سياسات اردوغان الاقتصادية تتسبب برفع عدد المنتحرين في تركيا

عرب وعالم

اليمن العربي

عكس ما يدعيه أئمة المساجد المقربين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن سبب معاناة الأتراك الاقتصادية، هي السياسات الخاطئة لأنقرة، وليس الامتحان الإلهي. هذا ما يخلص إليه الكاتب السياسي المتخصص في الشؤون التركية دايفد ليبيسكا في صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية.

 

في المؤتمر الوطني للحزب الحاكم الذي استضافته أنقرة أخيراً، قال أردوغان أمام مندوبي حزبه إنه يريد من مواطنيه الاستثمار في الذهب والعملات الأجنبية التي خزنوها في منازلهم لإفادة الاقتصاد.

وقبل ذلك بأيام قليلة، أقال أردوغان ثالث حاكم للبنك المركزي التركي في 20 شهراً. وصدم طرد إقبال الذي رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم المرتفع، المحللين والمستثمرين بما أنه نجح في إعادة بناء الثقة.

انتحار اقتصادي؟

استبدل أردوغان إقبال بشهاب كاوجي أوغلو، وهو نائب ومصرفي سابق وكاتب سياسي مقرب من الحكومة. ويقال إن لكاوجي أوغلو النظرة غير المستقيمة نفسها التي يرى بها أردوغان العلاقة بين التضخم وأسعار الفائدة.

وافتتحت الأسواق في 22 مارس (أذار) الجاري بخسارة الليرة التركية 15% من قيمتها مقابل الدولار. ومحت سوق الأسهم التركية الأساسية مكاسبها هذا العام وسجلت أسوأ أداء، على مدى يومين منذ أزمة 2008 المالية.

ووصفت مجلة إيكونوميست إقالة إقبال بكارثة، بينما تساءل الاقتصادي التركي البارز مصطفى سونميز  إذا أقدم أردوغان، على انتحار اقتصادي.

البديل أمام الأتراك

وذكر ليبيسكا أنه منذ أن عصفت بتركيا أزمة نقدية في أواسط 2018، فقدت الليرة التركية نصف قيمتها مقابل الدولار، وأصبح الأتراك مترددين في مشاهدة مدخراتهم تتبخر.

يساوي إجمالي الاستثمارات التركية في الذهب حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لبلومبيرغ في حين أن المدخرات بالدولار واليورو كبيرة أيضاً.

وبرزت سوق العملات المشفرة بديلاً آخر أمام الأتراك، لكن هذه السوق تبقى غير منظمة في تركيا مع غياب قوانين ضريبية أو متطلبات ترخيص للتجار. وأثار ذلك، بعد انخفاض الليرة وارتفاع قيمة بتكوين خمسة أضعاف في الأشهر الأخيرة، اهتمام الأتراك بشكل حاد.

في بداية 2021، بلغ متوسط قيمة العملتين المشفرتين الأساسيتين في تركيا، باريبو، وبي تي سي تورك، أكثر من مليار دولار في التداول اليومي.

المستقبل والحرية

في فبراير(شباط) الماضي، صنفت شركة الأبحاث الألمانية ستاتيستا تركيا في المرتبة الرابعة عالمياً على مستوى ملكية العملات المشفرة، بما يساوي 16% من السكان.

وقال شاب تركي، 30 عاماً يستثمر في العملة المشفرة، إنها تمثل أمرين للشباب التركي، المستقبل والحرية. وسرعت إقالة إقبال هذا الاتجاه. ففي اليوم التالي، ارتفع البحث عن كلمة بتكوين على الإنترنت بأربعة أضعاف في تركيا.

شهدت أسواق العملات المشفرة في البلاد رقماً قياسياً بلغ 6 مليارات دولار في التداولات على مدى 24 ساعة، وقفزت تسجيلات المستخدمين الأتراك في بورصة العملات المشفرة البريطانية "سي إي أكس. آي أو" حوالي 800%.

ومن غير المرجح أن يبدأ البنك المركزي التركي تنظيم الفضاء المشفر قريباً بما أنه منكب على تهدئة توتر الأسواق.

ومن المبكر جداً حسب الكاتب توقع قدرة الاهتمام التركي بالعملات المشفرة على التأثير في الأسواق، لكن يمكن أن يكون ذلك بديلاً جذاباً إذا بقيت الليرة ضعيفة وتعمق اليأس الاقتصادي.

100 انتحار... بين الموسيقيين فقط

في الشهر الماضي، أقدم شاب وزوجته باسطنبول على الانتحار بعدما تركا طفلهما البالغ من العمر عاماً واحداً لدى جيرانهما.

سلط ذلك الضوء على زيادة أعداد الأتراك الذين يتخذون خطوات قاسية بسبب الصعوبات المالية التي يواجهونها.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن اتحاد الموسيقيين والفنانين الأتراك أن أكثر من 100 موسيقي انتحروا منذ بداية الجائحة بعدما فقدوا وظائفهم، ولم يحصلوا إلا على مساعدات رسمية غير مناسبة.

المستقبل قاتم

لا تزال تركيا بعيدة نوعاً ما عن مشاهد الزبائن الذين يتصارعون على الأساسيات داخل محال البقالة كما في لبنان. لكن هذه المشاهد قد تصبح جزءاً من مستقبل تركيا حسب الكاتب. فـ 20% من الأتراك يعيشون تحت خط الفقر. وحوالي 7 من أصل 10 أتراك تحت عبء ديون ثقيلة، وواحد من أصل ثلاثة يواجهون صعوبة في تأمين المأكل أو التدفئة. وهنالك حوالي 40% تحت الثلاثين عاماً، عاطلون عن العمل.

ومع الموجة الثالثة من الجائحة، تتخطى الإصابات اليومية بالفيروس 30 ألفاً في رقم يساوي ذلك الذي شهدته تركيا في ذروة الموجة الثانية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما يعني على الأرجح المزيد من الإغلاقات العامة والمزيد من الأسابيع دون موارد للعديد من الأتراك مع ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الليرة.

ديانت تطالب بطاعة أردوغان

انتقد مراقبون كثر دعوة حزب العدالة والتنمية المئات من أعضائه لحضور مؤتمر داخلي حيث امتنع قسم كبير منهم عن وضع الكمامات.

ومع خسارة شعبيته، سعى الحزب لحشد قاعدته عبر الإضاءة على أفكاره المحافظة، وحسن نيته الإسلامية. يفسر ذلك عند كثيرين قرار أردوغان الأخير بسحب تركيا من معاهدة اسطنبول لمكافحة العنف ضد النساء.

ويرى الإسلاميون أن هذه المعاهدة تتحدى نظرتهم التقليدية إلى العائلة. لقد استخدمت الحكومة مديرية الشؤون الدينية في تركيا ديانيت، لتشجيع الحرمان. تكتب ديانيت خطب الجمعة لحوالي 82 ألف مسجد، حيث كررت هذه الخطب أخيراً الإشادة بالفقر وأهمية الطاعة للسلطة.

أصدرت ديانيت فتاوى تنصح الناس بالامتناع عن شراء حاجيات غير ضرورية والذهاب إلى الأسواق الزراعية في وقت متأخر بعد الظهر لتوفير المال.

وذكرت خطبة أخرى أن "الفقراء هم الأقرب لله". وقال كبير أئمة مسجد آيا صوفيا الأسبوع الماضي إن "الله سيمتحن المؤمنين بالخوف والجوع، مع تدهور حياتهم وممتلكاتهم، لكن الله سيكافئ الصابرين في النهاية".

زلة لسان أردوغان

وحسب ليبيسكا، يتحدث أردوغان بنبرة مختلفة قائلاً، إن الاضطرابات الأخيرة لا تعكس أسس الاقتصاد التركي، مشيراً إلى أن آلاف الأعمال الجديدة، والبنية التحتية الصلبة هي أسباب ازدهار الاقتصاد مستقبلاً.

ولكن في نهاية خطابه في المؤتمر، تحدث أردوغان بشكل غير مقصود عن إخفاقات حكومته، فقال: "كشفت الجائحة بوضوح أن الدول القوية ليست تلك التي تملك الكثير من الأموال بل التي تقدم أفضل خدمة لمواطنيها في أوقات الحاجة".

في أوقات الحاجة الماسة، تتخلص حكومة أردوغان من الضمانات، وهي الثبات في البنك المركزي وقيود كورونا، ومعاهدة اسطنبول، ثم تطلب من المواطنين اليائسين بشكل متزايد أن يقبلوا مصيرهم طائعين.

وختم ليبيسكا مقاله مشيراً إلى أنه "من الواضح أن تركيا ليست قوية بعد بمقدار ما يعتقد قائدها"