"العالم الجديد".. أول لعبة إلكترونية من أمازون تسقط في فخ "تبرير الاستعمار"

تكنولوجيا

اليمن العربي

تخطط شركة ”أمازون“ الأمريكية لطرح نفسها بقوة كمطور رئيس في عالم ألعاب الفيديو والألعاب الإلكترونية، لكنها ومع قرب موعد طرح لعبتها الأولى المعروفة باسم ”العالم الجديد“، سقطت في فخ الأخطاء والجدليات التاريخية، وسط اتهامات متصاعدة لها بتبرير ”جرائم المستعمرين“.

 

وعبر مجموعة فريدة وغير تقليدية من محاربي الهياكل العظمية والوحوش الغريبة والقوى السحرية، سيتم طرح لعبة ”العالم الجديد“ عبر الإنترنت (طُرحت منها فقط بعض النماذج التجريبية حتى الآن)، والتي يريد عملاق التجارة الإلكترونية الأمريكي أيضًا غزو عالم الألعاب من خلالها، حيث تدور الأحداث في القارة الخيالية Aeternum، ويقاتل اللاعبون بشجاعة الغزاة ضد المخلوقات الخبيثة أو ضد بعضهم بعضا.

 

وللوهلة الأولى، تقدم لعبة أمازون ”العالم الجديد“ نفسها باعتبارها ملعبًا خياليًا غريبًا لا يبدو أن له أي علاقة بعالمنا. ولكن بنظرة فاحصة، تتكشف إشارات إشكالية للتاريخ الاستعماري لأمريكا الشمالية وجرائمه، التي تحاول أمازون على ما يبدو أن تظل صامتة حيالها.

 

ويحلل المؤرخ فيليكس زيمرمان من جامعة كولونيا، وهو متخصص في البحث في الصور التاريخية في الألعاب الرقمية كجزء من أطروحته للدكتوراه، لمجلة ”دير شبيجل“ الألمانية، تلك العناصر التي تجعل ”العالم الجديد“ أكثر بكثير من مجرد لعبة خيالية.

 

ويقول زيمرمان: ”أولا وقبل كل شيء، تبدو المناظر الطبيعية في اللعبة بالنسبة لي من أمريكا الشمالية. ثانيًا، من الملاحظ أن أسلوب الدروع والأسلحة، على الرغم من العناصر الخيالية، يعتمد على فصول فردية من استعمار أمريكا الشمالية“.

 

مثال في هذا السياق هو الشكل الإعلاني المركزي لـ“العالم الجديد“، الذي تم نقشه في مقدمة عبوة اللعبة: إنه يشبه رجلا يرتدي خوذة الفاتح، في إشارة واضحة إلى المعدات التي استخدمها الإسبان والمستعمرون البرتغاليون في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حين تم الاستيلاء على أجزاء كبيرة من أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية بالقوة.

 

وتضمنت اللعبة إشارات أخرى إلى التاريخ الاستعماري الحقيقي، ففي تسريب حدث أثناء مرحلة مبكرة جدًا من تطوير اللعبة، كانت من المقرر رؤية اسم مدينة ”جيمس تاون“، على خريطة العالم للعبة ”العالم الجديد“، لكن سرعان ما تم تغييرها.

 

و“جيمس تاون“ كان اسم لأول مستوطنة بريطانية في أمريكا الشمالية، تأسست 1607.

 

حتى الأسئلة الشائعة الرسمية للعبة تضع عالم الخيال ضمن جدول زمني مألوف. تقول: ”تبدأ اللعبة باكتشاف عالم جديد غامض يحدد فيه اللاعبون، مع مئات الآخرين، مصيرهم في عالم قاس وخارق للطبيعة من القرن السابع عشر“.

 

وأبدى المؤرخ زيمرمان اندهاشه من العبارة السابقة: ”لدي انطباع بأن اللعبة كانت في الأصل مبنية بشكل أكثر وضوحًا على بيئة أمريكا الشمالية، صحيح أنهم تراجعوا عن أسماء المستعمرات الصريحة بعد التسريب، ومن ثم ابتعدوا عن البيئة التاريخية، لكن العديد من الإشارات إلى التاريخ الحقيقي لا تزال موجودة ”.

 

وحقيقة أن تستند لعبة خيالية مثل ”العالم الجديد“ بشكل واضح إلى عناصر ملموسة من التاريخ الحقيقي ليست أمرًا غريبًا، بل على العكس من ذلك، فالعديد من فرق التطوير التي تخلق عوالم غريبة تسمح لنفسها بالانجذاب إلى المناظر الطبيعية الحقيقية والأساليب المعمارية والأزياء، لخلق نوافذ مضمونة للإلهام.

 

لكن لعبة أمازون ”العالم الجديد“ ترتكب خطأ، إذ لا يوجد سكان أصليون في اللعبة، بالاقتران مع الإشارات الواضحة إلى الاستعمار التاريخي الحقيقي لأمريكا، ويعد هذا قرارًا شديد الحساسية ومثيرًا لإشكاليات لا حصر لها.

 

ويوضح زيمرمان: ”للوهلة الأولى، تبدو هذه الخطوة واضحة للمطور، إذا لم يكن أحد يعيش هناك، فلا يمكن لأحد أن يسرق أو يطرد أو يقتل السكان الأصليين، لكن للوهلة الثانية، فإن هذا التصور يمثل إشكالية لأنه يعزز فكرة جزيرة غير مأهولة تنتظر فقط الاستقرار“، ما يعني ببساطة أن اللعبة تزور التاريخ وتبرر للمستعمر وجرائمه.

 

فعلى مدار عقود طويلة، حاول المرء مرارًا وتكرارًا تبرير التوسع في أمريكا بحجة ”تيرا نوليوس“، أي ”العالم غير المأهول“ ، كما يقول زيمرمان، مضيفًا: ”لقد تم تبرير الجهود الاستعمارية بالادعاء بأنه لم يكن أي شخص يعيش هناك على أي حال وكان المكان غير مأهول“.. ”وهذه هي الحجة التي تستخدمها لعبة العالم الجديد لتجنب الاضطرار إلى أجبار اللاعبين على طرد السكان المدنيين الأصليين تدريجيا من عالم اللعبة“.

 

ويرى المؤرخ الألماني أنه كان من المتوقع اتباع نهج أكثر وعيًا للتعامل مع الشعوب الأصلية كمجموعة ثقافية منفصلة في اللعبة بعيدا عن خطأ تناسيهم المتعمد، ويضيف بقوله: ”يمكن للمرء أن يقدم بدائل: بدلا من قتلهم، مثلا التجارة معهم ومع قراهم أو التفاعل بطريقة أخرى، لكنني أرى أنه من الصعب استبعادهم تماما“.

 

ولن تظهر لعبة ”العالم الجديد“ قبل نهاية شهر سبتمبر، لكن العديد من المؤثرين والعاملين في البث المباشر ولعبة Let’s player قدموا بالفعل نسخة تجريبية من اللعبة لجمهورهم، وقد فعل معظمهم ذلك بموجب اتفاقيات رعاية، أي شركات إعلانية لها شراكة مع أمازون.

 

وعلى الرغم من هذا اللغط المتصاعد حول اللعبة الجديدة، لكن من الواضح أن أمازون تدرك التداعيات والإشكاليات، ومن ثم لا تريد التحدث عنها.

 

وبمزجها بين العناصر التاريخية الحقيقية التي يمكن التعرف عليها والادعاء المتزامن بأنها لعبة خيالية، تحاول أمازون إخراج نفسها من أي مسؤولية، لكن المؤرخ الألماني يؤكد بأن الألعاب تساعد في تشكيل المعرفة – ”وفي حالة ”العالم الجديد“، يتعلم اللاعبون ويكررون دون وعي أو بوعي نفس الحجج التي استخدمت لتبرير استعمار أمريكا الشمالية قبل أكثر من 300 عام“.