بوثيقة تاريخية عبدالرؤوف الصبان وصالح شطا أول من أدخل فكرة غرفة جدة التجارية الى حيز التنفيذ

اليمن العربي

السيد صالح شطا (1302-1369هـ) والشيخ عبدالرؤوف الصبان (1316-1384هـ) شخصيتان مكيتان لعبتا أدوارا مميزة في مرحلة تأسيس الدولة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز، وكانا وراء ظهور عدد من مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وقد أُسندت اليهما مهام ومسئوليات نجحا في ادارتها وادائها على أكمل وجه. 

 

شغل السيد صالح شطا عدة مناصب لم يصلها غيره، وجمع بين عدة مناصب لم تجتمع لغيره في آن واحد، فقد كان عضوا في (الجمعية الأهلية)، وفي (لجنة التفتيش والإصلاح)، وفي (مجلس الوكلاء) وفي (مجلس الشورى) وشغل صالح شطا منصب (نائب رئيس مجلس الشورى)، ومنصب (مدير المعارف)، و(رئيس الشعبة الخاصة بمعالجة الشؤون الداخلية بالنيابة العامة) ثم (معاون للأمير فيصل نائب جلالة الملك في الحجاز). وهذا كله يعني أن السيد صالح شطا كان قريبا من صانع القرار المتمثل في الملك عبدالعزيز ونائبه الأمير فيصل بن عبدالعزيز، فالعضويات التي شغلها والمناصب التي تولاها ما كان بالإمكان الوصول اليها إلا بأمر من ولي الامر او تأييد منه.

 

 وكان ابن مكة المكرمة الآخر وهو الشيخ عبدالرؤوف الصبان يتمتع بثقة قريبة من الثقة التي منحها ولاة الامر للسيد صالح شطا. فقد عين الشيخ عبدالرؤوف الصبان في عدة مناصب مهمة، فقد كان  (رئيس مجلس المعارف 1354-1358هـ)، و(عضو مجلس الشورى 1355-1361هـ) و(مدير الأوقاف العامة 1359-1361هـ )، و(أمين العاصمة 1365- 1372هـ) و(مندوب فوق العادة ووزير مفوض من الدرجة الأولى) في اندونيسيا (1375-1380هـ).

 

دور العلاقة القوية بين شطا والصبان  كان صالح شطا الذي يكبر عبدالرؤوف الصبان بعشر سنين يدعم عبدالرؤوف الصبان ويقدر مواهبه واخلاصه وطموحه، وكان عبدالرؤوف الصبان يُجلَّ صالح شطا، وينظر اليه نظرة التلميذ لأستاذه. ولهذه الأسباب مجتمعة كان عبدالرؤوف الصبان سريع الوصول لأصحاب القرار، وصالح شطا يؤيد عبدالرؤوف الصبان، ويدعمه في كثير من الأمور التي يرى انها تعود بالنفع لمستقبل البلاد. 

 

 

وبناء على ذلك كله، فإنه ليس من المستبعد أن يقوم صالح شطا بتأييد عبدالرؤوف الصبان على تنفيذ فكرة الغرف التجارية في المملكة. ولا عجب أن يتفق الرجلان على أن يطرح عبدالرؤوف الصبان الفكرة على المقام السامي بخطاب منه للملك عبدالعزيز، وعندما تحال الى مجلس الشورى يؤيدها صالح شطا الذي كان نائبا لرئيس المجلس. وهذا تؤكده وثيقة وجدتها ضمن وثائق منسية ضمن الموجودات القديمة بغرفة مكة المكرمة التجارية أثناء اعدادي لكتاب تاريخها الذي صدر بعنوان (رحلة الشتاء والصيف). وتشكل هذه الوثيقة دليلا تاريخيا لقصة دخول فكرة الغرف التجارية الى حيز التنفيذ بشكل عام، ودليلا على السبب الذي أعطى الأولوية لميلاد غرفة جدة التجارية رغم انطلاق الفكرة من مكة المكرمة..!     

 

 

هذه الوثيقة التاريخية هي خطاب قرار موافقة مجلس الشورى على فكرة انشاء الغرف التجارية في المملكة وقع عليه صالح شطا باسم النائب الثاني وباسم رئيس مجلس الشورى. يحمل الخطاب رقم 47 بتاريخ 29/8/1361هـ ويشير الى معاملة واردة من المقام السامي برقم 2762 وتاريخ 24/2/1359هـ تتضمن اقتراح وتأييد الشيخ عبدالرؤوف الصبان لفكرة إنشاء غرف تجارية في كل من جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والاحساء وأبها. وهذه الإحالة لمجلس الشورى تفيد بموافقة المقام السامي على الاقتراح، وموافقة وزارة المالية، ثم موافقة مجلس الشورى بالخطاب الموقع من النائب الثاني والرئيس.

 

 ومن هذه الوثيقة التاريخية نجد ان الشخصية التي دفعت بفكرة الغرف التجارية الى أعلى مقام في الدولة هو الشيخ عبدالرؤوف الصبان بخطاب رفعه الى الملك عبدالعزيز في أول شهر صفر سنة 1359هـ يقترح فيه انشاء غرف تجارية في مدن جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والاحساء وأبها. اما الشخصية التي دفعت بالفكرة الى حيز التنفيذ فهو السيد صالح شطا. 

 

حسين جستنيه رائد الفكرة الاول

 

ولكن هذا لا يلغي أن ريادة الشيخ حسين جستنيه لفكرة الغرف التي التجارية، فهو الذي بدأ التبشير بها والدعوة اليها منذ عودته من الدراسة في الهند سنة 1347هـ. واغلب الظن أن حسين جستنيه اجتمع بالشيخ عبدالرؤوف الصبان ضمن من اجتمع بهم من الوجهاء لطرح الفكرة عليهم ليضمن وصولها الى المقام السامي. وكان عبدالرؤوف الصبان من أكثر هؤلاء الوجهاء والمسئولين وعيا وثقافة. وكان هذا الوعي وهذه الثقافة التي تمتع بها عبدالرؤوف الصبان وراء دعمه للفكرة وحمله لها لعدة سنوات حتى جاءته الفرصة لرفعها للمقام السامي سنة 1359هـ. وظلت تأخذ مجراها من المقام السامي الى مجلس الوكلاء الى وزارة المالية حتى وصلت الى مجلس الشورى، ليصدر قرار مجلس الشورى بالموافقة على قيام الغرف التجارية في 24/8/1361هـ، ولكن لا ينفذ هذا القرار إلا بعد صدوره بأربع سنوات، بتأسيس اول غرفة تجارية في المملكة وهي غرفة جدة في 15 صفر 1365هـ.

 

احتضان الصبان في امانة العاصمة لميلاد غرفة مكة

 

 ولهذا فلا عجب من عبدالرؤوف الصبان، بعد أن اصبح أمينا للعاصمة سنة 1365م، أن يرعى  قيام غرفة مكة المكرمة منذ اللحظة الأولى لميلادها، ويعلن عن ميلادها من أمانة العاصمة، ويجعل أول اجتماع لإشهارها وتشكيل مجلسها الذي انعقد في مقر أمانة العاصمة صباح يوم الاحد 20 محرم 1368هـ حيث تم في ذلك الاجتماع انتخاب رئيس الغرفة والاكتتاب لصالحها بالتبرعات برعاية امين العاصمة الشيخ عبدالرؤوف الصبان الذي رأى حلمة يتحقق فآثر ان يجعل مولده في مكتبه .. ! 

 

الصبان أول من دعا لإنشاء غرفة تجارية في جدة

 

 ووفق ما هو متاح لي من وثائق لا أعلم ان أحدا دعا الى تأسيس غرفة تجارية في جدة قبل عبدالرؤوف الصبان، فالوثيقة التي بين أيدينا ليست مجرد فكرة او دعوة في مقال، بل هي وثيقة تاريخية تقول ان عبدالرؤوف الصبان ذكر مدينة جدة اولا في خطابه للمقام السامي سنة 1359هـ، وهو الخطاب التاريخي الذي نقل مشروع الغرف التجارية من مرحلة الفكرة الى مرحلة التنفيذ. ولهذا فهو في نظري – وفق معلوماتي حتى الآن - رائد فكرة الدعوة لإنشاء غرفة تجارية في جدة لأن حسين جستنيه كان رائد الفكرة عموما، لكنه كان يدعو لإنشاء غرفة تجارية في مكة المكرمة أولا.     

 

نص قرار مجلس الشورى رقم (147) في 29 / 8 /1361هـ 

بالموافقة على انشاء الغرف التجارية

اطلع مجلس الشورى على أوراق المعاملة المرفقة الواردة من المقام السامي رقم 2762  في 24/2/1359هـ بصـدد اقتراح الشيخ عبدالرؤوف الصبان انشاء غرفة تجارية في كل من جده، مكة، والمدينة، الاحساء، وإبها للفوائد الجمة التي تُجنى من وراء ذلك، وموافقة وزارة المالية في خطابها المشفوع رقم 2162 في 17/2/1359هـ علی تأسيس غرفة تجارية بجدة، ووضع النظام اللازم لذلك من قِبل المجلس. وبعد تأسيسها يُنظر فيما عدا جدة من البلاد. كما اطلع المجلس أيضا علی ملحق هذه المعاملة الواردة من المقام السامي برقم 10068 في 12/8/1361هـ عن انتداب حسین فايز من قبل المجلس التجاري، وانتخاب التجار لكل من: محمد عبد الله رضا وعبد القادر باعشن للتفاهـم مع لجنة الانظمة التي عهد المجلس لها مهمة وضع مشروع النظام المشار اليه، وقد قدمت اللجنة تقريرها من ذلك بحضور وموافقة كل من:عبد القادر باعشن ومحمد عبد الله رضا وهذا الأخير بالأصالة عن نفسه ونيابة عن حسين فايز على الموضوع الذي وضعته اللجنة لهذا الغرض المشتمل علی 32 مادة.

 

وبعد مطالعته وتلاوته بالمجلس وبعد مناقشة مواده، وتبادل الآراء فيه قرر المجلس بالاجماع الموافقة على مشروع نظام الغرف التجارة والصناعية المبحوث عنه حسبما تم الاتفاق عليه بين لجنة الانظمة والمندوبين وفق الماده 29 التي تنص على انه لا يقبل في المزايدات والمناقصات الحكومية والبلدية إلا من يكون مشتركا في الغرف، فقد أضاف المجلس في الموضع المناسب منها جملة في البلدان التي تكون فيها الغرفة التجارية، كما أضاف المجلس الى المشروع مادة ختامية عن انفاذ مفعول النظام من اقترانه للتصديق السامي حسبما تدون بالأوراق الرسمية المُوقَّع عليها في قِبل المجلس.. ولما ذكر جرى التوقيع:

 النائب الثاني                                               

 رئيس مجلس الشورى

 صالح شطا                                                      

صالح شطا