خريطة الممرات الإنسانية في الحرب الروسية الأوكرانية

عرب وعالم

اليمن العربي

لم تخل الحرب الروسية الأوكرانية كغالبية الحروب من الممرات الإنسانية، التي يرافقها عمليات إجلاء للمدنيين من المناطق المحاصرة.

 

وكان أول الممرات الإنسانية، تم التوافق عليها، في 3 مارس/آذار 2022، أي بعد مرور نحو 8 أيام على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي انطلقت في 24 فبراير/شباط الماضي.

 

وبعد جولتين من التفاوض بين الجانبين الروسي والأوكراني، اتفق الجانبان على إقامة ممرات إنسانية من وإلى المدن التي تتعرض للحصار، على أن يرافق عمليات الإجلاء، وقف مؤقت لإطلاق النار.

 

وجاء تعجيل إقامة هذه الممرات استجابة لطلب شخصي من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عبر اتصال هاتفي مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين.

 

كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 6 مارس/آذار، إلى ضرورة الاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار بين جميع الأطراف من أجل السماح للمدنيين العالقين في مناطق القتال بالخروج منها.

 

الاتفاق على الممرات

 

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في 6 مارس/آذار الماضي، موعد بدء تنفيذ الممرات في الساعة العاشرة من صباح يوم 7 مارس/آذار ليبدأ تنفيذ الوقف المؤقت لإطلاق النار، وبدء عمليات إخلاء المدنيين والجرحى.

 

وأعلنت موسكو أنها أرسلت خرائط هذه الممرات إلى الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للصليب الأحمر والحكومة الأوكرانية.

 

وفي يوم 7 مارس/آذار الماضي اعتبرت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، إيرينا فيريشوك، أن إيصال بعض الممرات إلى روسيا وبيلاروسيا أمر غير مقبول.

 

لكن أوكرانيا أعلنت لاحقا، على لسان مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، أن حكومة بلاده توافق على الممر الآمن الذي يصل مدينة سومي بمدينة بولتافا.

 

خريطة الممرات الإنسانية

 

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، عن فتح 6 ممرات آمنة، تشمل:

 

- ممر من العاصمة كييف إلى مدينة جوميل في بيلاروسيا.

 

- ممر من مدينة خاركيف باتجاه مدينة بيلجورود في روسيا.

 

- ممران من مدينة سومي، أحدهما يتجه نحو مدينة بيلجورود الروسية، والثاني نحو مدينة بولتافا الأوكرانية.

 

- ممران من مدينة ماريوبول، أحدهما يتجه نحو مدينة روستوف الروسية، والآخر يتجه نحو مدينة زابوريجيا الأوكرانية.

 

سير عمليات الإجلاء

 

وباءت أولى عمليات إخلاء المدنيين بالفشل نتيجة عدم الالتزام بسريان الهدنة، حيث تبادل الجانبان الروسي والأوكراني، يومي 6 و7 مارس، الاتهامات بشأن خرق الهدنة في مدينة ماريوبول.

 

واتهمت كييف موسكو باستمرار عمليات القصف بمحاذاة الممر الآمن، فيما اتهمت موسكو "القوميين الأوكرانيين" بإطلاق الرصاص على المغادرين بغية ترويعهم ومنعهم من مغادرة المدينة.

 

وزاد تأخير عمليات الإجلاء، كذلك، البيان الصادر عن وزارة الدفاع الروسية، حيث حدد الساعة العاشرة من صباح يوم 7 مارس/آذار 2022 كموعد لبدء تنفيذ الهدنة، دون التوضيح إذا كان المقصود التوقيت الأوكراني أو الروسي، كما أن البيان لم يحدد توقيت انتهاء هذه الهدنة.

 

عراقيل الإجلاء

 

وكانت أبرز عراقيل عمليات الإجلاء هي "التشكيك في نوايا روسيا"، حيث إن توزيع الممرات الإنسانية، حسب الخطة الروسية، أظهر أن 4 من 6 وجهات لهذه الممرات تقود المدنيين الأوكرانيين نحو بيلاروسيا أو روسيا، ما أثار الشكوك حول نوايا موسكو.

 

إضافة إلى عدم وجود ضمانات حول عدم حصول اعتقالات واسعة للمدنيين الأوكرانيين المُعارضين للتدخل العسكري الروسي بعد وصولهم إلى الأراضي الروسية.

 

كما أن الممرات الأخرى المُقترحة كانت تمر بمحاذاة جبهات القتال وخطوط التماس، ما دفع الجانب الأوكراني للتشكك في نوايا روسيا بشأن غرض الممرات وهل هو السماح للمدنيين بالمغادرة أم الاستمرار في ترهيبهم.

 

كذلك، فإن الإعلان بشكل أحادي من الجانب الروسي عن الممرات الإنسانية، وإن كان قد سبقه اتفاق مبدئي مع أوكرانيا، ومراقبة الممرات بالطائرات المُسيَّرة الروسية، زاد الريبة من جانب أوكرانيا.

 

وكان من بين العراقيل أيضا الترويج لاستخدام المدنيين كذريعة، من كلا الطرفين الروسي والأوكراني، حيث يحاول الجانب الروسي إظهار أن الدافع الحقيقي لرفض أوكرانيا مبادراته حول الممرات الآمنة، هو استغلال بقاء المدنيين داخل المدن المُحاصرة لاستخدامهم كدروع بشرية، فيما تؤكد أوكرانيا أن الممرات الآمنة المطبقة، لا تختلف كثيراً عن عمليات التهجير القسري.

 

كما اتهم الجانب الأوكراني روسيا باستخدام الممرات الإنسانية من أجل تحقيق أهداف عسكرية بشكل غير مباشر؛ وبينها اقتحام المدن المُحاصرة، وتهيئة الأرضية لمعارك المدن، حيث سيسهل على القوات الروسية التقدم في مدن خالية من المدنيين بعد إخراجهم عبر الممرات الآمنة.

 

دور الصليب الأحمر

 

ومنذ بداية الحرب والإعلان عن الممرات الإنسانية، قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأدوار متعددة بينها الإشراف على استمرارية الممرات الآمنة.

 

وقامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالاتصال بالأطراف المتحاربة منذ اللحظات الأولى لاندلاع النزاع المسلح، عبر رئيسها بيتر ماورير، الذي حض الحكومتين الروسية والأوكرانية على ضرورة الاتفاق المُبكر في إنشاء الممرات الإنسانية الآمنة، والعمل الجاد على إخلاء المدنيين من أماكن القتال.

 

وبعدها قامت اللجنة لاحقاً بنشر عاملين لديها في المناطق التي تم الاتفاق على أن تُقام فيها ممرات آمنة، للإشراف على عمليات الإجلاء عبر الحافلات أو المركبات الآلية.

 

وكذلك تقوم اللجنة بمراقبة مدى التزام كل من الأطراف المتحاربة بمواعيد وقف إطلاق النار، وفي حال تم خرق هذه الالتزامات يقوم فريق عمل اللجنة بالتواصل مع قيادته التي تبلغ الأطراف غير الملتزمة وتحثها على معاودة الالتزام بهدف تأمين عملية خروج المدنيين.

 

وتقوم الفرق التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر كذلك، بتسيير المواكب الإنسانية، واستلام المساعدات وتوزيعها، متسلحة بالحصانة التي يكفلها لها القانون الدولي الانساني.

 

أهداف الممرات الإنسانية

 

وتتمثل أبرز أهداف إقامة الممرات الآمنة في أوكرانيا في إخراج المدنيين من مناطق القتال في المدن المُحاصرة وتحييدهم.

 

وأظهرت الإحصائيات المُعلن عنها من قِبل السلطات الأوكرانية أنه في الأيام الأولى بعد إنشاء هذه الممرات، تم إخراج حوالي 35 ألفاً من المدنيين، وذلك وفقاً لما أعلنه الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

 

كما تساهم الممرات كذلك في إيصال المساعدات الإنسانية، الطبية والغذائية، للسكان المدنيين الذين لم يتمكنوا من الخروج من المدن التي تتعرض للقصف أو تدور في محيطها عمليات قتالية.

 

الممرات الإنسانية في القانون الدولي

 

وتعود فكرة إقامة ممرات آمنة إلى القانون الدولي الإنساني الذي يؤكد ضرورة وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تدور فيها نزاعات مسلحة.

 

ونصت اتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949 في المادة 23 من الاتفاقية الرابعة على حرية مرور المساعدات المُتضمنة الأدوية والمواد الصحية والأغذية والثياب، للسكان المدنيين.

 

كما أن البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف للعام 1977 يكمل الأحكام السابقة، معتبراً أن عروض النجدة والمساعدة لا تعتبر تدخلاً في النزاع إذا استوفت شرطي الحياد والتجرد.

 

وفي عام 1988، صدر قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يحمل الرقم 43/131 عن المساعدات الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية والأوضاع الاستعجالية المماثلة لإدخال المساعدات إلى أرمينيا التي كانت تعاني زلزالاً، وتُفصل فيه طريقة إدارة الممرات الإنسانية.

 

كما أصدر مجلس الأمن لاحقاً عدة قرارات دولية تؤكد على حرية مرور المساعدات، كما في حالات العراق (1991) والصومال (1992)، والبوسنة (1994).

 

وفي بعض الحالات، تم اقتراح إرسال قوات متعددة الجنسيات لحماية مواكب المساعدات وصولاً إلى السماح لهذه القوات باستخدام القوة، وهنا عرفت الأزمة السورية إنشاء معابر لإدخال المساعدات الإنسانية إليها تحت إشراف الأمم المتحدة ووفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2165.