الوحدة اليمنية من الاندماج وحتى التصدع بحرب 94م

أخبار محلية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قبل قيام الوحدة اليمنية لم تكن هناك تجمعات سياسية أو أحزاب بالقدر الذي انتجتها ما بعد الوحدة لا سيما بعد أن تم تثبيت الدستور على قيام الدولة الموحدة على أساس التعدد السياسي والاحزاب السياسية.


لكن كان هناك في الشمال أشبه بجماعات أكثرها شهرة جماعة الاخوان المسلمين، والذين يمثلون "بحزب الاصلاح" أما في الجنوب فكان لا يوجد سوى حزب واحد وهو الحزب الاشتراكي، القائم على نظام شمولي غير تعددي.


وحين توصل رئيس الجنوب علي سالم البيض ورئيس الشمال علي عبدالله صالح لابرام الوحدة واندماج الشطر الشمالي بالجنوبي كانت بالنسبة للرأي العام مفاجأة ولم يتم عرضها على الرأي العام مما ادى الى تباين في رأي القوى السياسي بهذه الوحدة.


موقف الاحزاب السياسية في اليمن من الوحدة اليمنية 


تركز مشروع الوحدة بين البيض وصالح، حتى الحزب الاشتراكي لم يتم استشارته وفقا لسياسيين، أو الاخذ برأيه تجاه مشروع الوحدة.


ولاقى من بعض قيادات الحزب الاشتراكي اعتراضا على صيغة الوحدة بهذا الشكل المتسارع الذي عكس سلبا فيما بعد على الوحدة وتفاقمت الازمة بين الشطرين لتنتهي الى حرب 94.


وأما موقف الحركة الاسلامية "الاخوان" فقد دخلت قيادات قبيل إعلان الوحدة اليمنية في مواجهة مع الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان وقتها قد تواصل مع نظيره في الشطر الجنوبي علي سالم البيض، واتفقا على إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م.


وشكل اعتراض تلك القيادات على ما أسمته (استعجالا) في تحقيق الوحدة كثيرا من الشكوك التي استغلها خصوم الحركة في أن الإخوان المسلمين رافضون للوحدة.


وفي نهاية 1989م كان القيادي في الحركة عبد الله صعتر أحد القيادات التنظيمية للحركة يحذر من عواقب إعلان الوحدة قبل التحضير لاندماج كامل لمؤسسات الدولتين والاتفاق على تفاصيل كثيرة.


فرض الانتقال المفاجئ على الإخوان المسلمين واقعًا جديدًا فمعظمهم كان يشك في إمكانية قيام الوحدة، بفعل التجارب السلبية لعلاقات الشطرين، وعدم جديتهما في اتفاقيات الوحدة السابقة، والتي كانت إما لتهدئة الحرب، أو لمزايدة طرف ضد الآخر.


وفيما بعد أصبح "الاخوان" أمام خيارات ضيقة، خاصة حساسيتها مع  الحزب الاشتراكي اليمني الذي أصبح حليفا مع الرئيس علي عبد الله صالح الذي انحاز كثيرا إلى جانبه خلال سنوات الفترة الانتقالية التي امتدت بين 1990 و1993م.


وعقب الوحدة أعلن (الإخوان) تأسيس التجمع اليمني للإصلاح بعد أشهر من قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م كموكن سياسي للحركة ودخلوا في سباق وتنافس مع الحزبين الحاكمين آنذاك المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني.


وفي حرب 94م قرر "الإخوان" الانضمام الى جانب الوحدة وحسموا المعركة لصالحها من خلال مشاركة ساعدهم العامل الأيدلوجي في الخصومة التأريخية مع الاشتراكيين.


تغيير الحياة السياسية في كلا الشطرين نتيجة لاقامة الوحدة

  

بعد قيام الوحدة بصيغتها السريعة، دخل الطرفين في واقع جديد "المرحلة الانتقالية" من المماحكات السياسية التي انتجتها التقاسم على الوظائف والوزارات، ولوحظ أن الحزبين رغم إعلاناتهما المتكررة بإتمام توحيد جميع المؤسسات بما في ذلك القوات المسلحة قد ابقيا على الجيش والأجهزة الأمنية والإعلامية مشطرة. 


وقد ساهم في تأجيج الصراع بين الطرفين عدد من العوامل أبرزها، وفقا للباحث السياسي عبدالله الفقية:



أولا- الموقف اليمني من الغزو العراقي للكويت والذي فهم إقليميا ودوليا على انه مساند للعراق حيث أدى ذلك الموقف إلى اتخاذ الدول المجاورة لليمن إجراءات انتقامية كان أبرزها طرد قرابة مليون مغترب من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، وفقدت اليمن حينها مئات الملايين من الدولارات التي كانت تضح على شكل تحويلات للمغتربين أو على شكل قروض ومساعدات. وفي نفس الوقت تحمل اليمن عبء إعالة العائدين. وكانت النتيجة هي انهيار الاقتصاد الوطني وتدهور الأحوال المعيشية للمواطنين بشكل غير مسبوق وحدوث قفزات غير طبيعية في معدلات البطالة والتضخم. كما أن الموقف اليمني قد أوغر صدور بعض الدول المجاورة وغير المجاورة فشرعت بالعمل ضد الوحدة اليمنية.



ثانياً- تقاسم السلطة بين الحزبين بالتساوي برغم الفجوة الموجودة بين عدد السكان في الشمال وعدهم في الجنوب. ففي الوقت الذي لم يكن فيه سكان المحافظات الجنوبية يمثلون سوى حوالي الخمس من سكان الشمال فأنهم نالوا نصف السلطة في حين ترك ل80% من سكان اليمن النصف الآخر.



ثالثاً- ظهور موجة من الاغتيالات والتفجيرات استهدفت أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني وهو ما أدى إلى تعميق الفجوة بين شريكي الوحدة. فالاشتراكيون اتهموا المؤتمر بالوقوف وراء تلك الحوادث.



رابعاً- وقوع أحداث شغب في أواخر عام 1992 في مدن الشمال فقط ودون الجنوب وبالتزامن مع أزمة في العلاقة بين الحزبين وهو ما دفع بالمؤتمر إلى اتهام الاشتراكي بالوقوف خلف تلك الأحداث


خامساً- غياب الاستقرار السياسي بسبب سعي كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي للانفراد بالسلطة وتهميش الآخر.



أسباب حرب 1994 م ونتائجها:


أولا- أسباب موضوعية وهي على النحو التالي:


فالوحدة اليمنية منذ الأيام الأولى لقيامها واجهت مجموعة من العوامل أعاقت تطورها ونموها. هذه العوامل لا تعدو أن تكون افرازات لدوافع الوحدة ، هذه العوامل يمكن إجمالها في العوامل التالية:


1- قيام الوحدة بين القيادات السياسية:  وهذ من أهم العوامل التي أثرت على مسار الوحدة اليمنية، باعتبار أنها تمت بين القيادات السياسية في الشطرين بعيداً عن التفاعلات الشعبية. فالظروف الفكرية والسياسية والنفسية التي قد تهيأت وبعمق لدى الشعب اليمني في الشطرين نتيجة للتوافق الكبير في مقومات الوحدة، ولم يبق سوى توفير الأطر اللازمة للوحدة.



2-عدم الأخذ بالصيغة الفيدرالية عند قيام الوحدة، إذ ان الفيدرالية هي صيغة من صيغ الوحدة، وهي اتحاد ينشأ بين دولتين أو أكثر عن طريق الرضا والقناعة بين أطراف الاتحاد، يؤدي إلى دمج وحدات سياسية مستقلة وتشكيل كيان سياسي جديد، مع الأخذ في الاعتبار التوزيع العادل للقوى بين هذه الوحدات وتحديد العلاقة بين المؤسسات المكونة للاتحاد والمؤسسات الاتحادية الناشئة.



3- عدم الأخذ بالوحدة الاندماجي، إذ أن من العقبات التي واجهت الوحدة اليمنية أنها لم تبحث في شكل وإطار الوحدة قبل إعلانها.  إن متخذي القرار السياسي في الشطرين لم يطرحوا الصيغ المتعددة للوحدة، الكونفدرالية أو الفدرالية، أو التكامل السياسي أو الاقتصادي، وهي أساليب التدرج للوصول إلى الوحدة المطلوبة، ولذلك تبنت القيادات اليمنية اسلوب الاندماج السياسي  بدلاً من التكامل السياسي على الرغم من أن موقف الحزبين الحاكمين من شكل الوحدة كان متبايناً في بداية الأمر.



4- وجود المركزية الشديدة والتي اتسم نظام الحكم في دولة الوحدة بالمركزية الشديدة من ناحية، والاعتماد على أجهزة الأمن من الشطر الشمالي من ناحية أخرى. وقد تجسد ذلك في السلطة التي حصل عليها رئيس الجمهورية. فقد تركزت في يده سلطات واسعة النطاق، مكنته من السيطرة على الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والإدارية. فقد تفرد بالأمر في إدارة شؤون الدولة، الأمر الذي أدى إلى تهميش دور قيادة الشطر الجنوبي، وهي القيادة التي شاركت في صنع الوحدة، بل هي المسؤولة عن أبرز إيجابيات الوحدة.



8- استبعاد القوى السياسية من المشاركة في الحكم تحقيقاً لأهداف القيادتين السياسيتين في الشطرين، فقد استبعدت حكومة الوحدة جميع القوى والفعاليات السياسية الشعبية من المشاركة في الحكم والاقتصار على عناصر من الحزبين الحاكمين.



ثانيا- الأسباب العملية


التدهور الاقتصادي الذي ترتب على طرد ما يقارب المليون يمني من السعودية وعلى قطع المساعدات التي كانت تتدفق على اليمن، إضافة الى سعي بعض الدول إلى تصفية الحسابات مع اليمن بسبب موقف الحكومة اليمنية من الغزو العراقي للكويت.


كذلك الإبقاء على القوات المسلحة وأجهزة الأمن والإعلام مشطرة، والموقف الدولي من الأزمة والذي اتسم باللامبالاة إلى حد كبير، واستهداف قادة الحزب الاشتراكي بحملة من الحوادث الإرهابية، والشلل الذي أصاب مؤسسات الدولة وخصوصا مجلس الرئاسة والحكومة.



أيضا، ضعف القوى الأخرى وعدم قدرتها على أن تشكل عاملا مستقلا في معالجة الأزمة، وبرغم الجهود المحلية والإقليمية لاحتواء الأزمة إلا أن الأزمة تصعدت حتى وصلت إلى مرحلة الحرب الشاملة في مايو 1994.



وعقب إعلان الحزب الاشتراكي استعادة الدولة وفك الارتباط عن الشمال في 21 مايو 1994 إلا أن ذلك الإعلان لم يحظ سوى باعتراف جمهورية أرض الصومال والتي لم يكن أحدا قد اعترف بها أصلا.



وفيما يتعلق بالدول الكبرى فقد كان المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة كان لهم موقف، وإن كانوا قد شجعوا فكرة طرح الموضوع على مجلس الأمن الدولي الإ إنهم لم يحبذوا فكرة الانفصال، وقد رأوا أن الاعتراف بالدولة الانفصالية سيؤدي إلى تطويل الحرب مع ما يمكن أن تجلبه تلك الحرب من مخاطر على الاستقرار في الخليج العربي الذي يعتبر اكبر بحيرة نفطية في العالم.


كما أن الامريكيين كان لهم موقف مسبق من نظام الحزب الاشتراكي وعداوة باعتبار أن الحزب كانت له صله بالاتحاد السوفياتي الذي خاضت امريكا معه حربا باردة طويلة، الأمر الذي رجحت كفة الحرب لصالح نظام الشمال وانتهت بهزيمة الحزب الاشتراكي.