يحدث لنا الآن ما حذر منه نبينا صلى الله عليه وسلم

اليمن العربي

حذر أمته بما سيحدث لها في مستقبل أيامها بما لو أخذت به لم تقع في ما هي فيه الآن، شكوا إليه الفقر وخافوا من العوز فحذرهم من الدنيا المقبلة عليهم، ومن البطر، وبشرهم أن الأرض ستفتح لهم خزائنها بلا حساب، جلس على المنبر ذات يوم، وكانوا حوله ملتفين فقال لهم بإشفاق: (إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها) (رواه البخاري ومسلم). وقال مستشرفاً ما سيقبلون عليه مع تحذير منه: (الفقر تخافون أو العوز أم تهمكم الدنيا؟ فإن الله فاتح عليكم فارس والروم وتصبُّ عليكم الدنيا صباً حتى لا يغريكم بعد أن زغتم إلا هي!) (رواه الطبراني)، وظل يكرر عليهم معنى أن لا خوف عليهم من الفقر بل من إقبال الدنيا، ولكنه يضيف هذه المرة خوفه عليهم من الهلاك بسببها حين قال: (... أبشروا وأمِّلوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتُهلككم كما أهلكتهم) (رواه البخاري ومسلم). وذكرهم أن تنافسهم على المال والجاه سيورثهم حب الدنيا والحرص على طول البقاء فيها، ومن كان حاله ذلك كره الموت حتى ولو كان في سبيل الدفاع عن الحق والعدل والكرامة، وقال لهم قولاً خطيراً مؤثراً هو واقع الأمة الإسلامية اليوم، قال لهم بحزن وأسى وكأنه يرى ما يقول رأي العين: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها، فعجبوا، فسأل سائل منهم: ومن قلةٍ نحن يومئذٍ؟! قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غُثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال آخر: يا رسول الله وما الوهن؟ قال رسول الله: حب الدنيا وكراهية الموت) (أخرجه أبو داود). ثم حذرهم من أسباب الهزيمة بعد النصر مؤكداً لهم أن كل نجاح ينتهي إلى الإخفاق إذا تنافس أصحابه على المال وتحاسدوا على الجاه، فأعاد مفاتحتهم في ما يخافه عليهم بعد انتصارهم على الفرس والروم، فسألهم ذات مرة: إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ وكان بينهم عبدالرحمن بن عوف وهو من أقرب أصحابه إليه، فأجاب: نقول كما أمرنا الله، فقال له رسول الله: أو غير ذلك تتنافسون ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون ثم تتباغضون، أو نحو ذلك ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض) (رواه مسلم) وأضاف: (لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا) (رواه الطبراني). وسمعوه يستعيذ بالله كثيراً من الطمع في دعائه وهو يقول: (اللهم إني أعوذ بك من نفسٍ لا تشبع) (رواه مسلم)، وضرب لهم مثالاً يحثهم على مقاومة رغبات النفس فقال: (يهرم ابن آدم وتشب اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر) (رواه البخاري). استوعبوا منه هذا الدرس وعمل كثير منهم به، فهذا حكيم بن حزام بن أخي السيدة خديجة بنت خويلد يسأله العطاء ثلاث مرات فيعطيه، فلما سأله الرابعة قال له: يا حكيم إن المال خضرةٌ حلوةٌ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى. فاستوعب حكيم الدرس وفهم الرسالة، وفاق إلى نفسه، وقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا، وبر حكيم بوعده، فرفض استلام نصيبه من الغنائم من خليفتي رسول الله أبي بكر وعمر، فأراد عمر بن الخطاب أن يبرئ ذمته فقال: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، إني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، ولم يستلم حكيم مالاً من أحد بعد رسول الله حتى مات) (رواه البخاري). وحذرهم من الأثرة وحب الذات، ودعاهم إلى الايثار، وأكد لهم أن الإيثار من الإيمان، وأُثر عنه تكراره عليهم: (لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري ومسلم. ووقف أحدهم يوماً وسأله: يا رسول الله أي الصدقة أعظم؟ فقال له: أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل في الغنى، ولا تُمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان) (رواه مسلم) وقال لهم محذراً من زمن قادم: (إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدُّوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم) (رواه البخاري).