الوحدة اليمنية من حرب 94 وحتى اندلاع "الحراك الجنوبي"

أخبار محلية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في ذكرى تحقيق الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوبي يقدم "اليمن العربي" ملف خاص بهذه الذكرى بعد مرور 26 سنة، وما شهدته من منعطفات وتغيرات جديرة بالتحليل لما حدث وستؤول إليه مستقبلاً.



ظل الاحتفال بعيد الوحدة في 22/مايو/1990م مناسبة يتفاعل معها اليمنيون، في الشمال والجنوب على حد سواء، حتى العام 1994م الذي شهد حربا بين شريكي الوحدة، الحزب الإشتراكي اليمن، والحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي العام، انتصر فيها الثاني.


وبرغم أن أبناء المحافظات الجنوبية وقفوا إلى جانب الطرف الذي أعلن تمسكه بالوحدة، بعد أن أعلن الحزب الاشتراكي اليمني الانفصال، وكان لوقوفهم دور في حسم الحرب لصالح الحزب الحاكم، إلا أن السياسات التي ظهرت في الأعوام التالية أثرت على التجاوب مع هذه المناسبة في الجنوب تدريجا.


كما لعب تحالف حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وحزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن)، في حرب صيف 1994م وفي تقاسم السلطة وإدارة البلد عقب ذلك دورا في تراجع النَفَس الوحدوي في الجنوب، بعد تهميش الحزب الإشتراكي الذي خسر في الحرب القوة التي كأن يأوي إليها.


وبدأت الشعارات التي رفعها تحالف الإصلاح والمؤتمر خلال حرب صرف 94م تتبخر، بفضل سياسة الإقصاء والإبعاد للكوادر الجنوبية، كإجراء وقائي من قبل حكومة يتقاسمها الحزبان.


غير أن تراجع مستوى التفاعل الشعبي مع أعياد الوحدة في الجنوب لم يتبلور إلى مطالب أو إلى حالة رفض شعبية لهذه السياسة خلال الفترة المذكورة.


انتخابات 1997م


وكانت مقاطعة الحزب الاشتراكي اليمني لانتخابات 1997م البرلمانية أول تعبير عن الرفض لسياسة حكومة ما بعد حرب صيف عام 1994م.


وأعلن الحزب الاشتراكي عن مقاطعته لانتخابات 97م بعد اتهامه للحكومة بمضايقته واعتقال عدد من كوادره.


وجاءت انتخابات 97م بعد أن سيطر الحزب الحاكم على موارد الدولة، والتي وظفها لصالح حملته الانتخابية، بالإضافة إلى سيطرته على وسائل الإعلام.


ولأن الحزب الاشتراكي لم يكن يتبنى مطالب انفصالية عام 97م فقد بدأت تتشكل قناعة لدى الجنوبيين بأن الوحدة لم تكن سوى غطاء لرغبة تحالف السلطة في الشمال بالاستيلاء على ثروات الجنوب.


وبعد انتخابات 97م البرلمانية تراجع التفاعل أكثر مع الاحتفالات بعيد الوحدة.


وبالنسبة إلى الجنوبيين، فقد بدت الاحتفالات بهذه المناسبة كما لو أنها تتجاوز مشاعرهم الجديدة تجاه الوحدة، وكما لو أنها تؤكد لهم بأن السير ضد تطلعاتهم لا بد وأن يستمر.


ونتيجة ذلك بدأت أصوات منادية بالانفصال في الظهور، لكنها قوبلت بقمع شديد.


لكن صالح، وبعد أن أقصى الحزب الاشتراكي، بدأ بإقصاء حزب الإصلاح، فلم يشرك في الحكومة أيا من قياداته، وهو ما دفع الحزب إلى إعلان صالح مرشحا له في الانتخابات الرئاسية عام 1990م، بغرض إحراجه، فلم تكن هناك أحزاب معارضة يمكنها أن تتقدم بمرشح رئاسي بعد مقاطعة الحزب الاشتراكي للعملية السياسية منذ انتخابات 97م البرلمانية، بينما ينص الدستور اليمني على ضرورة وجود مرشحين اثنين للانتخابات الرئاسية.


وبعد انتخابات 1990م الرئاسية بدأ شعور الإصلاح برغبة صالح في إقصائه تسيطر على سياسته. وقد عبر عن ذلك بصورة غير مباشرة خلال انتخابات المجالس المحلية عام 2001م، قبل أن يعلن فك ارتباطه رسميا بحزب صالح الحاكم، وقبل أن يدعو أحزاب في الساحة، بينها الحزب الاشتراكي، إلى تشكيل تكتل سياسي معارض تحت اسم "اللقاء المشترك" والذي تشكل عام 2003م وروج الحزب أن الحفاظ على الوحدة، من خلال مناهضة سياسة صالح في الجنوب، من ضمن أهدافه.



انتخابات 2003م


أظهرت انتخابات عام 2003م البرلمانية أن حزب المؤتمر الحاكم وحزب التجمع اليمني للإصلاح لازالا يسيطران على العملية السياسية في اليمن، حيث فاز حزب صالح الحاكم بـ 238 مقعدا، من أصل 301 مقعد، بينما فاز حزب الإصلاح بـ 46 مقعدا، ليتفق الحزبان على الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس حزب الإصلاح، رئيسا للبرلمان.


وعززت انتخابات عام 2003م البرلمانية من شعور أبناء المحافظات الجنوبية بالإقصاء، رغم مشاركة عدد من أبناء تلك المحافظات في الانتخابات، عن حزبي المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح.


ومنذ انتخابات 2003م بدأت الأصوات المطالبة بالانفصال ترتفع رغم تشكل تكتل أحزب اللقاء المشترك المعارض لسياسية صالح في الشمال والجنوب، والذي أعطى القضية الجنوبية اهتماما كبيرا تمثل، عام 2006م، في اختياره للجنوبي فيصل بن شملان مرشحا له في الانتخابات الرئاسية.



عيد الوحدة الـ(15)


منذ تشكل تكتل اللقاء المشترك المعارض عام 2003م، بدأت أحزاب هذا التكتل تحمل حزب صالح مسئولية ظهور أصوات مطالبة بالانفصال، نتيجة لسياسة الإقصاء والتهميش التي اتبعها منذ إعلان الوحدة.


وفيما يبدو أنه رد على هذه التهم اختار حزب صالح محافظة حضرموت لاحتضان الاحتفال بعيد الوحدة الـ(15) عام 2005م.


وركزت وسائل الإعلام المحسوبة على صالح حديثها على الدلالات الوحدوية في اختيار محافظة حضرموت لاحتضان هذا الاحتفال.


ولأن معالجة الأزمة التي بدأت تكبر في الجنوب تحتاج إلى حلول حقيقية وليس إلى شكليات، فقد أخذت دائرة المناهضين للوحدة في الاتساع يوما بعد آخر.



ظهور الحراك


أدى تجاهل السلطة في الشمال لمطالب أبناء الجنوب إلى تفاقم الحركة الاحتجاجية الشعبية المطالبة بفصل جنوب اليمن عن شماله، والعودة إلى ما قبل عام 1990م.


وبلغت الحركة الاحتجاجية ذروتها عام 2007، حيث أعلنت في شهر 7 من العام نفسه عن تشكيل "الحراكي الجنوبي" كحامل سياسي للقضية الجنوبية المطالبة بفك الارتباط.


لكن نظام صالح تعامل مع التصعيد الاحتجاجي بتصعيد العنف، ضد قيادات في الحراك، وضد التحركات الشعبية الجنوبية المناهضة للوحدة.


وبحسب منظمة "هيومن رايس ووتش" فقد زادت هذه الإجراءات من ضيق الجنوبيين وشعورهم بالعزلة، "وألقت البلد في دوامة من الاحتجاجات والعنف".


ولأن نظام صالح كان يعتمد على القوة فقط، في فرض ما يريد فرضه، فقد استمر في اعتقال قيادات الحراك، لتبلغ موجة الاعتقالات ذروتها عام 2008م، حين اعتقلت الأجهزة الأمنية 12 من قادة الحراك الجنوبي.


وخلال الأعوام التي تلت 2007م تراجع التجاوب كثيرا مع الاحتفال بأعياد الوحدة، بل كان الاحتفال بها، بالنسبة إلى أبناء الجنوب، تحديا لمطالبهم.


ثورة 2011م


وحدت ثورة 2011م الشبابية مطالب أبناء الشمال والجنوب، والمتمثلة بضرورة رحيل نظام صالح، حيث شارك أبناء الجنوب فيها بقوة، ما أعطى أملا بإمكانية حل القضية الجنوبية وإعادة المياه إلى مجاريها.


وضاعف من هذا الأمل إعلان الأمين العام للحراك الجنوبي، عبد الله حسن الناخبي، توقف مطلب الانفصال بشكل مؤقت، وإن عارضت ذلك فصائل في الحراك، وأكدت استمرارها في مطلب الانفصال.


وشهد العامان 2012 ـ 2013م تجاوبا نسبيا مع الاحتفال بعيد الوحدة في الجنوب، بعد أن آلت أمور البلد إلى رئيس جنوبي، عبد ربه منصور هادي، لكن سيطرة جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة في الشمال، أواخر العام 2014م، واجتياحه مع حليفه صالح للجنوب مطلع العام 2015م، أجهز على ما تبقى من أمل في بقاء مشروع الوحدة اليمنية، من وجهة نظر كثير من المراقبين.