قلب لندن "النابض" ينزف باتجاه فرانكفورت.. 675 مليار يورو تترقب بريكست

اقتصاد

اليمن العربي

هل تكسب فرانكفورت رهانها وتصبح منافسة لمدينة لندن؟.. سؤال أصبح مطروحا بقوة مع ما تشهده مفاوضات ما بعد بريكست من صعوبات.

 

وقررت لندن وبروكسل، الأحد، تمديد مفاوضاتهما الهادفة للتوصل الى اتفاق تجاري لكن هذه المرة بدون تحديد أي مهلة هذه المرة قبل حصول الطلاق النهائي بين الطرفين في31 ديسمبر/كانون الأول.

 

ومنذ إعلان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عمل الألماني هوبرتوس فات بلا كلل لإقناع مصارف لندن بالانتقال إلى المدينة الواقعة على ضفاف نهر ماين. 

 

يتذكر المدير العام لجمعية "فرانكورت ماين فاينانس" التي تروج للمدينة وصفه بأنه "مجنون" عندما عرض طموحاته. 

 

ومع اقتراب المرحلة الأخيرة من بريكست، أصبح الأمر جديا أكثر من أي وقت مضى. فهذا المركز المالي الألماني في الاتحاد الأوروبي، يجذب غالبية النشاطات المصرفية وهو أمر مرغوب فيه، من لندن قبل باريس وميلان وأمستردام. 

 

على صعيد رأس المال، فإن المبالغ المعلنة هائلة. فوفقا لتقديرات البنك المركزي الألماني، من المفترض أن يترك حوالى 675 مليار يورو مصارف لندن لصالح ألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي. وهذا المبلغ يعادل أكثر من نصف المبلغ الإجمالي للأصول (1,3 تريليون يورو) الذي توقع البنك المركزي الأوروبي في العام 2019 تحويله من بريطانيا العظمى إلى منطقة اليورو. 

 

وأعلنت الشركات المالية العملاقة "مورجان ستانلي" و"جي بي مورجان" و"جولدمان ساكس" نقل أصول إجمالية تزيد على 350 مليار يورو من لندن إلى ألمانيا. كذلك، تم تسجيل أكثر من ستين مصرفا دوليا لدى الهيئة التنظيمية المالية الألمانية "بافين". 

 

وأكد فات لوكالة فرانس برس أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل "فرصة لعكس الاتجاه" بعد "ثلاثين عاما من خسارة الأعمال لصالح لندن". 

 

وفيما يتعلق بتمديد المباحثات، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في بيان مشترك "رغم الإرهاق بعد حوالى عام من المفاوضات، رغم واقع أنه تم تجاوز المهل مرات عدة، نعتقد أن المضي قدماً في هذه المرحلة هو أمر مسؤول".

 

وأضافا "لذلك كلّفنا مفاوضينا مواصلة المباحثات ورؤية ما إذا كان ممكناً التوصل إلى اتفاق في هذه المرحلة المتأخرة". 

 

وكان المسؤولان وعدا الأربعاء خلال عشاء في بروكسل باتخاذ "قرار حازم" حول مواصلة المحادثات أم لا. 

 

وكرر جونسون مرة أخرى أن سيناريو الخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق يبقى "الأكثر ترجيحا". 

 

وقال "سنواصل المحاولة وسنبذل ما في وسعنا وسنكون خلاقين قدر الإمكان". 

 

تحركات في الأفق

 

من هذا المنظور، عمل المروّجون لفرانكفورت بلا كلل منذ العام 2016: "عند السابعة صباحا بعد الاستفتاء، ضغطنا على الزر وبدأت الحملة" على ما قال فات.

 

وبالنسبة إلى الوظائف، لا يبدو النزوح ضخما في هذه المرحلة. واعتمدت المؤسسة في البداية على انتقال ما يصل إلى عشرة آلاف وظيفة مالية. وقدر بنك "هيلابا" الألماني أخيرا عدد الوافدين بنحو 3500 بين عامي 2019 و2022. 

 

ولكن في الأول من يناير/كانون الثاني 2021، ستفقد الشركات المالية التي تتخذ في المملكة المتحدة مقار لها "جواز السفر" الثمين الذي يسمح لها بتقديم الخدمات والمنتجات في كل أنحاء الاتحاد الأوروبي. 

 

ويعتقد مارتن كامبل مدير إدارة المخاطر في مصرف ياباني كبير، أن من شأن هذه الخطوة أن تسرع النزف. وقد غادر بنفسه لندن في العام 2019 للعمل من فرانكفورت. 

 

وأوضح "بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي، لا يزال ممكنا تنفيذ المعاملات من لندن نيابة عن شركة فرعية أوروبية. لكن هذا الأمر لن يكون ممكنا اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني".

 

وأضاف أن المصارف تمتنع أيضا عن إعلان خطوتها لأن "الخطاب حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي شديد الخطورة لدرجة أن لا أي شيء يمكن كسبه من خلال الإعلان عن الأمور". 

 

وتابع "في السر، تقول كل هذه المصارف لزبائنها -نحن موجودون في فرانكفورت ومستعدون لخدمتكم-". 

 

يعتقد كارستن تول الشريك في مجلس الاستشارات "لينكليترز" أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن الشركات العالمية ستتجه نحو فرانكفورت لاستئجار مساحات مكتبية. 

 

نبكي مرتين

 

بالنسبة إلى فرانكفورت، يظهر التغيير أيضا في تطور نوع النشاطات. فقبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شغل المجتمع المالي المحلي، حوالى 65 ألف مصرفي، قطاع المصارف التجارية بشكل أساسي.

 

وبحسب كامبل فإن "فكرة إنشاء مصرف استثماري دولي كبير في فرانكفورت لم تكن موجودة"، لافتا إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد أحدث في العاصمة المالية الألمانية "صناعة الخدمات المصرفية الاستثمارية من الصفر". 

 

وحتى لو لم تكن فرانكفورت تملك طاقة لندن النابضة بالحياة، فإن المدينة التي يبلغ عدد سكانها 700 ألف نسمة تعتمد على أمور أخرى، مثل حجمها المعقول والمناسب للسفر وقربها من الطبيعة. 

 

وقال مارتن كامبل "كنت أحتاج إلى أكثر من ساعة للوصول إلى العمل عندما كنت أعيش في لندن. هنا في فرانكفورت، أعيش في شقة تبعد 20 دقيقة عن مكتبي بالدراجة أو وسائل النقل العام". 

 

وختم فات "عندما يتم إرسالك إلى فرانكفورت، تبكي مرتين، مرة عند وصولك ومرة عند مغادرتك".

 

قلق القطاع المالي البريطاني

 

وينظر القطاع المالي البريطاني بقلق إلى فرضية خروج بدون اتفاق من الاتحاد الأوروبي، التي يترتب عليها خطر خسارته لزبائن ولتأثيره في مجالات أساسية مثل المشتقات، فضلا اضطرابات محتملة في الأسواق.  

 

ويعتقد بنك إنجلترا أن غالبية المخاطر تم احتواؤها مع اقتراب نهاية الفترة الانتقالية، بعد أربع سنوات من الاستعدادات.  

 

لكن المصرف يرى أن خروجاً بدون اتفاق قد يتسبب بـ"تقلبات في الأسواق واضطرابات في الخدمات المالية"، لا سيما بالنسبة للزبائن "المتمركزين داخل الاتحاد الأوروبي".  

 

ويتوقع بنك "مورجان ستانلي" في حال عدم التوصل لاتفاق، تتراجع مؤشر البورصة "فوتسي-250" بين 6 و10%، وتراجع أسهم المصارف المتضررة اصلا من وباء كوفيد-19، بين 10 و20%. 

 

واعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني، سيخسر القطاع المالي البريطاني وحي الأعمال (السيسي) "جواز سفرهما" الأوروبي، أي الآلية التي تسمح للقطاع بأن يبيع، انطلاقا من المملكة المتحدة، منتجاته وخدماته إلى الاتحاد الأوروبي.  

 

ويشعر قطاع الأعمال حاليا بالقلق من التفاوض على نظام تكافؤ يقضي بمطابقة القواعد بهدف ضمان تبادل سلس في بعض الخدمات. وهي أسس على نطاق أضيق بكثير (يحكم عشرات منها مجالات عدة في الخدمات المالية) ويمكن إلغاؤها بسهولة. 

 

وقف الرسوم

 

وافق الاتحاد الأوروبي على التعويض عن العقود الاشتقاقية المالية، لكنه لم يسمح بعد بالتعويض عن تلك المتعلقة بتبادل هذه المنتجات التي تساوي مئات المليارات من الجنيهات في الصفقات اليومية.

 

واتخذت المصارف والمؤسسات المالية اجراءات تقنية لضمان تدفق سلس لتلك الصفقات في حال فشلت المفاوضات الثنائية، وسنت الحكومات من الطرفين قوانين تؤمن استمرارية لعقود التأمين وإدارة الأصول.  

 

وتقول سارة هال من مركز "شانجينغ يوروب" في المملكة المتحدة للدراسات "إذا ما أصبحت العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أسوأ، فقد يتطلب الوصول إلى نظام تكافء وقتا أطول".  

 

وقامت العديد من المؤسسات المالية البريطانية بإنشاء مكاتب لها في الاتحاد الأوروبي، أو بتوسيع فرقها الموجودة هناك أصلاً، من باريس إلى فرانكفورت وأمستردام، لتتمكن من نقل جزء من أنشطتها إلى أوروبا. وبحسب مكتب "إرنست أند يونج"، نقل 7500 شخص إلى الاتحاد الأوروبي وهم جزء صغير من أكثر من 500 ألف شخص يعملون في القطاع المالي في لندن.  

 

وبحسب مكتب "إرنست أند يونج"، نقلت الشركات المالية أيضاً أكثر من 1200 مليار جنيه من الأصول نحو الاتحاد الأوروبي منذ استفتاء بريكست.  

 

وفي حال انفصال لندن بدون اتفاق عن الاتحاد الأوروبي، يمكن للمفوضية الأوروبية أن تعقّد أنشطة تلك الشركات البريطانية عبر طلب رأس مال أكبر أوعدد اكبر من الموظفين، قبل منحها رخصة عمل.  

 

وقد تتعقد أيضاً عمليات نقل البيانات الشخصية لأن المفوضية الأوروبية لم توافق بعد على المعايير البريطانية لحماية البيانات.  

 

أحد خيارين

 

وقد تواجه المصارف وشركات الاستثمار لذلك أحد خيارين، إما الالتزام بالمعايير - خيار سيعقده وباء كوفيد-19 والقيود على تنقل الأشخاص - أو التخلي عن بعض الزبائن وبعض الأنشطة التي أصبحت باهظةً جداً على الأرجح أو تنطوي على مجازفة، حسب سايمن جليسون من مكتب "كليفورد تشانس" للمحاماة.  

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات والمصارف المتضررة أصلاً من الوباء ومن انخفاض معدل الفائدة إلى ما دون الصفر في بعض الحالات، لا تملك "فائضاً كافياً من رأس المال المتوفر".  

 

وقد اتخذ بعضها زمام المبادرة عبر إغلاق حسابات بعض الزبائن البريطانيين المتمركزين في الاتحاد الأوروبي وهو ما يؤثر حالياً على عشرات آلاف الأشخاص وقد يتسارع.  

 

قد يتأثر سوق المشتقات المالية أكثر من غيره. وأشار بنك إنجلترا يوم الجمعة إلى أن "بعض الشركات الأوروبية، وفي ضوء تعليمات بروكسل حول مشتقات السندات، قد لا تكون قادرة على الشروع بمبادلات للمنتجات في المقرات البريطانية، والعكس صحيح".  

 

قد ينشأ عن ذلك وفق بنك إنجلترا، نزوح لأنشطة سمسرة المشتقات نحو "أنظمة أخرى" لاسيما وول ستريت.  

 

ويؤكد البريطانيون أنهم يريدون الحفاظ على مستوى "متين" من المعايير المالية وعدم الدخول في "إغراق تنظيمي" وهي فرضية يخشاها الأوروبيون.  

 

في المقابل، يؤكد جليسون أن "مصدر القلق الأساسي لدى الجانبين هو حصول ضعف في عملية الرقابة المالية"، التي ستصبح أكثر تشتتاً وأقل قدرة على مكافحة عمليات الاحتيال أو الأنشطة الخطيرة في السوق.