لماذا يرتبط اليمنيون وقت الحرب بالزامل؟ (تقرير)

تقارير وتحقيقات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

نشأ فن «الزامل» الشعبي اليمني في سياق التحولات السياسية والاجتماعية العنيفة عبر مراحل طويلة غلب عليها طابع الصراعات الداخلية والحروب وعدم الاستقرار، ما تطلب تطويع الفنون الشعرية لتصبح أكثر حماسة وتثويراً وإلهاباً لمشاعر المستمعين.

 

وعلى رغم ارتباط «الزامل» بالحرب بالدرجة الأولى، فإن استخدامه امتد في فترات الاستقرار القليلة ليشمل كل مناحي الحياة اليومية من أعراس ومناسبات اجتماعية شتى، قبل أن يعود في السنوات الأخيرة إلى مهمته الأساسية كبيدق في صفوف الأطراف المتحاربة في اليمن.

 

وعن الخلفيات الثقافية والاستخدامات الاجتماعية لهذا الفن اليمني الخاص الذي يمكن القول إنه المعادل الموضوعي لفنون أخرى شبيهة في الجزيرة العــــربية مثل فن «الشيلة» في الخليج، يقول الباحث في التراث الشعبي اليمني علوان الجيلاني لـ«الحياة» إن «الزامل» هو ضرب من الشعر الغنائي الشعبي الذي ينشد في المحافل باعتباره لوناً شعبياً يحمل كثيراً من المضامين والرسائل العميقة ويصفها ببلاغة في بيتين من الشعر أو أكثر، يؤدى مصحوباً في أماكن كثيرة برقصة في العديد من المناسبات كالحروب والأعراس وفي مناسبات الأعياد وأكثر ما يغلب عليه المديح والتفاخر، وهو ليس للهوى أو الغزل.

 

وبرز «الزامل» في شكل قوي في السنوات الأخيرة واستخدمه الفرقاء اليمنيون بدرجة أولى لتأجيج مشاعر أنصارهم وتهديد خصومهم بالهزيمة، ويكاد يكون أبرز وسائل الإعلام التي استخدمت في الحرب التي تشهدها اليمن، نظراً إلى لغته البسيطة التي يفهمها العامة، إضافة إلى قدرته على إثارة الحماسة وسهولة تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 

وعن أغراض «الزامل» المتعددة يقول الجيلاني: «لعب الزامل عبر التاريخ دوراً خطيراً في الحروب إيقاداً وتأجيجاً، فقد نشأ تلبية لحاجة اجتماعية استدعت هذا الفن، وكان ظهوره قديماً جداً وليس بوسع أحد تحديده بزمن معلوم، خصوصاً أن الفنون والألوان الأدبية تبدأ بحالات فردية أحادية يميزها عصرها على أنها تقليعة ما تلبث أن تجد أرضها في الواقع الاجتماعي، من خلال التجربة والتكرار بحيث يتبلور قالبها العام، فتأخذ بالتوسع والانتشار».

 

 ويرى العديد من الباحثين في التراث الشعبي اليمني أن «الزامل» بصمة إبداعية تربط بالحرب أولاً، ومن ثم بمناسبات أخرى تستلزم المديح والفخر والحماسة، لكن الحرب تظل بيئته الفضلى التي ينمو فيها، فيروج وينتشر أكثر في الحروب التي تكون الدولة فيها إما مهزومة أو غائبة أو شبه غائبة، فهو يعبر دائماً عن اتقاد حماسة أطراف قبلية.

 

وفي هذا السياق يضيف الجيلاني: «يرتبط الزامل بالدعوة إلى الحرب بوصفها ثأراً وتغلّباً ونهباً، كما يرتبط بمصادر التخلف الاجتماعي والتسلط القبلي والتوحش الإنساني وتراجع المدنية والدولة المدنية.

 

ولعل هذا أهم أسرار حضوره بقوة على ألسنة شعراء الحوثيين إذ يقوم عندهم مقام الأغنية الوطنية.

 

وليس لكل هذه المضامين علاقة بجماله الفني وصوره الشعرية البديعة، فهو من حيث الفن ومضات رائعة مدهشة».