مذابح الأرمن.. 3 أسباب وراء قرار الرئيس الأمريكي

عرب وعالم

اليمن العربي

شكل اعتراف الرئيس الأمريكي جو بايدن، بشكل رسمي بأن تصرفات العثمانيين ضد الأرمن في 1915-1918 مثَّلت إبادة جماعية، ضربةً قاصمة لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

 

فأردوغان الذي يحصد ما زرعه خلال حكمه في تركيا، أدت تصرفاته والظروف المتغيرة للعلاقة بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية  إلى حد كبير وإن لم يكن بالكامل إلى تقويض حجج تركيا ضد هذا الاعتراف الذى اعتبره الأرمن انتصارا للإنسانية.

 

وبات جو بايدن، أول رئيس أمريكي يعترف رسميا بمذبحة الأرمن أثناء حكم الإمبراطورية العثمانية على أنها إبادة جماعية.

 

لكن قراره جاء مدفوعا بثلاثة أسباب رئيسية جعلت فريقه الرئاسي في البيت الأبيض مستعدًا لاتخاذ هذه الخطوة في حين أن الإدارات الأمريكية السابقة لم تفعل ذلك، حتى لو كان قادتها قد وعدوا بالقيام بذلك في مسار الحملة الانتخابية، كما فعل بايدن. 

 

وبحسب صحيفة "أحوال" التركية، فإن أول تلك الأسباب كان: ربط أردوغان قيادته لتركيا بصورة الإمبراطورية العثمانية، مستخدمًا إعادة بناء تاريخ الحكم العثماني كمصدر إلهام لآليات حكمه، زاعما أن ذلك سيدخل تركيا إلى المرتبة الأولى بين دول العالم.

 

ورغم الفظائع التر ارتكبها العثمانيون ضد الأرمن حيث قُتل بين مليون و1,5 مليون أرميني بين 1915 و1917 خلال الأيام الأخيرة للسلطنة العثمانية التي اشتبهت في أن الأقلية الأرمينية تتآمر مع روسيا الخصم في الحرب العالمية الأولى، حاول أردوغان الاعتماد على تلك الجريمة كصورة لحكمه بدلا من الاعتراف بأن تلك الفظائع كانت سلوك إبادة جماعي شائن لحكام مستبدين.

 

وتضيف الصحيفة التركية المعارضة: "لكن أردوغان، ربما أكثر من أي رئيس سابق للجمهورية التركية، صور العثمانيين على أنهم منصفون ولائقون وعادلون، ما يجعل أي نأي عن أفعالهم مستحيلًا بالنسبة له".

 

بل حاول تصوير الإبادة الجماعية للأرمن على أنها مأساة غير مقصودة، أو حتى لا تختلف عن الأعمال الوحشية التي ارتكبتها الإمبراطورية الروسية أو غيرها خلال الحرب العالمية الأولى.

 

كما أن أردوغان، مثل العديد من أسلافه، بتلفيقه وتبريراته المزعومة أفسد هذا التاريخ  على الشعب التركي، ما جعل من المستحيل على معظمهم إجراء تقييم صادق للفظائع المنظمة التي ارتكبتها تركيا العثمانية، لكن الأجانب لا ينخدعون.

 

أما السبب الثاني فهو تصرفات أردوغان تجاه القوات الكردية السورية التي عملت مع الولايات المتحدة ضد داعش، وطريقته العدائية تجاه أعضاء حلف "الناتو" وقبرص واليونان فيما يتعلق بالتنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، والاستحواذ على أنظمة دفاع جوي روسية متقدمة، كل ذلك ساهم  في إلغاء أي دعم من مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن.

 

ثالثًا، أن بايدن كشف عن نفسه على أنه النقيض الكبير لترامب، حيث حمى ترامب  أردوغان من العقوبات الأكثر إيلامًا وذات المغزى التي رغب الكونجرس في فرضها على أفعاله التي اعتبروا أنها معادية للغرب أو أسوأ، بحسب الصحيفة التركية.

 

وقالت "أحوال التركية" إنه: "قد يجادل البعض بأن ترامب كان حازماً مع أردوغان، ولكن فقط في حالة القس برونسون أظهر ترامب أي حماسة لمواجهة أردوغان".

 

وتضيف: "لدى أردوغان عدد قليل من الأصدقاء في واشنطن الذين قد يجادلون ضد إعلان أن أحداث عام 1915 شكلت إبادة جماعية ضد الأرمن، سواء من أجل السياسة الخارجية الحصيفة أو الأمن القومي أو المخاوف السياسية الداخلية، لكن فريق بايدن يحاول  إيصال الاحترام للشعب التركي بينما يشجب العديد من أجدادهم باعتبارهم من مرتكبي الإبادة الجماعية".

 

ترحيب لا فرحة

 

رغم أن قرار الإدارة الأمريكية كان بمثابة ضربة قاصمه لتركيا إلا أن الأمريكيون الأرمن رحبوا من دون فرح باعتراف جو بايدن بالإبادة الجماعية، معبرين عن أسفهم لأن الرئيس الأمريكي لم يمارس ضغوطا أكبر على تركيا.

 

وتظاهر نحو 400 من أفراد الجالية في ساحة واشنطن في حي جرينتش فيليدج، السبت، لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن التي تزامنت مع إعلان الرئيس الأمريكي.

 

وقالت إيفيت جيفوركيان التي شاركت في مسيرة في مدينة نيويورك لإحياء ذكرى أعمال القتل في حقبة الحرب العالمية الأولى: "إنها خطوة في منتصف الطريق لأنه (بايدن) لم يذكر تركيا".

 

وأضافت جيفوركيان (51 عاما) التي وصلت إلى الولايات المتحدة من إيران في التاسعة من عمرها، مع ذلك إنه "انتصار لكل هذا الوقت الذي كنا نعمل فيه".

 

من جهته، قال رئيس الكنيسة الأرمنية الرسولية في شرق الولايات المتحدة أنوشافان تانيليان الذي قاد التجمع: "نحن ممتنون لأن حكومة بلادنا قد أسمعت صوتها أخيرا". وأضاف: "علينا أن نتحرك لمنع وقوع مذابح أو إبادة جماعية في المستقبل".

 

ورأى مهير جانيان رئيس اللجنة الوطنية الأرمينية في الولايات المتحدة أنه "من جهة هناك اعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن لكن في الوقت نفسه، تمنحهم المعدات وتدعم جيشهم"، متهما البعض والولايات المتحدة ودولا أخرى اعترفت سابقا بالإبادة، بالقيام بلعبة مزدوجة.

 

لكنه رأى في الوقت نفسها انها مع ذلك "خطوة على طريق المستقبل من أجل تعويضات وعلاقة جيدة مع جيراننا".

 

وفي نيويورك، كانت الجالية تتركز في قلب مانهاتن لكنها توزعت الآن في جميع أنحاء المنطقة لا سيما في حي بايسايد في بروكلين وشمال شرق نيوجيرزي. وما زال أفرادها يجتمعون كل سنة لإحياء ذكرى المجازر.

 

وأرمن نيويورك المولودون في تركيا أو أرمينيا أو إيران أو سوريا أو لبنان أو حتى الولايات المتحدة من خلفيات مختلفة ولكن لديهم تاريخ مشترك يبذلون جهودا للحفاظ عليه.

 

وقد نشأ جميعهم مع ذكرى حوادث 1915 التي نقلها القدامى.

 

تاريخ الإبادة

 

وأباد العثمانيون أكثر من مليون ونصف أرميني، في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين، من حيث دمويتها التي تضاهي مذابح النازيين.

 

وعشية الحرب العالمية الأولى "1914- 1918" بلغت الدولة العثمانية مرحلة الانهيار الوشيك، في وقت سطع فيه نجم شعوب خاضعة لها، بينهم الأرمن، إذ يقول محمد رفعت الإمام في كتابه "القضية الأرمينية والدولة العثمانية" إنهم بلغوا بالقرن 19 درجات متقدمة من الازدهار على جميع الأصعدة، حتى إنه قال متندرا إن العثمانيين كانون يتحدثون باللغة التركية ويفكرون بالأرمينية.

 

بزوغ شمس الأرمن فجر الحقد بنفوس العثمانيين ممن كانوا مسكونين بعقد التفوق العرقي، ولم يتمكنوا من استيعاب حقيقة أن آخر أقلية مسيحية تحت سلطتهم تفوقت عليهم، فقرر وزير الدفاع حينها أنور باشا التعجيل بتنفيذ ما يعرف بـ"المخطط الطوراني"، للإفلات من حرج هزائمه المتكررة.

 

واستغل أنور باشا تحالف الأرمن مع جيش القيصر واتهمهم بالخيانة العظمى، في مسار يشبه إلى حد كبير مخطط السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، الذي اتهمهم بدوره بإثارة الفتنة الطائفية، قبل أن يبدأ بقطف رؤوسهم على مراحل.

 

وبالفعل صدرت أوامر إبادة الأرمن من أجل الاستيلاء على أراضيهم، لتبدأ واحدة من أبشع جرائم التاريخ.

 

وفي فبراير/شباط 1915 جرّد أنور باشا الجنود الأرمن من أسلحتهم ورتبهم العسكرية ثم كلفهم بمهام مد الجسور وبناء الطرقات، وحين انتهوا أمر بقتلهم جميعا.

 

ومن الجيش، مر إلى نخبة الأرمن، ليأمر باعتقالهم قبل أن يوجه إليهم تهما مفبركة تمس بأمن الدولة، وأصدر بحقهم أحكاما بالإعدام، فيما تم تهجير وترحيل عدد كبير منهم إلى صحراء سوريا والعراق، حيث قضوا عطشا.

 

وخلال الجريمة الكبرى قام العثمانيين بسحل الرجال الأرمن وأحرقوهم أحياء واغتصبوا النساء واتخذوا الجميلات منهن سبايا، أما الأطفال فقد كانوا يلقون بهم في الصحراء حتى ينال منهم العطش فيموتون وتطمرهم الكثبان.