بين عام ميلادي يمضى وآخر آت آلام مرحلة وآمال معلقة

اليمن العربي

تشهد بلدان الغرب هذه الأيام احتفالات وكرنفالات، وتزينت المدن بأبهى حللها ابتهاجاً بأعياد الميلاد والعام الجديد، بينما في الشرق تتواصل المآسي، وتتسع دوائر المعاناة، وشهداء يسقطون كالفراشات، في فلسطين وسوريا واليمن والعراق وليبيا، وفي كثير من البلدان الاسلامية تسحق المجاعة شعوبها، ويتعرض كثير منهم للتعذيب وانتهاك حقوقهم وتدمير ونهب أملاكهم، تتحمل شعوب النصف الشرقي من العالم آلام العالم بكله دون غيرهم.

 

هاهو العام 2021 يلملم أوراقه ويتأهب للرحيل، يطوي صفحاته وفي أفقه المرتحل ضباب كثيف، وحلكة تبعث على الفزع، لا أحد من العائشين في هذا الجزء من العالم يعلم ما تخبئه له قادم الأيام، فدخان الحرائق تكتم الأنفاس، وهدير جنازير الدبابات ودوي المدافع يصم الآذان، والدماء تغرق الأرض وماعليها، ولا يزال الدمار يطال كل شئ، حتى رمزياتنا التاريخية والحضارية باتت أهدافاً يجب دكها، لكي لا يبقى منها شي في الوجدان يشحذ الهمم.

 

مع نهاية العام الجديد يتوقف الحلم والأمل بنهاية الآلام، لنستأنف العيش مع الألم المرحل من عام مضى، وأن نبدأ رحلة البحث من جديد عن قبس  لنشعل به فتيل أحلامنا، ليحفزنا على الأمل بواقع أفضل لأوطاننا، بأن تتوقف الحروب ويحل السلام في مدننا وقرانا، ونلملم اشلائنا ونبحث عن ذواتنا من جديد، ونضمد جراحاً لم نكن صنّاعها، انما نحن من يدفع ثمن نزيفها ونتحمل آلامها.

 

ان أكثر مايؤلم هو هذا العجز الذي بلغناه، بعد أن وصلنا مرحلة بأن بتنا مجرد بيادق على رقعة، وبات واقعنا ومصيرنا مجرد لعبة، أوراقها بأيدي قوى لا تهتم الا لمصالحها فقط، وأصبح كل خصم لأمتنا وطامع في مقدراتها، يسابق الزمن لاستثمار هذا المنعطف الحاد في التاريخ، للقضاء على ماتبقى لهذه الأمة من كرامة وحق في العيش، وفي خضم هذا الصراع بين الحق والباطل، تتهاوى الشعارات السياسية الجوفاء عن العدل وحقوق الانسان واحترام القانون الدولي، الى آخر قائمة المسميات الطويلة، التي لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به مواثيقها ومعاهداتها، وعاد العالم الى ألف باء السياسة، التي تتمحور في فلسفتها القديمة، بأن مبدأ القوة هو الحاكم بين الشعوب والأمم.

 

لا شئ جميل في العام 2021 غير انه انتهى فحسب، وكل ما نأمله من العام الميلادي الجديد هو أن لا يشهد حروب جديدة في وطننا العربي، فقد خسرنا الكثير من الكرامة والأنفس والمقدرات في حروب السنوات الماضية، وتاهت مسيرة أمتنا في دروب المجهول، سنحتاج لسنوات طويلة لنستعيد شئ مما فقدناه، ونتمنى أن يكون العام الجديد عاماً للسلام، وأن تضع فيه الحروب في أقطارنا أوزارها، وأن تكف المدافع عن دويها، وتتوقف جنازير الدبابات عن ضجيجها، وأن يكون عام ينهض فيه شعبنا وأمتنا من تحت الأنقاض، ولننفض عن كاهلنا رماد الهزائم وغبار الانكسارات، وأن نصنع من ميزان القوة ارادتنا وميراثنا الحضاري.

 

حتماً اننا سننهض من جديد، وسنعيد الكفة الى التوازن، وحتماً سيخضع المجتمعين الدولي والاقليمي لقانون الحق، وسنجبرهم ذات يوم على اعادة حساباتهم بمنظور أكثر عدلاً وانصافاً، ولكن متى ما أكدنا لهم ان مستقبلهم سيكون آمناً فقط ان كفوا أذاهم عنا، والتزموا طريق الحق تجاه قضايانا، وما يفرضه العدل من سلوك في الشراكة في الحياة والعيش الكريم للجميع.

 

عام ميلادي سعيد نتمناه لشعبنا ولأمتنا ولجميع أمم وشعوب العالم، نتمناه عام سلام ووئام وبناء لكل سكان الكرة الأرضية، وأن يكون عام يلتفت فيه اشقائنا الأقربون في الجزيرة والخليج، الى ماتلزمهم به قوانين واعراف الجيرة والاخوة، وان يدركوا تماماً انهم لا غنى لهم عنا ولا غنى لنا عنهم، وأن لا سلام لأحدنا بينما الآخر يفتقده، فمصيرنا مشترك ان كان خيراً وان كان غير ذلك.