طاقة متجددة على جثث السوفيت.. صراع المال والأخلاق في فرنسا

اقتصاد

اليمن العربي

تدرس شركة فرنسية تابعة لمجموعة "نورديكس" الألمانية إقامة مشروعا للطاقة المتجددة على أرض تحتضن جثة 25 ألف سجين سوفيتي.

 

والمشروع الذي يفجر صراعا معتادا بين الرغبة في المكاسب المالية وضرورة الالتزام الأخلاقي تجاه قدسية الموقع، يثير قلق الاتحاد الفرنسي الأوكراني.  

 

والاتحاد الفرنسي الأوكراني مهتم بإعادة تأهيل المنطقة الواقعة في دنتينغ شمال شرق فرنسا، والتي شهدت مقتل أكثر من 25 ألف سجين سوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية على يد القوات المسلحة الموحدة لألمانيا (فيرماخت) قبل 7 عقود.

 

مساحة للذكرى

 

ويقول برونو دوايان رئيس الاتحاد الفرنسي الأوكراني إن هذا موقع للذاكرة "يجب الحفاظ عليه.. يجب تحديد مساحة لا يمكن لأحد التصرف بها".

 

والموقع يقع بالفعل على مقربة من 70 توربينة رياح ناشطة، بينما تسعى الشركة الفرنسية لإقامة 6 توربينات رياح أخرى في المنطقة بحلول 2022، بحسب فرنسوا بير رئيس بلدية دنتينغ.

 

ويستقطب الموقع الذي بقي اسمه مغمورا، خمسة آلاف شخص سنويا تكريما للضحايا الذين سقطوا فيه، وفق الاتحاد.

 

كما شكّل بعد الحرب مأوى لعسكريين بقوا فيه حتى مطلع تسعينات القرن الماضي. ومذاك، بات الموقع مهملا ويتطلب ورشة صيانة عاجلة.

 

ويوضح دوايان "ثمة حاجة إلى المال. وإلا قد تبيع البلدية الموقع وكل شيء سيزول".

 

ويشير دوايان إلى أن إحدى هذه التوربينات قد تطيح برج المياه المقام في وسط المعتقل السابق، داعيا إلى السير بدلا عن ذلك بمشروع قيد الدرس أيضا لإقامة موقع للطاقة الضوئية الحرارية بمساحة 25 هكتارا.

 

المعتقل فرنسوا ميتران

 

ويؤكد الاتحاد الفرنسي الأوكراني لإعادة تأهيل الموقع ضرورة الحفاظ على خصوصية المعتقل السابق المقام على أرض حرجية بمساحة 88 هكتارا.

 

غير أن فرنسوا بير يرى أن إقامة توربينات الرياح من شأنها تحقيق مكاسب مالية كبيرة في المرحلة الراهنة التي تشهد اقتطاعات كبيرة في الميزانية.

 

ويلفت بير إلى أن المشروع سيدرّ 25 ألف يورو سنويا لكل منشأة، لافتا إلى أن "جزءا من الأموال سيصب لحساب الاتحاد الفرنسي الأوكراني للمساعدة في حفظ الموقع". ويشدد على أن "إنجاز مشاريع يتطلب مالا".

 

وبين 1934 و1936، أقيم معسكر بان سان-جان في منطقة ذي طبيعة خلابة، مع أقسام أنيقة معدة لإيواء الكتيبة الـ146 من وحدة حماية الحصون.

 

لكن غداة احتلال قوات ألمانيا النازية فرنسا إثر هزيمة يونيو/ حزيران 1940، بات الجنود الفرنسيون الذين كانوا ينزلون في الموقع أسرى لدى قوات فيرماخت النازية.

 

وبين هؤلاء كان فرنسوا ميتران الذي أصبح في ما بعد رئيسا لفرنسا بين 1981 و1985. وهو أمضى أسبوعا في المكان قبل إرساله إلى منطقة بوليه المجاورة حيث نجح في الفرار بعد شهر والانتقال إلى فرنسا الحرة.

 

وفي هذا الوقت، في يونيو/ حزيران 1941 مع عملية باراباروسا التي غزت خلالها القوات النازية الاتحاد السوفياتي، تغيّرت طبيعة الموقع مجددا ليصبح معتقلا أودع فيه مئات آلاف العمال القسريين السوفياتيين، من عسكريين ومدنيين.

 

وجرى استغلال هؤلاء، وأغلبيتهم من الأوكرانيين، في العمل في المصانع ومناجم الحديد والفحم في المنطقة وأيضا في بعض المزارع.

 

"معتقل أسود"

 

وبعد التحرير، خلصت لجنة فرنسية سوفيتية إلى أن "320 ألف سوفياتي" نزلوا في هذا "المعتقل الأسود" بحسب تسمية المعتقلين.

 

وتحدثت وثيقة أصدرتها اللجنة عن "سوء معاملة وتجويع وأشغال شاقة" وعمليات إعدام تعسفية خارج إطار القانون. كذلك نددت بوجود "نظام تعذيب وإذلال" كان يهدف إلى "تصفية الأشخاص الذين كانوا موجودين" في الموقع.

 

ولا أرقام مؤكدة عن الأشخاص الذين قضوا في الموقع، غير أن التقديرات تشير إلى وجود "3500 جثة داخل مقبرة جماعية" في مدافن بوليه اليهودية السابقة، و"20 ألفا" في بان سان-جان، بحسب اللجنة.

 

كما جرى تحديد مواقع مقابر جماعية في مناطق أخرى بينها ميتز وتيونفيل وأمنيفيل، ما قد يرفع العدد إلى 26 ألف قتيل. لكن "ربما لم يُعثر على كل الجثث"، وفق اللجنة.

 

ويضم الموقع حاليا نصبا تذكاريا باللغات الفرنسية والروسية والأوكرانية يضم رمزيا أسماء ثلاثة معتقلين "إيغور" و"أندري" و"إيوان"، تكريما لذكرى من سقطوا في المكان.