لن ينجو أحد من لعنة اقتصاد لبنان.. التعليم في خطر شديد

اقتصاد

اليمن العربي

لم ينجو التعليم في لبنان من التدهور، كما جميع القطاعات في البلاد التي تشهد انهيارا اقتصاديا، مع بروز مخاوف جدية على استمراريته.

يعتبر القطاع التعليمي الخاص في لبنان العمود الفقري للتعليم في البلاد، وهو من القطاعات المتقدمة جداً على مستوى الشرق الأوسط وخصوصاً في مراحله الإبتدائية والثانوية، حيث يستحوذ على أكثر من 70 بالمئة من الطلاب اللبنانيين، وتتوزع على المناطق اللبنانية 1600 مؤسسة تربوية خاصة.

 

القطاع الخاص هو الأقوى

وتفيد إحصائية صادرة عن مؤسسة "الدولية للمعلومات" في فبراير/شباط 2019 بأن عدد الطلاب في المدارس الحكومية في لبنان بلغ في العام الدراسي (2018-2019) 328.040 طالب (من بينهم 264.364 طالب)، أي ما يشكل نسبة 30.7 في المائة من إجمالي الطلاب في مرحلة التعليم العام ما قبل الجامعي. ويتوزعون على 1.256 مدرسة.

وبحسب الإحصائية فقد بلغت نسبةُ الطلاب في المدارس الحكومية 42.4 في المائة في عامي 1974 – 1975 (أي قبل الحرب) وهي أعلى نسبة سجلت، وتراجعت إلى 29.5 في المائة في العام 2010 – 2011، وهي أدنى نسبة سجلت، وبلغت النسبة 31 في المائة في العام الدراسي 2018 – 2019.

 وبحسب المركز التربوي للبحوث والإنماء (مؤسسة رسمية) توزّع الطلاب على قطاعات التعليم كالآتي: رسمي: 334 ألفاً و536 تلميذاً بنسبة 31.07%، خاص غير مجاني: 565 ألفاً و593 بنسبة 52.51%، مجاني: 140 ألفاً و312 تلميذاً بنسبة 13.03%، خاص أونروا، تعنى بالطلاب الفلسطينيين) 36 ألفاً و375 تلميذاً 3.37%.

 

أزمة المدارس

الانهيار الاقتصادي الذي حلّ في لبنان منذ نحو السنتين أرخى بظلاله على القطاع الخاص أيضاً، فأضحى الاستمرار بتقديم الجودة ذاتها مهددا، خصوصاً مع انهيار سعر الصرف وفقدان الليرة اللبنانية نحو مئة بالمئة من قيمتها.

وأصبحت المدارس أمام خيارين، إما رفع الأقساط بنسبة عالية، وبالتالي رفع رواتب الأساتذة والعاملين لديها، وهذا ما يجعل عدد كبير من اللبنانيين لا يستطيعون إكمال تعليمهم بهذه المؤسسات، وبالتالي يجعلها تخسر طلابها وسبب وجودها، أو الاستمرار بقبض الأقساط من دون تغيير وأيضاً من دون تغيير في رواتب الأساتذة ما يدفعهم إلى هجرتها، وعدم تمكنها من استقطاب أساتذة جدد بنفس المستوى الأكاديمي للحفاظ على جودة التعليم برواتب منخفضة.

 

صعوبة العودة

 في هذا الإطار أكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، أن هناك صعوبة الآن للعودة إلى المدارس بسبب الأزمة وانقطاع البنزين وتدهور القدرة الشرائية للرواتب، مشدداً على وجوب التنسيق والتعاون بين القطاعين الرسمي والخاص واتحاد المؤسسات التربوية قبل الكارثة وبداية عام دراسي جديد.

وقال: "شهدنا في السنوات الماضية صرفاً تعسفيّاً في بعض المدارس التي لم تحترم معلّميها، والتي تنمّ ممارساتها عن ترهيب"، مشدداً في الوقت نفسه على أن قلّة من المؤسسات احترمت التزاماتها مع أساتذتها وقدّرت وضعهم المعيشي.

 وكشف عبود أن القطاع يشهد هجرة كبيرة جداً، قائلا: "أعداد الاستقالات في المدارس الخاصة تتزايد بشكل كبير.. لا أرقام فعلية بعد.. يمكن القول إن العدد بالمئات".

واعتبر أن المدارس ستدفع الثمن في نقص الطاقات التربوية بسبب موجة الاستقالات والهجرة.

 

مخاوف البنك الدولي

 إلى ذلك، دعا البنك الدولي، في تقرير إلى ضرورة أن يشرَع لبنان على وجه السرعة في تنفيذ أجندة للإصلاح الشامل تعيد تمحور قطاع التعليم حول الطلّاب، وتعطي الأولوية للارتقاء بجودة التعليم للجميع.

وأشار التقرير إلى أن انخفاض مستويات التعلّم وعدم التوافق بين المهارات واحتياجات سوق العمل يعرّض مستقبل الأجيال الصاعدة في لبنان للخطر، وهو ما يكشف عن الحاجة الملحّة إلى زيادة الاستثمارات في القطاع وتحسين توجيهها.

ويُقدِّم التقرير الجديد الصادر بعنوان "التأسيس لمستقبل أفضل: مسار لإصلاح التعليم في لبنان"، عرضاً عاماً للتحديات الرئيسة التي يواجهها قطاع التعليم، حيث يَعرض حلولاً مستمدّة من الأدلة تستند إلى دراسة تشخيصية للعوامل التي تسهم في أزمة التعلّم.

فضلا عن ذلك، يقترح التقرير توصيات لإصلاح السياسات التربوية على الأمد القصير والمتوسط حتى الأمد الطويل.

ويؤكد التقرير أن الأزمات المتفاقمة التي تعصف بلبنان منذ بضعة أعوام -ممثلة في تدفّق اللاجئين السوريين، والأزمة الاقتصادية والمالية، وجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وانفجار مرفأ بيروت- سبّبت ضغوطاً حادة على نظام تربوي متعثّر أصلاً.

وكانت مستويات التعلّم منخفضة نسبياً قبل جائحة كورونا، إذ يبلغ العدد المتوقع لسنوات الدراسة المعدَّلة بحسب مقدار التعلُّم 6.3 سنوات دراسية فقط.

وأدَّت الجائحة العالمية إلى إغلاق المدارس لفترات طويلة إبتداء من مارس/آذار 2020، مما أدى على الأرجح إلى مزيد من التراجع في مستوى التعلّم، حيث يواجه الطلاب في لبنان فعلياً "سنة دراسية ضائعة".

 

إصلاح القطاع

وتعقيباً على هذه الأزمة، قال ساروج كومار جاه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي "من الضرورة أن يعمل لبنان على وجه السرعة لإصلاح قطاع التعليم والتأسيس لمستقبل أفضل.

وأضاف أنه "يجب على لبنان الآن، أكثر من أي وقت مضى، زيادة الاستثمار كمّاً وكيفاً في تحسين النتائج التعليمية للأطفال، والحرص على تزويد الشباب اللبناني بالمهارات التي يتطلبها سوق العمل لتمكينهم من الإسهام في تحقيق التعافي الاقتصادي للبلد."

 ورأى أن الأزمات المتعددة أدت إلى زيادة معدلات الفقر، مما أثر بشكل مباشر على الطلب على خدمات التعليم ومعدلات التسرب المدرسي، حيث بات أكثر من نصف السكان على الأرجح دون خط الفقر الوطني.

وطرح التقرير توصيات للإصلاح على مستوى القطاع في الأمد المتوسط ضمن سبعة محاور إستراتيجية رئيسية.

وتبدأ المحاور بإعادة هيكلة تمويل القطاع، ثم القيام بدراسة تشخيصية لدعم جهود التغلّب على أزمة التعلّم، إضافة إلى تحسين آليات الاستفادة من المعلمين وجودة التدريس.

يثير التقرير جانب البيئة المدرسية وتدابير المساءلة التربوية؛ إلى جانب استراتيجية التعليم وإصلاح المناهج الدراسية، والتعليم في الطفولة المبكرة، ثم الانتقال للعمل.

وتًعالج توصيات العمل التحديات الرئيسة داخل القطاع، وتدعو لاتباع الأساليب الممكنة من أجل معالجة أزمة التعلّم المتفاقمة، وتلبية الطلب المتزايد على التعليم الحكومي في البلاد.

وكان البنك الدولي حذر في تقرير له بداية يونيو/حزيران الحالي من أن الانهيار الاقتصادي في لبنان يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية وربما إحدى أشد ثلاث أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب لأي أفق حل.