حرائق الغابات تقتلع "ربوة السياحة التركية"

عرب وعالم

اليمن العربي

بعد ثلاثة أيام من الحرائق التي تلتهم المزيد من الغابات في جنوب غرب تركيا، حيث يجذب قطاع السياحة التركي قرابة عشرة ملايين سائح سنوياً، فإن مواجهة سياسية بين السُلطة والمعارضة بدأت تتصاعد بشأن هذه الحرائق، حول ترهل القدرات والاستعدادات التي أبدتها مختلف مؤسسات الدولة في تعاملها هذه الواقعة، التي اعتبرها المراقبون الأتراك الأضخم والأكثر تأثيراً تاريخ البلاد.

حرائق الغابات في تركيا كانت قد اندلعت قبل منطقة "مانافحات" القريبة من الشريط الساحلي في ولاية أنطاليا، ومن أربعة نقاط مختلفة. ما لبثت أن انتشرت شرقاً وغرباً، لتغطي أكثر من 150 كيلومتراً من الغابات المُشرفة على الطريق الساحلي الأكثر كثافة في البلاد، من غرب ولاية ميرسين التركية وحتى حدود ولاية أناليا غرباً.  الأمر الذي دفع السلطات التركية لإعلان إغلاق الطريق الساحلي.

صباح يوم الخميس، ومع استمرار حدة الحرائق، أعلنت قوات الأمن التركية إخلاء العديد من التجمعات السكنية في منطقة "بوجساك" الساحلية، كما أعلنت ولاية أضنة إخلاء خمسة قرى من منطقة "كوزان"، إلى جانب العديد من القرى التي أخلاها سُكانها دون تنسيق مع السلطات الحكومية. لكن والي أضنة اشتكى لوسائل الإعلام المحلية جهل المؤسسات المحلية حتى بمدى الحريق المنتشر في كل مكان، مذكراً إن طائرة واحدة بدون طيار مخصصة لتصوير أبحاث وإحداثيات انتشار الحرائق، التي تتغير كل دقيقة حسب وصفه.

 

وزير الصحة التركي فخر الدين خوجة أعلن وقوع 60 ضحية نتيجة الحرائق حتى الآن، أغلبيتهم أصيبوا باختناقات من انتشار السُحب الدخانية الهائلة المنتشرة في سلسلة النُزل والفنادق الساحلية المنشرة في ذلك الشريط. حيث أضافت وسائل الإعلام التركية أن إخلاء المؤسسات السياحية في تلك المنطقة سيعني انتهاء الموسم السياحي في البلاد، وسيُفقد السياح الثقة بالمستوى الخدمي والتأميني الذي توفره السلطات التركية.

أكثر من قنبلة نووية

سياسياً، حملت قوى المعارضة التركية السلطات التركية مسؤولية عدم الاستعداد لمثل هذه الواقعة، التي قال "حزب الخيّر" بأنها تمس "الأمن القومي" في البلاد، أكثر من قنبلة نووية. حيث ذكر نواب الحزب بأن القطاع السياحي الذي يوفر للبلاد أكثر من عشرين مليار دولار في العام، يتأتى أكثر من نصفه من عوائد المصايف الساحلية في تلك المنطقة، لم تستطع حكومة العدالة والتنمية توفير إلا 19 طائرة هليكوبتر، استقدمتها من 10 مقاطعات مجاورة، وأن مجموع العاملين في إطفاء مثل هذا الحريق هم أقل من 500 خبير، في وقت تحتاج فيه إلى جيش من المقاتلين الفاعلين وأكثر الوسائل التقنية تطوراً للتعامل معها.

وكان نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري رأفت زيبيك، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، قد طالب وزير الزراعة والغابات التركي بالاستقالة، مذكراُ بأن مسببات الحرائق الحالية، الناتجة توسع مستويات الجفاف في الغابات التركية، وحيث أن القوى السياسية التركية طالبت طوال العامين الماضيين الحكومة بإيجاد حلول موضوعية للمسألة، إلا أن الوزارة كانت تصر على نكران وجود مثل هذه المشكلة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفيما يشبه الرد على تصاعد انتقادات قوى المعارضة للسلطات الحكومية وتحميلها مسؤولية ما يحدث في إقليم الغابات التركي، وأثناء افتتاحه لحقل غازي في منقطة سكاريا على البحر الأسود، قال "سيتم التحقيق في حريق الغابات في أنطاليا والمناطق المحيطة بها، وبجميع الأبعاد المتوقعة"، الأمر الذي فسره المتابعون على أنه إشارة من الرئيس التركي إلى إمكانية أن تكون هذه الحرائق مفتعلة.

تُعتبر مسألة "أمن الغابات" واحدة من القضايا النادرة التي يُحاكم عليها القانون التركي بأقسى العقوبات، كانت تصل إلى درجة الإعدام في السنوات الماضية، قبل إلغاء حُكم الإعدام. حيث تُعتبر الغابات واحدة من الثروات الوطنية الأكثر فاعلية في الاقتصاد الوطني، والذي عادة ما يتحول إلى مادة للجدال السياسي بين القوى السياسية في البلاد.

الباحث والناشط المدني التركي نجاتي دينيز شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية أدوار السياسة البيئة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية منذ عقدين وحتى الآن، والتي تؤثر على الاستقرار البيئي في تركيا "لأسباب تتعلق بنوعية النخبة والرؤية السياسية لحزب العدالة والتنمية، الذين يتصرفون كأناس يحبذون الحصول السريع على الأموال بأية طريقة كانت. إذ يتم اقتلاع الحدائق العامة من وسط المُدن لتنفيذ مشاريع تجارية لصالح واحد من شركاء زعامة الحزب، مثلما حدث مع حديقة غزي وسط مدينة إسطنبول، واندلعت عنها ثورة شعبية. كذلك يتم اقتلاع الكثير من الغابات والمناطق لأجل مشاريع الصناعية".

ويضيف أنه "لا يتم تخصيص أية أموال كافية لحماية الغابات وتعويض ندرة الأمطار ووضع كاميرات مراقبة على مداخلها، وكل ذلك تتداوله وسائل الإعلام التركية يومياً، لكن الحكومة في صراعات مختلفة تماماً، ومنذ عقدين وحتى الآن".