رمضان اليمن.. من اختفاء المواطنين في الصباح لمجالس القات بعد التراويح (تقرير)

تقارير وتحقيقات

رمضان في اليمن
رمضان في اليمن

رمضان في اليمن السعيد.. هناك عادة اجتماعية كانت موجودة إلى عهد قريب ، وهي أنه إذا أُعلن عن غد أنه رمضان، يقوم الأطفال بأخذ أكوام من الرماد ويجعلونه على أسطح المنازل على هيئة أوعية دائرية، ثم يصبون فيها الجاز ويشعلونها، وقد اندثرت هذه العادة في المدن ولازال البعض يمارسها في القرى.

 

ويرتبط رمضان ارتباطا وثيقا مع أصالة اليمن وعمقه الحضاري، وتبدأ العادات الرمضانية في اليمن منذ اللحظة التي يتحرّى الناس فيها رؤية الهلال قبيل رمضان، وفي الغالب تُعتمد رؤية أهل الساحل أكثر من غيرهم من أهل الجبال، وعند التأكد التام من دخول شهر رمضان يهنّئ الناس بعضهم البعض على قدوم هذا الشهر، وفي الغالب يتبادل الناس هذه التحايا في أول نهار من رمضان.

 

لا أحد مستيقظ في الصباح

 

في «الصباح الرمضاني» لا تكاد تجد أحدا مستيقظا ، تكون الشوارع خالية والمحلات مقفلة، سوى محلات قليلة جدا يلجأ الناس إليها عند الحاجة الملحّة، ويتأخّر الدوام الحكومي إلى الساعة التاسعة أو العاشرة صباحا.

 

امتلاء المساجد عند الظهر

 

وأما عند الظهر فيلاحظ على المساجد امتلاؤها ، حيث يقبل الجميع إلى الصلاة ، وبعد الصلاة يظل أغلب الناس في المساجد يقرؤون القرآن ويذكرون الله تعالى ، ويصطحب الناس معهم أولادهم كي يشاركوهم في هذا الأجر.

 

الحبوة في الجنوب والمتكى في الشمال

 

ولطول هذه الجلسة يلجأ بعضهم إلى اصطحاب ما يُسمّى «الحبوة» وهي حزام عريض يقوم الشخص بوضعه على محيط جسده بحيث يضمّ إليه قدميه، ومثل هذا يساعده على الجلوس في وضعية الاحتباء لساعات طويلة دون أن يشعر بالتعب ، وتُستخدم "الحبوة" بكثرة في جنوب اليمن، أما بالنسبة لأهل الشمال فيأتون بالمخدّات التي يضعونها خلف ظهورهم أو المتّكأ وينطقونها هناك " المتْكى " ، ويظل الجميع في هذا الجوّ الإيماني حتى يصلّي الناس صلاة العصر.

 

كلمة إيمانية عقب صلاة العصر

 

وبعد صلاة العصر تكون هناك كلمة إيمانية قصيرة يلقيها إمام الحيّ أو أحد الدعاة المتواجدين ، ثم يكمل البعض جلوسه في المسجد ، بينما يخرج الآخرون لقضاء حوائجهم وتجهيز لوازم الإفطار.

 

إفطار في المسجد

 

وعندما يقترب أذان المغرب، يستعدّ الناس للإفطار بحيث يأتي كل واحد منهم بشيء من إفطاره إلى المسجد ليجتمعوا هناك ويفطروا معاً، مما يزيد في تعميق أواصر التقارب بينهم، كما أنه مواساةٌ للفقراء الذين لا يجدون ما يفطرون عليه.

 

يقوم الناس بفرش مائدة طويلة تّتسع للمتواجدين في المسجد ويضعون فيها الأطعمة والمشروبات المختلفة، بحيث يجتمع المصلّون على هيئة صفوفٍ ويكون الأكل جماعيّا، وأهم ما يميّز هذه المائدة أكلةٌ تُسمّى بـ"الشفوت" وهي من أكلات أهل الوسط والجنوب، كذلك هناك التمر والماء و"الحلبة" المخلوطة بالخل، والمرق والشوربة والسمبوسة، ولا بد من وجود "السحاوق" وهو مسحوق الطماطم مع الفلفل، ومن خلال ما سبق نلاحظ أن عناصر هذه المائدة خفيفة على المعدة ، ولذلك فإن الوقت بين الأذان والإقامة يكون قصيرا بحيث لا يتجاوز السبع دقائق.

 

الإفطار الحقيقي عقب صلاة المغرب

 

وبعد الصلاة يرجع الناس إلى أهاليهم كي يتناولوا الإفطار الحقيقي، وبالطبع فإن عناصر المائدة تكون أكثر دسامةً وتنوّعاً، حيث يقدّم فيها: اللحوح واللبن والشفوت وشوربة العتر، ويُضاف إلى ما سبق مرق اللحم أو الدجاج، وقد يأكلون العصيدة وإن كان هذا نادراً بسبب ثقل هذه الوجبة على المعدة.


المشروبات


ومن المشروبات المشهورة في شمال البلاد مشروب القديد، وهو المشمش الذي يجفّف بالشمس حتى يصبح يابساً، ثم يوضع في الماء نصف يومٍ مع السكّر ، وينبغي شربه في نفس اليوم الذي يجهز فيه ؛ لأنه إذا تُرك فترةً طويلة يتخمّر ويصبح فاسداً.

 

الحلويات

 

وللحلويّات في المائدة نصيب، فبالإضافة المحلّبية والجيلي، توجد أكلة شعبية لذيذة اسمها "الروّاني"، وهي نوع من أنواع الكيك بالبيض والدقيق، ويُضاف إليها ماء السكّر

 

إفطار أهل الجنوب

 

أما أهالي الجنوب فيوجد في بعض مناطقها كحضرموت وغيرها من يأكلون الأرز على الإفطار بالرغم من كونها وجبةً ثقيلة، وحينها يأكلون الأرز مع اللحم المضبي أو المندي أو المضغوط أو الحنيذ، كذلك يأكلونه مع المقدّد أو اللخم، وهي أسماك مجفّفة ويكون طعمها مالحاً ، وفي أنحاء عدن و شبوة ويريم يأكلون اللحم أو الدجاج مع الصالونة.

 

وبعد الانتهاء من الإفطار، يرى البعض أن يقوم بشرب الشاي أو القهوة ريثما يحين وقت الصلاة، وقد يأكلون القلاّء، وهي عبارة عن فول صغير محمّص، فهو إذاً بمثابة المكسّرات.

 

صلاة التراويح أو القيام

 

ثم يقوم الجميع بالتجهّز للصلاة، ويلاحظ أن وقت الإقامة يُؤخّر نصف ساعة مراعاة لأحوال الناس ، ويصلّي الناس أحد عشر ركعة وبعضهم يصلّي إحدى وعشرين ركعة ، وبعد كل أربعة ركعات يأتي أحد المصلّين ويقوم بتطييب بقية المصلين ، وقد يضعون الماء المبخّر في المسجد.

 

البعض يذهب لمجالس القات عقب الصلاة

 

فإذا انتهت الصلاة في المسجد، ينفضّ الناس إلى أعمالهم أو بيوتهم، ويقوم الأغلب في الذهاب إلى ما يُسمّى بمجالس القات، وهي تكتّلات شعبية يجتمع فيها أهل اليمن بأطيافه المختلفة لأكل القات، وعادة ما يصاحب هذه الجلسات النارجيلة أو المدع والدخان وغيرها من المظاهر السيئة، وفي أثناء هذه الجلسات تدور نقاشات ساخنة حول قضايا مختلفة، وقد يصاحب هذه الجلسات مشاهدة التلفاز أو اللعب بـ"الكيرم" أو "البطّة".