الانتخابات البرلمانية في العراق بين مطالب الانتفاضة والحاجة للاستقرار في المنطقة

اليمن العربي

 لقد جاءت حكومة السيد الكاظمي بعد استقالة الحكومة السابقة نتيجة تصاعد إعداد الشهداء والجرحى والمفقودين جراء تصاعد أعمال الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في الأول من أكتوبر سنة 2019،  والتي من أهدافها إسقاط الحكومة والتسريع بإجراء انتخابات مبكرة بإدارة مفوضية مستقلة من القضاة وقانون انتخابي عادل  والكشف عن قتلة الشهداء ومحاكمتهم وكذلك الكشف عن سراق المال العام ومحاسبتهم  واسترجاع الأموال المنهوبة وتحريك الدورة الاقتصادية للحد من البطالة المفشية بين الشباب وخاصة خريجي الجامعات، وغيرها من المطالب العادلة.

وقد كان لانتشار وباء كورونا في بداية سنة 2020 وتزايد إعداد المصابين، بمثابة طوق النجاة للطبقة الحاكمة، حيث ساهم في خفوت وقع الانتفاضة وتصاعد ضغوطها على القوى المتنفذة، مما أتاح للأخيرة احتوى الوضع العام.

ومع بدأ سنة 2021  كان الشغل الشاغل للعراقيين هو مدى إيفاء الوزارة بتعهداتها بإجراء الانتخابات المبكرة المقرر إجرائها في 6 حزيران، وقد تزايدت هذه المشاغل بعد الإعلان في 16 كانون الثاني 2021 عن تأجيل الموعد إلى  10 تشرين الأول القادم، وباقتراح من المفوضية المستقلة للانتخابات بحجة الحاجة للوقت لاستكمال النواحي الفنية اللوجستية.

وتحت ضغوط الانتفاضة تم اعتماد تشكيل المفوضية المستقلة للانتخابات هذه المرة، من القضاة فقط  ومن خلال ترشيحات عبر مجلس القضاء الأعلى، بعد ان كان اختيارها من خلال الأحزاب الكبيرة في مجلس النواب، وقد أعطى حضور الأمم المتحدة، نوع المصداقية للعملية .

وقد قامت المفوضية باتخاذ العديد من الإجراءات الفنية اللوجستية والقانونية التي تسهل من مهمة الانتخابات ومنها: إصدار التعليمات الخاصة بتسجيل الأحزاب والتحالفات الذي تأجل الوقت المحدد للتسجيل مرتين  بسب عدم جاهزية الأحزاب والتحالفات وضعف التزامها بالتوقيتات الزمنية، وكذلك التعاقد مع بعض الشركات الرصينة لضمان شفافية ونزاهة الانتخابات وبالأخص منها أجهزة التصويت وأوراق الطباعة، التي توفر إمكانية تحديد الفائزين خلال 24 ساعة.

اعتمد مجلس النواب قانون انتخابي جديد وهو نظام الأغلبية بدل النظام النسبي المعتمد في كل الانتخابات السابقة، وقد قسم هذا النظام العراق إلى 83 دائرة وهو عدد النساء في المجلس، الذي يشكل 25% ، ووضع هذا النظام بعض الشروط التعجيزية لمشاركة عراقي الخارج في الانتخابات  مما أدى الى إصدار تعليمات من المفوضية باستبعادهم، بحجة عدم توفر البطاقة البايرومترية وعدم توفر الإمكانيات الفنية لإجرائها بسبب جائحة كورونا.

لقد قامت حكومة الكاظمي ببعض الإجراءات المطمئنة لعوائل ضحايا الانتفاضة باعتبارهم شهداء ومساعدة بعض الجرحى، لكنها لم تحقق شيء يستحق الذكر بخصوص الكشف عن قتلة المنتفضين، وبخصوص محاربة الفساد، تم تشكيل مجلس لمكافحة الفساد، الذي قام باعتقال عدد محدود لبعض المتهمين بالفساد، ولم تتوفر الشفافية للكشف عن شبكات الفساد المنتشرة.

وان من أهم إخفاقات الحكومة هو عدم قدرتها على تأمين بيئة انتخابية أمنة ومستقرة مما أتاح لبعض الفصائل المسلحة في الاستمرار بعمليات الخطف والاغتيال، وكذلك عدم قدرتها بتطبيق قانون الأحزاب على القوى المتنفذة التي لدى قسم منها السلاح والمال السياسي واستخدام موارد الدولة لصالح بقائها في السلطة.

لم يتبق إلا أيام معدودة لإجراء الانتخابات المبكرة، التي تحظى بالدعم من قبل من الأمم المتحدة وإشراف مكتبها في بغداد على الكثير من المجريات وكذلك مساندة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والدول الإقليمية،  وتقاطر العديد من المنظمات المختصة بمراقبة الانتخابات، وقد أصبح نجاح هذه الانتخابات مطلب عالمي لأهمية ذلك في استقرار الوضع في العراق وعموم منطقة الشرق الأوسط.