اشتداد القمع في تركيا يُنذر بمستقبل أكثر قتامة

عرب وعالم

اليمن العربي

لم يستغرق اختبار "خطة عمل حقوق الإنسان" الضخمة التي وضعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من أسبوعين، وانتهت في سلة المهملات. حيث جاء الإعلان عن الخطة في 2 مارس. و في 17 مارس، أكدت خطوتان كانتا تبدوان منسقتين استمرار تراجع معايير حقوق الإنسان في تركيا.

 

 

جُرّد الدكتور عمر فاروق جَرْجَرلي أوغلو، وهو المشرّع البارز من حزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد والمدافع القوي عن حقوق الإنسان، من مقعده البرلماني وفقد حصانته من الملاحقة القضائية. كانت "جريمته"، التي صادقت عليها محكمة النقض مؤخرا، تكمن في إعادة تغريده للأخبار في 2016 التي تضمنت بيانا لمراد قرايلان، وهو شخصية بارزة في حزب العمال الكردستاني المحظور، حيث كان يدعو حينها إلى محادثات سلام مع الحكومة التركية. وحُكم على جَرْجَرلي أوغلو بالسجن سنتين ونصفا. ووصف هذه الخطوة بالـ"انقلاب"، ورفض قبول القرار، وأعلن أنه لن يغادر مبنى البرلمان حتى تصدر المحكمة الدستورية حكما نهائيا في هذا الشأن. وفصله عدد من زملائه السياسيين عن أعضاء الحزب الحاكم. ومن الجدير بالذكر أنه خلال المشاهد الدرامية التي شهدتها أنقرة، رفض حزبا المعارضة الآخران في تركيا الدفاع عنه جسديا في القاعة الكبرى. وهذا ما يوضح مدى الفوضى والارتباك والضعف الذي تعاني منه كتلة المعارضة المنتخبة في تركيا.

 

وتبع تحركٌ سياسي كبير آخر على الفور تقريبا هذا الحدث الفاضح. حيث رفع المدّعي العام في أنقرة قضية أمام أعلى محكمة في تركيا في سعي لحل حزب الشعوب الديمقراطي، بدعوى أن الحزب يجسّد الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني. وقد تضمنت لائحة الاتهام المكونة من 600 صفحة دعوة لحظر أكثر من 650 سياسيا من حزب الشعوب الديمقراطي من ممارسة الأنشطة السياسية لمدة خمس سنوات وقطع تمويل الدولة عن الحزب.

 

لطالما كُشفت حقيقة حكام تركيا بسبب تناقضاتهم الهائلة التي لا تمكنهم من التوفيق بين ما يقولونه وما نراهم يفعلونه. فقد "قالوا شيئا واستمروا في فعل العكس". وتؤكد تطورات يوم الأربعاء كيف أن أردوغان وشريكه القومي المتطرف دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية، يسعيان جاهدين لتدعيم سلطتهما والنظام الذي بُنيت عليه.

 

ومن المحتمل أن يعمق الثنائي السياسي جهودهما لإبقاء كتلة المعارضة الوسطية هشة ودون ممثلين موالين للأكراد قبل الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية في 2023، مع اتخاذ قرار برفع قضية لحلّ ضد حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يظل ثالث أكبر حزب في البرلمان. ويبدو أنهما قررا حرق كل الجسور مع الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا، وشهدنا نفس الشيء بشكل أكثر دراماتيكية مع الولايات المتحدة. وتكمن الرسالة الضمنية التي تبرز مع تحركاتهما في أن الطريق الذي يقرران سلكه هو الخيار الوحيد اللذان يجعلانه متاحا.

 

ليس هناك شك في أن هذه الأحداث ستلقي بظلال قاتمة على قمة الاتحاد الأوروبي هذا الشهر، مع انقسام الرأي السياسي في بروكسل وستراسبورغ وواشنطن حول كيفية التعامل مع العلاقات المضطربة مع تركيا في عهد أردوغان. إذ نرى المسترضين الذين يفضلون التغاضي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وسيادة القانون المنهارة، وأولئك الذين يدعون لاتخاذ موقف متشدد.

 

ومن الواضح أن حجج مسترضي تركيا أصبحت الآن ضعيفة. ولكن، يبدو أنه لا تزال هناك علامة استفهام كبيرة معلقة حول كيفية تصرف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من هنا فصاعدا. حيث يواجه صانعو القرار مهمة تنسيق تحركاتهم المضادة، من أرضية أخلاقية أسمى، ومع التخلي عن البراغماتية والخطوات التكتيكية الرخيصة. إذ أصبح استرضاء أردوغان آخر شيء يجب أن يدور في أذهان السياسيين الغربيين إذا أرادوا إقناعه بالتصرف بعقلانية. حيث لا يساهم هذا النهج سوى في تمكينه من الاستمرار في متابعة طريقه نحو هدف حكم الرجل الواحد. فهذا هو الدرس الذي يجب تعلمه من التحركات السياسية ضد عمر فاروق جَرْجَرلي أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي، والتي تحدّ من سلطة البرلمان التركي