حل مجلس الأمة الكويتي.. تصحيح مسار المشهد السياسي

عرب وعالم

اليمن العربي

بقرار حل مجلس الأمة (البرلمان) والدعوة لانتخابات جديدة، وضعت قيادة الكويت حدا لأزمة سياسية مزمنة شهدتها البلاد على مدار الفترة الماضية.

 

القرار الذي تم الإعلان عنه خلال خطاب ألقاه ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح نيابة عن أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، رسم خارطة طريق شاملة "لتصحيح مسار المشهد السياسي" في البلاد.

 

أسباب الأزمة

 

هذا المشهد الذي وصفه ولي عهد الكويت في خطابه بصراحة شديدة، قائلا: "ما زال المشهد السياسي تمزقه الاختلافات وتدمره الصراعات وتسيره المصالح والأهواء الشخصية على حساب استقرار الوطن وتقدمه وازدهاره ورفاهية شعبه".

 

وبين أن هذا كله بسبب تصدع العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

 

وأردف: "وتدخل التشريعية في عمل التنفيذية وتخلي التنفيذية عن القيام بدورها المطلوب منها بالشكل الصحيح وعدم التزام البعض بالقسم العظيم الذي تعهد به على نفسه بالعمل على تحقيق الاستقرار السياسي وتكريس خدمته للوطن والمواطنين".

 

واعتمد الخطاب على أسلوب المصارحة والمكاشفة والشفافية المطلقة، ليحدد أسباب الأزمة، ويضع طرق علاجها في إطار الدستور، الذي أكد ولي العهد في خطابه تمسكه به، قائلا: "لن نحيد عن الدستور ولن نقوم بتعديله ولا تنقيحه ولا تعطيله ولا تعليقه ولا حتى المساس به حيث سيكون في حرز مكنون".

 

وأدت التوترات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت إلى إعاقة عمل الحكومة منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020.

 

وتم على إثر تلك التوترات تقديم الحكومة استقالتها 3 مرات خلال تلك الفترة القصيرة كان آخرها 5 أبريل/نيسان الماضي.

 

وجاءت الاستقالة الأخيرة للحكومة برئاسة الشيخ صباح خالد الحمد الصباح التي لم يمضِ على تشكيلها 3 أشهر، قبل يوم من التصويت في مجلس الأمة (البرلمان) على طلب "عدم التعاون" معها.

 

وفيما لم يتم الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة، أعلن عدد من نواب مجلس الأمة الاعتصام داخل المجلس منذ 14 يونيو/حزيران الجاري احتجاجا على ما يصفونه بـ"تعطيل الدستور"، ومن أجل الضغط من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة.

 

المادة 107

 

وأمام تلك الأزمة المحتدمة بين الحكومة والبرلمان ارتأت القيادة الكويتية تفعيل المادة 107 من الدستور، التي تعطي أمير البلاد الحق في حل مجلس الأمة.

 

وتنص المادة 107 من دستور الكويت على أنه "للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى، وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في موعد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل. فان لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد".

 

ورغم الإعلان عن حل المجلس في الخطاب لم يصدر بعد مرسوم رسمي بحله، لأنه إذا صدر هذا المرسوم وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في موعد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل.

 

وقال ولي العهد الكويتي، في خطابه، إنه "سيصدر مرسوم الحل والدعوة إلى الانتخابات في الأشهر المقبلة إن شاء الله بعد إعداد الترتيبات القانونية اللازمة لذلك".

 

وتعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها حل البرلمان في عهد أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح الذي تولى الحكم في 29 سبتمبر/أيلول 2020، فيما تم حل مجلس الأمة قبل ذلك 9 مرات منها 6 في عهد أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وكان آخرها في أكتوبر/تشرين الأول 2016.

 

العودة إلى الشعب

 

وبعد أن حمل أمير البلاد المسؤولية عن الأزمة السياسية في البلاد، للسلطتين التشريعية والتنفيذية دون أن يخلي مسؤولية أي منهما، أعاد الكرة إلى ملعب الشعب ليقرر عبر الانتخابات التي ستجرى لحل تلك الأزمة، وإعادة تصحيح مسار المشهد السياسي الحالي، عبر انتخاب برلمان جديد، وهو ما يعني بالتبعية تشكيل حكومة جديدة .

 

وقال ولي عهد الكويت في الخطاب الذي ألقاه نيابة عن أمير البلاد: "قررنا اللجوء إلى الشعب باعتباره المصير والامتداد والبقاء والوجود ليقوم بنفسه بإعادة تصحيح مسار المشهد السياسي من جديد بالشكل الذي يحقق مصالحه العليا".

 

وأردف: "وبناء عليه فقد قررنا مضطرين ونزولا على رغبة الشعب واحتراما لإرادته الاحتكام إلى الدستور، العهد الذي ارتضيناه، واستنادا إلى حقنا الدستوري المنصوص عليه في المادة (107) من الدستور أن نحل مجلس الأمة حلا دستوريا والدعوة إلى انتخابات عامة وفقا للإجراءات والمواعيد والضوابط الدستورية والقانونية".

 

وبين أن "هدفنا من هذا الحل الدستوري الرغبة الأكيدة والصادقة في أن يقوم الشعب بنفسه ليقول كلمة الفصل في عملية تصحيح مسار المشهد السياسي من جديد باختيار من يمثله الاختيار الصحيح والذي يعكس صدى تطلعات وآمال هذا الشعب".

 

ضوابط ومحاذير والتزامات

 

ووضع ولي العهد الكويتي في خطابه ضوابط ومحاذير والتزامات على الجميع لضمان أن تحقق تلك الخطوة هدفها، محذرا من تداعيات عدم الالتزام.

 

وقال في هذا الصدد: "لن نتدخل في اختيارات الشعب لممثليه ولن نتدخل كذلك في اختيارات مجلس الأمة القادم في اختيار رئيسه أو لجانه المختلفة ليكون المجلس سيد قراراته".

 

وشهد انتخاب البرلمان المنحل لرئيسه مرزوق الغانم جدلا واسعا على خلفية اتهام المعارضة الحكومة بالتصويت له وإيصاله لرئاسة البرلمان.

 

ولم تعلق الحكومة على هذا الأمر، بينما يرى رئيس البرلمان أنه حقق نصرا مستحقا وفقا للدستور والقانون.

 

وأكمل ولي العهد حديثه عن التزامات الدولة خلال الانتخابات المقبلة قائلا: "لن نقوم كذلك بدعم فئة على حساب فئة أخرى بل سنقف من الجميع على مسافة واحدة هدفها فتح صفحة ومرحلة جديدة مشرقة لصالح الوطن والمواطنين".

 

أما عن الواجب على المواطنين فبين ولي العهد الكويتي أن "المرحلة المقبلة تتطلب منكم حسن اختيار من يمثلكم التمثيل الصحيح الذي يعكس تطلعاتكم ويحقق آمالكم وينفذ رغباتكم".

 

ودعا المواطنين "ألا يكون اختيارهم لنوابهم أساسه التعصب للطائفة أو للقبيلة أو للفئة على حساب الوطن، فالكويت لم تكن ولن تكون لأحد بعينه بل هي وطن الجميع واحة أمن وأمان".

 

وحذر من أن "الاختيار غير الصحيح لمن يمثلكم سيضر بمصلحة البلاد والعباد، وسيعود بنا إلى المربع الأول إلى جو التعصب والتناحر وعدم التعاون وتغليب المصالح الشخصية على حساب الوطن والمواطنين".

 

ودعا الجميع إلى "إدراك حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقكم في المشاركة الإيجابية في عملية الانتخاب والحرص كل الحرص على اختيار القوي الأمين المؤمن بربه ثم وطنه والذي يضع مصلحة الكويت وشعبها فوق كل اعتبار".

 

وتابع: "لا تضيعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنا عليه، لأن هذه العودة لن تكون في صالح الوطن والمواطنين، وسيكون لنا في حالة عودتها إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث".

 

كما وجه رسالة إلى كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية داعيا إياهما إلى "تحمل المسؤولية الوطنية في المرحلة المقبلة وأن يتم التعاون بينهما في ظل أجواء من التوافق والتفاهم".

 

كذلك دعا الجميع إلى الالتفاف حول قيادة أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.

 

مبادرات القيادة

 

وأدت التوترات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت إلى إعاقة عمل الحكومة منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، تم على إثرها تقديم الحكومة استقالتها 3 مرات.

 

وتشكلت أول حكومة في عهد الشيخ نواف في 14 ديسمبر/كانون الأول عام 2020 برئاسة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وضمت 15 وزيرا منهم 10 جدد، وقبلت استقالتها في 18 يناير/كانون الثاني عام 2021 على أن تستمر بتصريف العاجل من الأمور.

 

وتشكلت الحكومة الثانية في 2 مارس/آذار الماضي برئاسة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وضمت 15 وزيرا وشهدت دخول 4 وزراء جدد، واستحداث حقائب وزارية، وإعادة هيكلة عدد من الوزارات، وتم قبول استقالتها في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على أن تستمر بتصريف العاجل من الأمور.

 

وتشكلت الحكومة الثالثة في عهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، برئاسة الشيخ صباح خالد الحمد الصباح أيضا، وبعضوية 15 وزيرا وتضمنت 9 وزراء جدد، ولم تكمل 3 شهور، حتى قدمت استقالتها في 5 أبريل/نيسان الماضي.

 

وجاءت استقالات الحكومات المتعاقبة على خلفية توترات بين الحكومة والبرلمان.

 

ومع كل أزمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كان أمير البلاد حاضرا بقراراته ومبادراته الحكيمة، لتهدئة الأجواء وتعزيز التعاون بين السلطتين لصالح البلاد والعباد، فمع أول أزمة بين الجانبين صدر أمر أميري بتأجيل انعقاد مجلس الأمة لمدة شهر في فبراير/شباط 2021، ثم لاحقا تم إطلاق مبادرة أميرية لحوار وطني بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في سبتمبر/أيلول الماضي لتهيئة الأجواء لتوحيد الجهود وتعزيز التعاون وتوجيه كل الطاقات والإمكانات لخدمة الوطن العزيز ونبذ الخلافات.

 

ثم صدور مرسومين أميريين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بالعفو وتخفيف العقوبات عن بعض الأشخاص تنفيذا لمخرجات الحوار الوطني وتعزيزا للمصالحة الوطنية، ومع تجدد الأزمة مع تشكيل الحكومة الأخيرة بعد تلك المبادرات ثم استقالتها بعد 3 شهور من تشكيلها، صدر قرار القيادة الكويتية اليوم بحل مجلس الأمة مع استمرار التوترات بين المجلس بتكوينه الحالي والحكومات المتعاقبة.