رجل الأعمال سعيد بحمد باصريح ..وأهم منجزاته الخيرية(1920 ـ 1998)

اليمن العربي

يقول الشاعر:

 

ﻓﻤﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣــﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ …. ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ أمواتُ

 لقد غيّب الثرى رجالاً ، سيظلون أحياءٌ بيننا ، فإن مات الجسد ، بقيت آثارهم وصنائعهم شاهدة عليهم ، فصانع المعروف ، كنجوم السماء تتلألأ جمالاً وتألقاً ، ثابتة ثبوت الجبال الراسيات، فهنيئاً لمن ترك أثراً جميلاً في حياة الناس ، وصدقة جارية له بعد موته ، والعار والشنار ؛ لمن ترك في جسد الأمة خنجراً مسموماً ، وفكراً منحرفاً ، تتجرع الأجيال غصته ومرارته.

  هذا الرجل من الشخصيات الحضرمية البارزة، ومن كبار رجال الأعمال بحضرموت في مطلع الثمانينيات، فحاولت جاهداً البحث عن إنجازاته وتدوينها، ليأخذ موقعه الذي يستحقه في التاريخ وبطون الكتب والمجلات، فلم أرَ له ذكرًا حسب اطلاعي، فهو ممن اهتم بالعمل الخيري بحضرموت على وجه الخصوص، يحمل الجنسية السعودية ومقيم فيها، وبين الفينة والأخرى يسافر إلى وطنه حضرموت، لعمل مشاريع خيرية , ويتلمس ما يحتاجه أبناء وطنه. ولقد ذكرنا شيئاً من سيرته العطرة في كتابنا ( رحلة كفاح ونجاح .. سالم أحمد باصريح ) طبع عام 2020م.

المولد والمنشأ:

   ولد بدوعن - حضرموت سنة 1920م, أجبرته الظروف القاسية ببلده للهجرة، مثله مثل أقرانه, للبحث عن لقمة العيش, فالمجاعة التي عصفت بكثير من البلدان إثر الحرب العالمية الأولى والثانية، وتأثرت منها حضرموت على وجه الخصوص, كان لها الأثر البالغ في هجرة الكثير من الحضارم للحبشة وماليزيا والهند وتنزانيا وغيرها. وكانت وجهة معظم الحضارم إلى المملكة العربية السعودية, وكان ممن اختار بلد الحرمين الشريفين ليستقر فيها حتى وفاته, وهو متزوج وله ولدان خالد ومحمد, وأربع بنات, وجميعهم مقيمون بالمملكة العربية السعودية.

   لا يمكن لأي مجتمع أو بلد أن ينهض ويبني مجتمعه، ويشارك في البنية التحتية، وينفض غبار التخلف والجهل، إلا برجال أوفياء ومخلصين لأوطانهم، والشيخ سعيد أحمد عبدالله باصريح، هو أحد هؤلاء الرجال وأحد نجومها البارزين، الذين لهم رصيد مشهود ويد ناصعة البياض في بناء مجتمعهم بكل تفانٍ وإخلاص وحب، فمساهماته الخيرية، لا تحجبها الشمس ولا تُغطى بغربال.

   كانت أرياف هضبة حضرموت الجنوبية تعاني من صعوبات جمة، فالجهل والتخلف يُخيِّم على فلذات أكبادها، والطرق غير معبّدة وصعبة، فهناك مشقة بالغة للوصول لمدينة المكلا أو دوعن؛ إلا بشق الأنفس، فقام الشيخ سعيد أحمد باصريح بتأسيس المشروع الأهلي في ثمانينات القرن المنصرم، لتمهيد الطريق ورفع المشقة عن أهالي هذه المناطق، فمهّد الطريق وشق الهضاب من قرية "الفرضحة" والتي تبعد عن دوعن حوالي 45 كيلومتراً وحتى "عقبة الجحيض" ويطلق عليها أهالي الهضبة بلهجتهم" الجَحَاض" وشق ومهّد عقبة "حسر جَاهر" حتى أصبحت سهلة وميسرة لجميع المواطنين.

 يعد أكبر إنجاز يفخر به أهالي منطقة الدهماء, وكل القرى المحيطة بها هو إنشاء مدرسة لأولادهم على يد رجل الأعمال سعيد أحمد باصريح (رحمه الله) حيث جاء من المملكة العربية السعودية في صيف 82/1983م حاملاً معه هم أبنائه في هذه المناطق الريفية، لينتشلهم من التخلف والجهل، فقام بإنشاء مدرسة للبنين، ولم يأتِ صيف 1983م إلا وقد فتحت المدرسة ذراعيها لاستقبال أول دفعة بتاريخ 22/11/1983م.

وفي عام 95/1996م قام المغفور له سعيد أحمد باصريح, المؤسس الأول للمدرسة، ببناء أربعة فصول وحمامات محاطة بسور خارجي، وذلك لتعليم الفتاة الريفية، وقام أيضاً بوضع حزام على المدرسة من الكثبان الطينية, لتكون حرمًا للمدرسة مستقبلاً للتوسعة، وفعلاً كان ذا نظرة مستقبلية ثاقبة، فعندما تعرّضت المدرسة للتصدعات والشقوق بسبب أمطار عام 2008م، تم حالياً استغلال ذلك الحرم الواسع لبناء مدرسة حديثة، مدعومة من قبل التربية والتعليم بالمكلا، بدأ العمل فيها في فبراير عام 2019م, وتم افتتاحها في بداية عام 2021م من قبل مدير التربية والتعليم الأستاذ جمال سالم عبدون .حيث حضر الافتتاح شخصيات هامة وأعيان وشيوخ المنطقة , وأهديت للأخ جمال أربعة كتب من تأليفي عن عادات وتقاليد الهضبة الجنوبية وشخصيات لها بصمات هامة في مجال التعليم في المنطقة ,وهذه الكتب هي : كتاب المقدم بانهيم , كتاب السراج الوهاج في معرفة العلاج ,كتاب من اعلام حضرموت الشيخ سالم أحمد باصريح , كتاب صوت من الهضبة.

أعماله الخيرية

ـ أنشأ المشروع الأهلي الخيري في أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم , تم بناؤه على مرتفعات الهضبة الجنوبية لحضرموت , وهو مطل على منطقة رحاب بدوعن مباشرة , وكانت أهمية المشروع , تكمن في تمهيد الطريق القبلية للهضبة , وشق وتوسعة ( العقاب) مفردها عقبة ؛ وهي الطريق الصعبة في جبل أو تل مرتفع .

- بنى مدرسة الدهماء للبنين سنة 1983م ، ثم بنى مدرسة بالقرب منها للبنات سنة 95 / 1996م .

 - تعبيد وتمهيد الطريق من قرية "الفرضحة " إلى عقبة " الجحيض " والتي تشرف على منطقة " رحاب - دوعن " مباشرة.

- حفر بئرين في الثمانينيات لمنطقة رحاب ، وتم بنى لهم مسجد " ناجة " .

- بناء ملحق لأربعة فصول دراسية بمدرسة " رأس محل " التابعة لأرياف المكلا .

ـ حفر الكثير من الكرفان وبناء السدود للمناطق الريفية , للشرب وسقي مواشيهم .

ولم يطل به العمر ؛ فقد كان حلمه يعانق نجوم الثريا ؛ أن يكمل طريق دوعن - المكلا ويقوم بسفلتته ، ولكن الأعمار بيد الله , فقد وافته المنية في منطقة " الخُبر " بالمملكة العربية السعودية عام 1998م , عن عمرٍ يناهز الـ (78) عاماً.

  فإن غاب جسده وتوارى في الثرى ، لم يغِب جميل فعله وصنيعه لوطنه ومجتمعه ، من أعمالٍ خيرية , ستظل محفورة في سويداء قلوبهم وحدقات العيون .

رحم الله رجل الأعمال الخيري الشيخ سعيد أحمد عبدالله باصريح ، على ما بذله من مشاريع خيرية خدمة لحضرموت وأبنائها.

  فعذراً لهذه الهامة، وهذا الرمز من رموز الشخصيات الحضرمية، إن تناسيناه في خضم معترك الحياة، ولكن صانع المعروف، يحفر اسمه بجميل أفعاله وأعماله الخيرية، فقد بنى المدارس والمساجد وحفر الآبار، فما ذكرناه في هذه العجالة, يعتبر نقطة في بحر جوده ومعروفه، فهذا فيض من غيض، وما هذه السطور إلا ذكرى في عالم النسيان، أحببنا أن نشير إليها بطرف البنان لشخصية هامة، ورمزاً من رموز حضرموت وهاماتها, للمساهمة برأس ماله في تدشين المشاريع الخيرية؛ التي تعود بالنفع والفائدة لأبناء حضرموت الغالية.

سيظل أمثال هولاء الرجال في قلوب كل محبيه , لأعمالهم الخيرية , نسأل الله أن يتغمدهم بواسع رحمته ’ وعمل الخير باق في الدنيا والآخرة .. وصدق قول الشاعر:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه… لا يذهب العرف بين الله والناس

 

نشر بصحيفة 30 نوفمبر 2021 م  العدد ( 282)