تصنع 350 هاتفا في الدقيقة.. قصة نجاح مدينة "الآيفون الصينية"

اقتصاد

اليمن العربي

من مجرد مدينة يعاني سكانها الفقر، ولا يعملون سوى في الزراعة إلى واحدة من أهم المراكز الصناعية في العالم.

 

تشنغتشو الصينية، أو كما يطلق عليها "مدينة الآيفون"، خلال عقود مضت كانت الأراضي الزراعية الشاسعة هي العنوان الرئيسي للمدينة، واليوم تغيرت الصورة تماما، بعد أن أصبح يعمل بها عشرات الآلاف في تجميع هاتف Apple الذكي.

 

تلك المدينة التى تقع فى قلب وسط الصين، تحكي قصة نجاح وتحول من مدينة فقيرة إلى مدينة صناعية كبيرة.

 

فالمدينة يوجد بها أكبر مصنع لشركة "أبل" حول العالم، والذي يقدم نصف إجمالى الطاقة الإنتاجية لشركة "أبل" بفضل الحوافز الاستثمارية الكبيرة، التى قدمتها الصين لشركة أبل الأمريكية.

 

متاهة المنصات الخشبية

 

موظفو الحكومة، فى زيهم الرسمى المحكم، يتسابقون حول ما وصف بمتاهة من المنصات الخشبية المكدسة بالصناديق، يعدون ويزنون ويفحصون بأجهزة المسح الضوئى ويوافقون على الشحنات، فيما تمتد شاحنات غير معلومة الاسم لمسافة تزيد عن ميل فى انتظار الشحنة القادمة إلى بكين أو نيويورك أو لندن وعشرات الجهات الأخرى.

 

ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، في جولة بالمدينة، فقد تم بناء المنشأة منذ عدة سنوات لخدمة "شركة أبل"، وهى الآن الشركة الأعلى قيمة على مستوى العالم وواحدة من أكبر تجار التجزئة فى الصين.

 

امتيازات الجمارك

 

يعتبر نظام الجمارك المصمم بعناية جزءا من الامتيازات الخفية، فضلا عن تخفيض الضرائب والإعانات لدعم أكبر مصنع لشركة آيفون حول العالم، وفقا لسجلات الحكومة السرية التى اطلعت عليها "نيويورك تايمز" فضلا عن مقابلات مع أكثر من 100 عامل بالمصنع والخدمات اللوجستية وسائقى الشاحنات وخبراء الضرائب ومديرين حاليين وسابقين فى أبل.

 

وتابعت: "حزمة الحوافز، التى تقدر بمليارات الدولارات، تعد أساسية فى إنتاج آيفون، الجهاز الأكثر مبيعا والأعلى ربحية لشركة أبل".

 

حوافز حكومية كبيرة

 

كل ذلك لأن الحكومة المحلية أثبتت فعاليتها وقدمت حوافز استثمارية كبيرة لجذب شركة أبل، فتبرعت بأكثر من 1.5 مليار دولار لإنشاء أجزاء كبيرة من مصنع "فوكسكون"، بالإضافة إلى بناء مساكن قريبة للموظفين.

 

وقامت الحكومة أيضا بتمهيد الطرق وإنشاء محطات جديدة لتوليد الكهرباء، كما ساعدت فى تغطية التكلفة المستمرة للطاقة والانتقالات الخاصة بالتشغيل، واستقدمت العمالة لخط التجميع بالمصنع، ودفعت أيضا مكافآت للمصنع لتحقيق مستهدفات التصدير.

 

تفشي كورونا

 

ومؤخرا، تسبب فرض الحجر المنزلي على سكان مدينة شنجن في جنوب الصين البالغ عددهم 17 مليون نسمة، جراء ارتفاع قياسي لعدد الإصابات بكوفيد-19، في تعليق مصنع "آيفون" أعماله بهذه المدينة.

 

وأعلنت السلطات في شنجن مركز التكنولوجيا، الأحد الماضي، دخول فرض الحجر حيز التنفيذ بسبب ظهور بؤر تفشى فيها الوباء في المدينة، مرتبطة بإقليم هونج كونج المجاور الذي يجتاحه الفيروس.

 

وأعلنت شركة الإلكترونيات التايوانية العملاقة فوكسكون، المُصنِّع الرئيسي لشركة أبل الإثنين، تعليق أنشطتها في شنجن، بفعل الحجر الذي أثر على عمل مصانعها.

 

وقالت فوكسكون، التي توظف عشرات الآلاف من العمال في المدينة، إنها نقلت إنتاجها إلى مواقع أخرى.

 

وتعد شنجن واحدة من عشر مدن في الصين تخضع حالياً لتدابير إغلاق.

 

وتقوم شركة فوكسكون، وفق تقارير إعلامية، بتجميع معظم هواتف آيفون، في مصنع آخر في مدينة تشنغتشو بوسط الصين، المعروفة بمدينة آيفون.

 

هل يصل تفشي فيروس كورونا إلى مدينة آيفون؟

 

إذا كنت تملك جهاز "آيفون"، فإن الاحتمال الأكبر أنه من إنتاج مجمع صناعي ضخم داخل مدينة تشنغتشو الصينية، التي يقدر عدد سكانها بنحو 9.5 مليون نسمة وتقع داخل إقليم هينان أكثر أقاليم الصين فقراً.

 

ويعمل نحو 350 ألف شخص، داخل المجمع الصناعي، الذي تتولى إدارته شركة "فوكسكون" التايوانية لصناعة الأجهزة الإلكترونية، وينتج ما يقرب من نصف أجهزة "آيفون" على مستوى العالم.

 

وتنشط حركة الإنتاج داخل المصنع على نحو خاص خلال شهور الصيف ليصل مستوى الإنتاج اليومي إلى 500 ألف جهاز، أو ما يقدر بـ350 جهازاً في الدقيقة.

 

ونظراً لضخامته وامتداده على مساحة واسعة تتجاوز 2.2 ميل، أطلق على هذا المجمع الصناعي اسم "مدينة الآيفون"، حيث يعيش العمال في بنايات تتألف من 10 أو 12 طابقاً.

 

وتنتشر الأشجار في كل مكان داخل المجمع، علاوة على وجود قوات شرطة وأمن في كل جانب. اللافت أنه منذ أكثر من 10 سنوات كانت تلك المساحة الشاسعة لا تضم سوى نفايات وحقول ذرة وقمح.

 

بحلول عام 2010، اشترت الحكومة الأرض من المزارعين المحليين وجرى تشييد المصنع وتشغيله خلال العام ذاته.

 

ووفرت الحكومة الإقليمية للمصنع دعماً بقيمة 600 مليون دولار، علاوة على صور أخرى لا تحصى من الدعم الحكومي وحوافز ضريبية وإعانات للإبقاء على خط الإنتاج داخل تشنجتشو.

 

ومنذ أن بدأ المصنع عمله، حرصت الحكومة على تمهيد طرق جديدة إليه وبناء محطات طاقة، إضافة إلى معاونتها في تغطية تكاليف الطاقة والنقل، بل وتدفع مبالغ إضافية للمصنع لمعاونته على تحقيق الأهداف التصديرية الخاصة به.

 

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل تساعد الحكومة في تعيين وتدريب وتوفير السكن لعمال المصنع خلال فترات ذروة الإنتاج.

 

وتعد "فوكسكون" أكبر جهة توظيف خاصة على مستوى الصين، ذلك أنه يعمل لديها 1.3 مليون موظف.

 

ومنذ أن بدأت عملها في تصنيع أجهزة "آيفون" لصالح شركة "أبل" عام 2007، واجهت "فوكسكون" اتهامات بانتهاك حقوق العمال وتوفير ظروف عمل رديئة للعاملين لديها وتوقيع عقوبات قاسية بحق العمال الذين يقترفون أخطاءً.

 

كما شهد العامان 2010 و2011 موجة من حوادث الانتحار في صفوف عمال "فوكسكون"، ما أجبر الشركة بالاتفاق مع "أبل" على إقرار تغييرات داخل المصانع.

 

روتين الحياة اليومي داخل "مدينة الآيفون"

 

وبحسب عمال في مدينة الآيفون، فإن روتين الحياة اليومي داخل "مدينة الآيفون" يسير على النسق التالي في مجمله:

 

ـ الاستيقاظ الساعة 6.30 صباحاً

 

ـ التوجه إلى المصنع في الـ7

 

ـ تناول الفطور وبدء العمل في الـ8

 

ـ الحصول على ساعة راحة لتناول الغداء. ويتناول معظم العاملين الغداء داخل البوفيه الخاص بالمصنع، لكن قليلين يختارون تناول الطعام في مطاعم خارج المصنع لأنها تقدم طعاماً أفضل.

 

ـ تنتهي نوبة العمل في الـ5، لكن حال عرض العمل لساعات إضافية، تقبل الغالبية لتظل في المصنع حتى الـ8 أو الـ10 مساءً.

 

ـ بعد انتهاء العمل، يتناول العمال العشاء مع الأصدقاء أو يجتمعون للمشاركة في ألعاب الفيديو حتى الـ10 أو الـ11 مساءً، ثم يخلدون إلى النوم.

 

قصة نجاح

 

يستطيع المتأمل لتلك التجربة، التى تعتبر قصة نجاح بفضل ذكاء الحكومة الصينية فى تقديم حوافز استثمارية كافية لجذب شركة عملاقة بحجم "أبل"، استنتاج أهم الحوافز التى يفكر بها المستثمر الأجنبى التى يدرس أسواقا مختلفة ليختار الأفضل من بينها ليضخ فيها استثماراته، التى تترجم فى المدى القصير والمتوسط إلى زيادة فى فرص العمل ومعدلات النمو ومصادر الدخل بالعملة الصعبة فى الدولة التى تقدم حوافز أكثر.