عقد العائلة ينفرط.. أردوغان يغدر بـ"الوريث" من أجل الحزب

اقتصاد

اليمن العربي

استقالة لها معناها ودلالتها القوية، فهي تشير بالدرحة الأولى إلى مدى التدهور الاقتصادي الذي وصلت إليه تركيا والانهيار الذي يضرب الليرة.

 

هذا التعبير ينطبق على الاستقالة التي تقدم بها براءت ألبيرق وزير المالية التركي، وصهر الرئيس رجب طيب أردوغان، وتركه منصبه الحكومي الأحد الماضي.

 

الدلالة لا تكمن فقط في الفشل الاقتصادي للفتى المدلل للنظام التركي، بل تتخطاه لحدود عائلة أردوغان، فهي تشير إلى وجود شروخ وأزمات داخل العائلة.

 

الرئيس التركي كان حائرا بين الإبقاء على زوج ابنته الذي فشل في إنقاذ اقتصاد بلاده، وبين ضغوط حزبه التي أجبرته في النهاية على قبول استقالة براءت ألبيرق.

 

وعاشت تركيا المأزومة اقتصاديا، 7 أيام من الدراما السياسية والعائلية صاخبة الإيقاع والتي بدأت برحيل براءت ألبيرق وزير المالية والاقتصاد التركي القوي، والذي شهد عهده أشهرر المشاكل الاقتصادية المتصاعدة والسقوط الحر لعملة تركيا.

 

ووفقا لفايننشال تايمز، يبدو أن أردوغان أدرك أخيراً، أن الصراع العائلي ستكون خسائره أقل ضررا من انهيار شعبيته غير المسبوق، وأيضا شعبية حزبه الحاكم "العدالة والتنمية"، بعد أن تفاقمت الأزمة الاقتصادية للبلاد، وفشلت سياساته في وقف انهيار الليرة التركية.  

 

ويسود داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم أن أردوغان كان يقوم بإعداد ألبيرق، ليكون وريثه السياسي، لكنه تخلى عنه بعد الانهيار غير المسبوق لشعبيته بسبب الفشل الاقتصادي.

 

كواليس الاستقالة

 

وأكبر مؤشر على الصراع العائلي، هو إشارة ألبيرق السريعة للرئيس التركي، في استقالته العاطفية الأحد الماضي، رغم أنه يدين لأردوغان والد زوجته، بمسيرته السياسية، وأنه جعله ثاني أقوى شخصية في الحكومة التركية .

 

وقال ألبيرق في استقالته العاطفية، التي نشرها عبر منصة أنستقرام الأحد الماضي، إنه يأمل أن يتمكن الآن من قضاء المزيد من الوقت مع "والده ووالدته وزوجته وأولاده"، دون الإشارة لأردوغان.

 

وحسب مصادر مقربة من أردوغان، بدأ الصراع العائلي بينه وبين وصهره في الظهور للعلن، في وقت مبكر من يوم السبت، عندما أعلن إشعار نُشر في الجريدة الرسمية التركية، أن أردوغان أقال محافظ البنك المركزي، وقام بتعيين ناجي إقبال، وهو حليف قديم له ومنتقد لسياسات صهره، وهو الرجل الذي قام بوضع الصورة الاقتصادية الحقيقية أمام أعين أردوغان.

 

وهذا أغضب ألبيرق بشدة، فقام بتصعيد الصراع، عندما نشر إشعار استقالته، والذي فاجأ حتى أقرب مساعديه، ثم قام بحذف حساباته على منصات تويتر وأنستقرام واختفى عن الأنظار.

 

ضغوط متزايدة

 

لم يكن تحرك أردوغان اختياريا، بل كان مجبرا أمام الضغوط المتزايدة في الأسابيع الأخيرة، من داخل حزبه "العدالة والتنمية"، الذي عانى من تدهور شعبيته في استطلاعات الرأي متأثراً بتداعيات جائحة فيروس كورونا، وارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور قيمة الليرة التركية.

 

ويبدو أن أردوغان كان يتجنب إطلاق شرارة الانهيار السياسي والعائلي، رغم إدراكه للحالة الحقيقية لاقتصاد البلاد.

 

مغيب أم معزول

 

ويجد البعض أنه من المستحيل تصديق أن أردوغان، الذي يلتقي بشكل روتيني مع مجموعة كبيرة من الشخصيات التجارية، كان في الحقيقة غير مدرك لمدى سوء الأمور.

 

لكن هناك من يصرون على أن أردوغان عزل نفسه بعيداً عن الواقع نتيجة تهميشه للنقاد على المستوى المحلي وإحاطة نفسه بشديدي الموالاة.

 

وفي كل الأحوال، فإن قلة هم الذين سوف يحزنون على رجل تسبب في استياء على نطاق واسع وصنع أعداء في جميع أنحاء الدولة التركية، حتى إن مسؤولا حكوميا قال: "يشعر معظم الشعب بالارتياح لرؤيته يرحل".

 

ولم يكن ألبيرق، 42 عاماً، مسؤولاً فقط عن إدارة اقتصاد البلاد، فهو أيضا كان مديرًا تنفيذيًا سابقًا في مجال المال والأعمال، وهو متزوج من إسراء ابنة أردوغان، وصاحب نفوذ واسع داخل الحكومة وخارجها.

 

التخلي عن الوريث

 

ولكن يبدو الآن أن الطريق أصبح مسدودا بوجه المستقبل السياسي لألبيرق، حيث قال أحد زملائه مذهولاً: "لا أعتقد أن أحداً كان يمكن أن يتخيل ما حدث.. لا يمكنه (ألبيرق) أبدًا استعادة القوة التي كان يتمتع بها".

 

وأصر ألبيرق على مدى أشهر مضت على أن تركيا تتفوق على الاقتصادات المنافسة، وأنها في خضم تحول اقتصادي كبير.

 

وبحسب تقارير إعلامية تركية، كرر البيرق تلك العبارات عندما التقى نواب الحزب الحاكم الأسبوع الماضي.

 

كما أكد البيرق أن العملة التركية، التي فقدت حوالي ثلث قيمتها مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية العام، ليست المعيار الوحيد الذي يجب استخدامه للحكم على قوة الاقتصاد.

 

وبحساب بسيط يتضح أنه بمجرد طرح الأموال المقترضة والالتزامات الأخرى، تصبح احتياطيات العملات الأجنبية في منطقة سلبية للغاية، والتي تشير بعض التقديرات إلى عجز بقيمة 50 مليار دولار في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي.

 

ويرجع الفضل في العجز الهائل إلى حد كبير إلى التدخل الفاشل من جانب ألبيرق في إدارة أزمة العملة، والذي كلف البلاد ما يقدر بنحو 140 مليار دولار على مدى العامين الماضيين.

 

أردوغان فقد الثقة بصهره

 

وقال مسؤول كبير في حزب العدالة والتنمية: كان يتم "عادة إطلاع الرئيس على مجريات الأمور من خلال صهره.. لقد كان مشغولا للغاية بحيث لم يكن متاحاً له فرصة الحصول على معلومات من مصادر أخرى".

 

وقال مسؤول آخر على صلة وثيقة بالحزب الحاكم: "إنه أمر لا يصدق ولكنه معقول".

 

وتواكب مع رحيل ألبيرق تحول جذري في الخطاب، حيث وعد أردوغان، الأربعاء الماضي، باستعادة "ثقة" المستثمرين، فيما يخطط وزير المالية ومحافظ البنك المركزي لجولة ترويجية مع المستثمرين الدوليين لجذب رؤوس الأموال الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها.

 

ويرى الخبراء،  أن تركيا تواجه العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية العميقة، التي لن يتم حلها ببساطة من خلال تعيينات جديدة واستخدام لغة أكثر ملاءمة للسوق، حيث سيظل أردوغان، الذي يؤمن بآراء غير تقليدية للغاية بشأن الاقتصاد، أقوى رجل في الحكومة التركية.

 

ولكن إذا لبى البنك المركزي توقعات السوق من خلال الإعلان عن زيادة كبيرة في أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، فربما يساعد ذلك في جذب موجة الأموال الأجنبية اللازمة لسحب تركيا من حافة الهاوية.