تفاصيل «مجزرة هران» وأدلة تورط ميليشيا الحوثي (تقرير)

تقارير وتحقيقات

مجزرة هران
مجزرة هران

يحيي اليمنيون اليوم 21 مايو ذكرى «مجزرة هران»،عندما وضعت المليشيات «المختطفين» لديها في معسكرات هي أهداف لطائرات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، لتستخدمهم بذلك دروعًا بشرية.

 

تفاصيل المذبحة

 

بعد عام من مجزرة هران، كتب «حسين الصوفي» وهو صحفي من محافظة ذمار مقالا مطولا تحت عنوان «كنت شاهداً على مذبحة هران»، تناول فيه تفاصيل المذبحة الأبشع للمليشيات الإنقلابية التي ارتكبتها في محافظته، والتي راح ضحيتها العشرات بينهم صحفيين اثنين وقيادي إصلاحي بارز.

 

يقول الكاتب في بداية مقاله، ليلة الإثنين الثامن عشر من مايو قبل عام؛ اتصل بي الزميل عبد الله قابل، كان يحتفل بإنجازين مهمين في حياته المهنية، الأول نشر مقابلة أجراها مع الشيخ سلطان العرادة محافظ محافظة مــأرب لصحيفة المدينة السعودية، والثاني قرب حصوله على شهادة البكالوريوس الثانية من كلية الإعلام بجامعة العلوم والتكنولوجيا قسم إذاعة وتلفزيون، بعد نيله بكالوريوس صحافة من ذات الجامعة".

 

ليلتها ضحكنا كثيرا، وأرسل لي رسائل صوتيه بالواتس، كان يضحك بانتعاش كعادته، ضحك بانشراح وكان يرميني بكلماته الدافئة، ثم يسكب سهام العتاب على شكل كلمات طفولية بريئة للغاية، لا زالت التسجيلات تذكرني به كلما أحن إليه، وكل أوقاتي حنين لهما.

 

قبلها بليلتين اتصلت بالزميل يوسف العيزري، تناقشنا حول طموحاته، كان رئيسا لتحرير صحيفة المجتمع الصادرة عن إصلاح ذمار، كان يرتب لزواجه بعد خطوبته بأسابيع، ولم يكن يوسف يطيل الحديث، كان يختم اتصاله "مع السلامة يا حسيني"، كان خجولا وبريئا، وطموحاً وعملياً.

 

صباح الأربعاء خرج يوسف وعبد الله وحسين العيسي ونجيب، واتجهوا نحو مهرجان لقبيلة الحداء، نصرة للشرعية، وحين عادوا اقتادتهم عصابة الحوثي والمخلوع من نقطة الجامعة التابعة لقوات ما يسمى بـ"الحرس الجمهوري" التابعة للمخلوع، عند مدخل مدينة ذمار ثم أودعوهم سجن هران الذي كان الحديقة الوحيدة لأطفال نحو مليون ونصف مواطن في ذمار.

 

وقبل مغيب شمس الخميس الحادي والعشرين من مايو 2015 صمت عبد الله قابل إلى الأبد، وصمت معه يوسف، وعشرات من الضحايا الأبرياء بينهم الشهيد السياسي المسالم الوالد/ أمين الرجوي، صانع الابتسامات وعميد السلام؛ لقد صمتوا بعد صعود أرواحهم إلى السماء، وبقيت ضحكات عبد الله قابل في تسجيلات الواتس وهو يخاطبني كطفل يأبى الرحيل.

 

ها نحن اليوم نطوي عاما كاملا على ارتكاب المليشيا الإرهابية واحدة من أبشع الجرائم على الإطلاق، وهاكم الأدلة من واقع عشته لحظة بلحظة وقد يخرج في عمل قريب إن تيسرت الظروف لذلك.

 

أدلة تورط الحوثيين

 

بعد ارتكاب الحادثة مباشرة نشر الحوثيين في مواقعهم الالكترونية ومن بينها وكالة سبأ المحتلة من قبلهم، أن من يصفونهم بـ"العدوان" ارتكبوا مجزرة وقتلوا 23 شخصا، لكن بعد أن تصاعدت القضية وأخذت تأخذ منحاها الحقيق، كان الحوثيون يسعون لإخفاء كل شيء عن الجريمة البشعة في تاريخ اليمن المذبوح، وحاصروا كل الراصدين والمتابعين والمحققين من الصحافيين والمعنيين بالتوثيق الحقوقي، عجزوا عن حصر عدد الضحايا حتى اللحظة!.

 

دليل آخر لتورط الحوثي

 

ليس هذا الدليل الوحيد على تعمد الحوثيين ارتكاب هذه المجزرة البشعة، بل إن اختيارهم هران، واستقدام أمين الرجوي من إب إليه دليل على نيتهم المبيتة على تنفيذ وصية ونصيحة حسن زيد ومن معه، بوضع المختطفين أهدافا للقصف في مخازن الأسلحة.

 

استغلال دماء الضحايا

 

بل إن نوعية المختطفين تؤكد أن الحوثيين تعمدوا الزج بعشرات الأبرياء في هران من أجل تسويق الجريمة وتوظيفها لصالحهم واستغلال دماء الضحايا وأرواح الأبرياء في تنفيذ مشروعهم القذر بقتل مزيد من اليمنيين وتوسيع الحاضنة الشعبية لهم واستدرار تعاطف المجتمع معهم، وهذا ما كشفته الأرقام المرعبة للضحايا، والذين بلغو عددهم حسب الشهود نحو 73 مختطف كانوا في المباني الثلاثة في حديقة هران ساعة وقوع القصف عن الخامسة من عصر الخميس 21 مايو 2015م.

 

سلسلة جرائم

 

وقعت الكارثة، عند الخامسة ونصف مساءً، لكن الحوثيين لم يسمحوا سوى لسيارة اسعاف واحدة فقط وصلت إلى مكان الحادث واسعفت جريحين، أحدهما الزميل حسين العيسي، وهو الآن مختطف لدى المليشيا مجددا، كأنهم غاضبون عليه لماذا لم يمت، والثاني المعاق عبد الكريم الضبياني وكان في غيبوبة!.

 

أما بقية الضحايا لم يعلم مصيرهم حتى اللحظة سوى 11 شخصا من أصل 73 شخص، استطعنا رصد عشرة نجوا فقط، وأحد عشر من رصدتهم منظمة حقوقية، ويبقى السؤال أين بقية المختطفين والذين يبلغ عددهم أزيد من خمسين شخصا.

 

إرهاب أهالي الضحايا

 

بعد ارتكاب المذبحة، ذهبت الأمهات إلى الحديقة للبحث عن فلذات أكبادهن، لكن المجرمين المتوحشين منعوهن بالقوة، وأطلقوا الرصاص في الهواء وعلى الأرض أيضا، وأرهبوا الأهالي.

 

حديث مروع

 

وقالت أم الشهيد الصحفي «عبد الله قابل» أن الحوثيين قالوا لها في اليوم الثاني أنهم سمعوا صوت إبنها يئن تحت الركام، وأنهم لن يستطيعوا اخراج جثمانه حتى تصل لجنة من صنعاء لاستخراج الآثار أولا، قالت أثاركم أغلى من حياة إبني، قالوا ومن ألف واحد مثله.

 

منعوا أهالي الضحايا من انتشال أبنائهم

 

ذهبت أسرة الشهيد الصحفي يوسف العيزري لانتشال جثة ابنهم فمنعوهم وأطلقوا عليهم الرصاص، وطلبوا منهم عشرة ألف ريال أجرة الشيول، وقبل المغيب طردوهم ومنعوهم من الاستمرار في البحث عن ابنهم.

 

أجبر الحوثيون الأهالي على دفن أبنائهم في أكياس بلاستيكية كما تفعل مع لحم مفروم من احدى مسالخ اللحوم، قالت لي احدى الاسر أنهم ارغموهم على التوقيع على دفن ابنهم، وهم لا يدرون هل هو ابنهم أم لا؟.

 

دفن بالإكراه

 

في قرية "هكر" بمديرية عنس في محافظة ذمار، كانت احدى الأسر تستقبل جثمان ابنها دفنوه بعد ارغام الحوثيين لهم، وهم لا يعلمون من هو، فلا توجد أي ملامح توحي بشخصيته، دفنوه مكرهين وأقاموا مراسم العزاء، وبعد أربعة أيام يأتيهم خبر أن ابنهم مخفيا في سجن الأمن السياسي بذمار، أخرجوه ثم احتفلوا بعودته، وتحول المأتم إلى فرحة.

 

7 أيام تحت الأنقاض

 

لقد ظلت جثث الشهداء تحت الأنقاض نحو سبعة أيام، وبعضهم نحو عشرة أيام، فيما مارسوا الإرهاب على الضحايا وأسرهم بشكل ممتد حتى اليوم لا يزال.

 

لغز قبيح

 

هران أصبحت لغز قبيح، وجريمة بشعة يجب أن تكشف خيوطها كلها دفعة واحدة، وستظل «هران» شاهدهً على واحدة من أبشع المذابح في تاريخ اليمن على الإطلاق، شاهداه على الخذلان المجتمعي والذل الغير مبرر، شاهده على الغباء السياسي الذي لم يفق منه البعض إلا بعد صدمات مزلزلة كهران، شاهده على السذاجة، شاهده على التحول الوحشي لبعض الشخصيات، وستخرج الشهادة قريباً حتى لا تبقى الجرائم مفتوحة والمجرمون طلقاء.