم محطات البحوث الزراعية في اليمن، والتي وقعت قبل 7 أعوام رهينة لأطماع التنظيم الإرهابي، ليتم تقسيمها من قبل الإخوان إلى ثلث مقبرة، وثلثين منحوهما لأعضاء تنظيم الإخوان.

 

ورغم مرور 7 أعوام على تحويل ثلث المزرعة إلى مقبرة، إلا أنها ما زالت مثار جدل وقضية رأي عام في البلد، وخاصة بعد أن تبنى القيادي الإخواني البارز حمود المخلافي مهمة تسوير المقبرة رسميا وبشكل معلن، لتسود موجة تهكم غير مسبوقة ضده وخاصة وأنه وضع شعار مؤسسته "نبني المستقبل" على بوابة المقبرة الرئيسية، ليعتبرها ناشطون ساخرون أنها تقدم "قبورًا من الجيل الخامس.


مزرعة هامة

 

ورغم الضجة التي أجبرت المخلافي لمحو شعار المؤسسة من البوابة الرئيسية إلا أن الرجل لم يسط على مجرد قطعة أرض، بنى عليها مقبرة، بل على أحد أهم المزارع البحثية التي أنفقت عليها الدولة ملايين الدولارات لبقاء نشاطها.

 

وبحسب وثائق خاصة، خصص القيادي الإخواني ثلث المساحة الإجمالية لمزرعة الأبحاث والتي تقدر بـ13 هکتارًا كـ "مقبرة"، فيما تم اقتلاع أشجار الجوافة والمانجو والتفاح والبرتقال، ليتم تأجير ما تبقى منها بالشراكة مع مكتب الأوقاف بتعز لأحد المستثمرين الإخوان.

 

وتعد أشجار الفاكهة نتاج مجهود بحثي دام عشرات السنوات، وهي أصول وراثية ذات قيمة علمية مهمة شارك في زراعتها عشرات الباحثين اليمنيين.

 

وتتبع المزرعة محطة البحوث الزراعية للمرتفعات الجنوبية كأقدم محطة بحثية شيدت شمال اليمن 1973، وتحوي على معامل زراعية متخصصة لتحليل التربة والمياه والنبات، ومعامل زراعة الأنسجة ووقاية النبات من الأمراض الفطرية والبكتيرية والفيروسات.

 

كما تحوى بذور الأصول الوراثية للأصناف المحلية والمستوردة من محاصيل الحبوب والبقوليات، وبذور المربي للاصناف المطلقة التي مولتها الحكومة اليمنية بالملايين، إلى جانب احتوائها على أجهزة متخصصة في تحليل الصور الجوية التابعة لقسم المراعي والغابات.

 

وتعرضت المحطة التي تضم عدة مبانٍ حكومية إجمالا للنهب للمرة الأولى في 2016، بعد أن نهبت مجاميع المخلافي ورشة البحوث الزراعية وحرثات زراعية ومخازن مشروع الحفاظ على التربة والمياه الجوفية ونهبت مخازن مكتب الزراعة والري التي تحوي مبيدات محرمة ومحرزة على قضايا تهريب مسجلة لدى السلطات القضائية.


ثكنة عسكرية

 

واستغلت مجاميع تابعة للقيادي حمود المخلافي موقع المزرعة والمباني الحكومية التابعة لها في خطوط النار مع مليشيات الحوثي وحولته إلى ثكنة عسكرية.

 

وقال مصدر حكومي، إن مؤسسة القيادي المخلافي المدعومة بعناصر مدججة بالأسلحة لم تكتف بتحويل مزرعة الأبحاث إلى مقبرة وتجريف مدخراتها الوراثية، إنما حولت المبنى الرئيس للهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي بتعز إلى ثكنة عسكرية ومقر لقيادة العمليات، رافضة إخلاءه.

 

وأعرب المصدر عن قلقه من تضرر المكتبة الزراعية التي تضم دوريات وكتب زراعية في جميع مجالات العلوم الزراعية وأخرى خاصة بالباحثين من كتب ومراجع خاصة ووثائق بحثية لأبحاث لم تكتمل بعد، وحواسيب مليئة بالوثائق، الواقعة في المبنى الذي بات مقرًا للمدفعية الثقيلة.

 

وفي وثيقة رسمية رفعت في 17 مايو الماضي إلى محافظ تعز، قال مدير فرع الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي إن منظمة القيادي الإخواني حمود المخلافي وعناصره المسلحة انتقلت إلى خارج نطاق سور المقبرة وتحاول التوسع والاستيلاء على بقية المزرعة.

 

وأضاف في الوثيقة أن أتباع القيادي الإخواني وجهوا له التهديدات وواصلوا مصادرة المزرعة البحثية، مشيرا إلى عدم التزامهم بتوجيهات السلطة المحلية المعترف بها.

 

كما تظهر خريطة جوية تفاصيل تأجير مكتب الأوقاف بتعز أجزاء من المزرعة لمستثمر إخواني يدعى محمد مهيوب، رغم أنها تتبع محطة الهيئة للبحوث الزراعية، وهي أحد المؤسسات المركزية باليمن.


الصرف الصحي

 

ورغم الغضب الشعبي من سطو تنظيم الإخوان على المحطة البحثية وتحويل جزء منها لمقبرة، إلا أن ما أثار حنق اليمنيين، أن تلك الأرض التي أقيم عليها المقبرة، تعاني طفحًا في الصرف الصحي، بشكل لا يتناسب ولا يليق بتضحيات الشهداء الذين يدفنون فيها.

 

ويرفض الإخوان فتح هذا الموضوع الحساس وعدوه في أحد خطب الجمعة بأنه "خط أحمر"، لكنه بالنسبة لذوي الضحايا فإنه خيانة للدماء الذي طالها غدر قذائف الحوثي أو شاركت في معارك بطولية لكسر الحصار، حسب مراقبين.

 

وطالب أحد أقارب الشهداء في تصريح صحفي، بتحقيق عاجل، مناشدًا مجلس القيادة الرئاسي بمحاسبة القيادة المسؤولية عن استخدام أرض بحوث زراعية غير طاهرة وأن يتم احترام كرامة الشهداء بتوفير رقعة مساحة أرض تليق بتضحياتهم ودمائهم.

وأصدرت نقابة الباحثين الزراعيين بيانات استنكار ليس لدفن الشهداء وعدم إصلاح قناة تصريف المجاري وإنما لسطو هوامير الفساد، وقلع البحوث الزراعية وأخذ مبانيها والمؤسسات الزراعية.

 

وبحسب رئيس تكتل نقابات تعز ورئيس نقابة موظفي محطة البحوث الزراعية للمرتفعات الجنوبية، حمود مقبل فإنه بعد طفح شبكة المجاري داخل حقول مزرعة البحوث الزراعية: "كنا نناقش هذا الأمر دون ضجيج حتى لا يتم الإساءة لمن اختار الموقع وتجنبا لأي ردة فعل لذوي الضحايا".


مخالفة الاتفاق

 

وأوضح: "عندما عرف المعنيون أن أرض مزرعة البحوث الزراعية غير طاهرة لم يحركوا ساكنًا، وعمدوا لإعادة شق شبكة مجاري داخل المزرعة بذريعة إن نقل الخط إلى الشارع غرب المزرعة سيكلف نحو 70 مليون ريال".

 

وفيما أفاد بأن خط مجاري تعز لا يزال يمر داخل الأرض الزراعية ولم يتم تنفيذ اتفاق سابق تم 2014 بين السلطة المحلية وقيادة البحوث الزراعية، شدد على ضرورة أن يحظى الشهداء وقبورهم باهتمام الدولة.

 

وقال المسؤول النقابي، إنه نتيجة للحرب لازالت محطة البحوث الزراعية لإقليم المرتفعات الجنوبية معطلة؛ ومن الأهمية بمكان أن يتم إخلاؤها من أي تموضع عسكري فيها لتقوم بمهامها في ظل تفاقم عدم الأمن الغذائي في بلد أنهكه الحرب والفساد.

 

وأشار إلى أن استعادة مؤسسات الدولة يجب أن تأخذ أطرها القانونية، وهي فرصة الآن بتواجد مجلس القيادة الرئاسي في عدن بأن يتم تفعيل مؤسسات وزارة الزراعة.

 

وتعد الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي صرح علمي بارز له دور أساسي ومحوري في رفد الاقتصاد اليمني بما تقدمه من خدمات في مجال الدراسات والبحوث والتدريب والتأهيل والحفاظ على البيئة.

 

والهيئة أحد المؤسسات المركزية للدولة، ولها 14 محطة ومركز بحثي في اليمن، إلا أن محطة البحوث الزراعية الهامة والتابعة لها بتعز تعد أحد الأمثلة على تعطيل حرب الحوثي وعبث الإخوان للمؤسسات الحكومية.