الصرع. اضطراب عصبي يتغير فيه نشاط الدماغ

منوعات

اليمن العربي

الصرع هو اضطراب عصبي يتغير فيه نشاط الدماغ. وتتسبب خلاله شحنة كهربائية غير طبيعية في الخلايا العصبية في حدوث تشنجات.

 

وفي بعض الأحيان تقتصر أعراض الصرع على سلوك وأحاسيس غير عادية تستمر لبعض الوقت، أو يصل الأمر إلى فقدان الوعي.

 

وتختلف شدة النوبات ومدتها بحسب المنطقة التي توجد بها الشحنة الكهربائية في الدماغ، وقد تتراوح بين نوبات قصيرة للغاية من غياب الوعي إلى أخرى ممتدة. كما أن معدل حدوثها متغير للغاية: من أقل من نوبة واحدة في العام إلى عدة نوبات في اليوم.

 

ويعتبر الصرع من أكثر الأمراض العصبية المزمنة شيوعا، وقد يعاني منه أي شخص، سواء كان رجلا أو امرأة ومن أي سن، لكنه يظهر بشكل أكثر تكرارا في سن الطفولة وبعد سن 65 عاما.

 

ويُعرّف أحيانا الصرع على أنه مرض عقلي أو إعاقة، ولهذا السبب، قد يعاني أولئك الذين يعانون منه من مشكلات في علاقاتهم الشخصية والاندماج الاجتماعي.

 

وعلى مدار قرون لم يكن الصرع يُعد مرضا، بل ظاهرة خارقة للطبيعة أو عقابا أو مسا شيطانيا، وتعرض الذين كانوا يعانون منه للوصم والإبعاد.

 

 

ويتوجه الأفق اليوم، في ضوء العلم، إلى توسيع إطار التشخيص والعلاج، فضلا عن التصدي لتعرض من يعاني منه إلى التمييز.

 

ويشتق مصطلح الصرع من الكلمة اليونانية epilambaneim التي تعني "المفاجئة"، في إشارة إلى الأزمات التي يسببها. والصرع مرض قديم قدم الإنسان وتحيط به تاريخيا أساطير ووصمات عار.

 

ويعود أول وصف مكتوب لنوبة صرع إلى عام 2000 قبل الميلاد، ويظهر ذلك في نص باللغة الأكادية، لغة بلاد ما بين النهرين القديمة. وكان قانون حامورابي (1790 قبل الميلاد) يحظر على المصابين بالصرع الزواج والشهادة في المحكمة، كما يسمح بإعادة العبد لصاحبه الذي باعه إذا ظهرت عليه أعراض الصرع.

 

وبالنسبة لليونانيين القدماء، كان هذا مرضا إلهيا أو مقدسا، لأنهم كانوا يعتقدون أن إلها وحده هو القادر على إلقاء الناس على الأرض وحرمانهم من حواسهم وإحداث تشنجات بهم، ثم إعادتهم إلى الحياة.

 

وكان أبقراط أول من أدرجه ضمن الأمراض الجسدية وحدد مكانه في المخ، وقال "ليس أكثر إلهية ولا أكثر قداسة من أي مرض آخر". ومع ذلك، وصفته روما بأنه مرض دنس ومعد. وكان من بين الأسماء التي تطلق عليه في ذلك الوقت "مرض الانتخابات"، لأنه عند إجراء الانتخابات، إذا كان أي من الحاضرين مصابا بنوبة صرع، يتم إيقافها للتطهير وتجنب العدوى.

 

وفي العصور الوسطى، كان يعتبر الصرع عقابا إلهيا أو عملا من أعمال الشياطين. وكان المرضى يُصلون طالبين الشفاء من مريم العذراء والقديس فالنتاين، ولهذا السبب عُرف في بعض الدول باسم "مرض فالنتاين".

 

وتمت تجربة علاجات لمحاولة علاج هذا المرض في القرن التاسع عشر، وكانت غير فعالة ومتطرفة في كثير من الأحيان، وتراوحت من حمامات الدماء والكي والخدش وبتر الأعضاء، إلى ثقب الجمجمة.

 

ولم يبدأ عصر الصرع الحديث حتى نهاية القرن التاسع عشر، عندما وضع طبيب الأعصاب الإنجليزي جون هونجلينج جاكسون في عام 1873 تعريفا للمرض بأنه "شحنة كهربائية مفاجئة وسريعة ومفرطة لخلايا الدماغ".

 

وبدأ تسويق أول الأدوية المضادة للصرع في عام 1912. وسجل هانز بيرجر أول مخطط كهربائي للدماغ البشري على الورق في عام 1929.

 

على الرغم من إخفاء الأعراض في ذلك الوقت أو تقديم تفسيرات أكثر ارتباطا بالسحر منها بالعلم، فإن الصرع اليوم يُنسب إلى العديد من المشاهير. وسيكون على القائمة الإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر وبطرس الأكبر (بيتر الأول) الروسي ونابليون وفيدور دوستويفسكي وفينسنت فان جوخ وهاندل وباجانيني وآخرين.

 

ومن بين المشاهير المصابين بالصرع، يبرز اسم الكاتب الروسي فيدور دوستويفسكي، الذي تعرض لأول نوبة في عامه الثامن عشر، بعد مصرع والده. وكتب ما يصل إلى سبعة أعمال كانت جميعها تضم شخصية مصابة بالصرع، أشهرها الأمير ميشكين بطل رواية "الأبله".

 

وقد يكون للصرع أسباب عديدة (تشوهات خلقية وتغيرات جينية وإصابات في الرأس وحوادث في الأوعية الدموية الدماغية وعدوى...)، لكن العامل الذي يسببه غير معروف في نصف الحالات تقريبا.

 

وتختلف الأعراض أيضا بشكل كبير. وفي بعض الأحيان، تتمثل الأزمة في قيام الشخص بالتحديق لبضع ثوان، أو تحريك الذراعين أو الساقين بشكل متكرر. وهناك أيضا أزمات عامة يسقط فيها الإنسان أرضا، ويتيبس الجسم ويحدث اهتزاز بوتيرة معينة للذراعين والساقين. وفي هذه الحالات، يمكن أن يحدث أيضا عض اللسان واحمرار الشفاه وخروج رغوة من الفم واسترخاء العضلة العاصرة.

 

ولا تعني الإصابة بنوبة واحدة أن الشخص مصاب بالصرع، حيث يتطلب التشخيص حدوث نوبتين على الأقل بدون سبب معروف. ووفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية، تعود إلى عام 2019، هناك حوالي 50 مليون شخص مصاب بالصرع في العالم، على الرغم من أن مصادر أخرى قدرت الرقم بـ 65 مليونا.

 

وتعد احتمالية السيطرة على مريض الصرع جيدة، حيث يتم السيطرة على ثلاث من كل أربع حالات صرع بالأدوية، في حين أن نسبة 25% الباقية مقاومة لها. ولكن حتى في الحالات التي لا تستجيب للأدوية، يمكن أحيانا استخدام تحفيز العصب المبهم عن طريق زرع قطب كهربائي تحت الجلد.

 

 

وتشير التقديرات إلى أن 70% من المصابين بالصرع يمكن أن يعيشوا بدون نوبات إذا تم تشخيصهم ومعالجتهم بشكل صحيح، وهو أمر لا يحدث دائما، خاصة في الدول الفقيرة. وتقدر منظمة الصحة العالمية أنه في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، قد لا يتلقى ثلاثة أرباع المصابين بالصرع العلاج اللازم.

 

تم إطلاق اليوم العالمي للصرع، الذي يُحتفل به كل عام في ثاني اثنين من شهر فبراير/شباط، في عام 2015 بمبادرة من الرابطة الدولية لمكافحة الصرع والمكتب الدولي للصرع، لكنه ليس اليوم الوحيد المخصص لهذا المرض، حيث يتم الاحتفال بـ Purple Day أيضا في 26 مارس/آذار من كل عام، والذي أطلقته كاسيدي ميجان، وهي فتاة كندية تبلغ من العمر 9 سنوات مصابة بالصرع، في عام 2008.

 

وهذه هي التواريخ التي تهدف إلى التعريف بالمرض والتأكد من حصول من يعانون منه على أفضل العلاجات ووضع حد للأساطير والتمييز ضدهم.

 

وسقطت حواجز مؤخرا وما زال بعضها قائما حتى الآن، ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حتى سبعينيات القرن الماضي، كان من الممكن منع المصابين بالصرع من دخول المطاعم والمسارح والأماكن العامة الأخرى، بل كانت هناك ولايات يُمنع فيها زواج مرضى الصرع.

 

وفي المملكة المتحدة، لم يتم تعديل القانون الذي كان يسمح بإلغاء الزواج بسبب الصرع حتى عام 1971. وحتى اليوم، في بعض البلدان، يتم وضع قيود على حصول الأشخاص المصابين بالصرع على التأمين الصحي والتأمين على الحياة، كما يواجهون صعوبات في الحصول على رخصة قيادة أو شغل وظائف معينة. ويعتبر الصرع في بعض الدول، مثل الصين والهند، سببا لمنع الزواج أو إلغائه.