كيف يستغلّ أردوغان الإسلام السياسي من سوريا إلى فرنسا عبر فيينا ؟

عرب وعالم

اليمن العربي

رأى الكاتب الفرنسي الكسندر ديل فالي أن القاسم المشترك بين حملة المقاطعة ضدّ فرنسا التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لصحيفة "شارلي إيبدو"، وما تلاها من هجمات في نيس وفيينا، هو "الجهادية" التي تستخدمها تركيا بشكل مباشر في سوريا وليبيا وناغورنو قره باغ، وبشكل غير مباشر في أوروبا من خلال إثارة المسلمين ضد "الإسلاموفوبيا" الغربية.

 

وبحسب موقع 24 الإخباري، من الواضح أن الآثار المترتّبة على حملة أردوغان لشيطنة "الكفار الأوروبيين" ستظلّ ملموسة لفترة طويلة، إذ أنه نجح إلى حد بعيد في تثبيت أطروحاته كخليفة لـ"الإخوان المسلمين" والجهاديين .

 

وأضاف ديل فالي، في مقال في مجلة "فالور أكتويل" الفرنسية، أنه لم يعد هناك أي شكّ في أن الحملة العالمية الواسعة للمقاطعة والإحتجاجات المناهضة لفرنسا، والتصعيد اللفظي وحتى التهديدات والدعوات بالقتل ضد الفرنسيين، قد أشعلتها تركيا برئاسة أردوغان. لكن السؤال هو: ما الذي يرمي إليه أردوغان؟ ولماذا يجرؤ على تأجيج نار "صدام الحضارات" بين الإسلام والغرب، عبر استثمار استراتيجية "جنون العظمة"، واستغلال أسوأ القوى الجهادية التي تُقدّم الغرب باستمرار على أنه "عدو المسلمين"، لتبرير هجماتها البربرية؟

 

الهجمات التي وقعت في الأسابيع والساعات الأخيرة في فرنسا والنمسا كانت بالتأكيد بتحريض من الحركتين الإرهابيتين الرئيسيتين "القاعدة" وتنظيم "داعش" الذي تبنّى عملية فيينا، لكنها حدثت بعد حملة انطلقت في جميع أنحاء العالم تحمل دعوات لكراهية فرنسا والتعّصب المُناهض للغرب أطلقها أردوغان من تركيا.

 

اردوغان غاضب من فرنسا والنمسا، لأنهما الدولتان الوحيدتان في أوروبا الغربية اللتان أشارتا في السنوات الأخيرة إلى خطر الشبكات القومية المُتطرّفة "الذئاب الرمادية" و"الإسلاميين المُتطرّفين الأتراك". ولا يُمكن إنكار الصلة بين الإستراتيجية العثمانية الجديدة، المتمثّلة في استغلال الجالية التركية الإسلامية في أوروبا، ومناخ "جنون الارتياب" في هذه المجتمعات، الأمر الذي يمنع الجهاديين من الشعور بالذنب.

 

لذا، فإن مسؤولية أردوغان واضحة، وهو يعوِّل بالتحديد على قدرته على إزعاج الأوروبيين، الذين يعتبرهم "ضعفاء وجبناء ومنقسمين ويعيشون في قارة عجوز تُعاني الأزمات"، بتأكيده أن الإسلام سينتصر عاجلاً أم آجلاً عن طريق التبشير وعلاقات القوة والديموغرافيا.

 

حملة التخويف العالمية الإسلامية التي أطلقها ضد فرنسا أردوغان الذي اعتبره الداعية المُفضّل لـ"الإخوان المسلمين" يوسف القرضاوي "خليفة جديداً" للمسلمين، لم تخدع أحداً، لكنها أرهبت دولاً أوروبية أخرى دعت إلى التهدئة، وفي مقدمها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي عارضت فرض العقوبات الأوروبية على أنقرة، الأمر الذي يُعتبر انتصاراً في حد ذاته لأردوغان الذي بقي بلا عقاب، بل وتُواصل بلاده الإستفادة من المساعدات المالية الأوروبية، على الرغم من أنه يقوم بتهديد ثلاث دولٍ منها!

 

بالإضافة إلى الروابط المُثبتة بين تركيا وثلاث مجموعات إرهابية كبرى هي: "حماس"، و"القاعدة"، و"داعش"، فإن دعاية أردوغان ضد فرنسا وأوروبا تتّسم بجنون العظمة. لقد أقنع البعض أن هناك "خطة سرية" تُنفّذها فرنسا ودول أخرى، من أجل "تدمير تركيا" و"تحويل الدول الإسلامية الى المسيحية". ومن الواضح أن تلك الدعاية غذَّت وشرّعت دعوات الجهاديين لضرب أهداف "الكفار الفرنسيين". كما يُسهم خطاب أردوغان في زيادة خطر الإرهاب في أوروبا.

 

يُشكِّل تعصّب المُسلمين الأتراك في أوروبا عقبة حقيقية بين تركيا، التي تُعزّز مبدأ الإنفصالية الإسلامية بالتعاون مع جماعة "الإخوان المسلمين"، والدول الأوروبية الأكثر اهتماماً بضمان استدامتها واندماج الوافدين الجدد (فرنسا والنمسا على وجه الخصوص).

 

وفي فرنسا، تُريد الأغلبية الداعمة لماكرون المضي بمشروعها المتعلّق بـ "الإنفصالية الإسلامية"، وهي تستهدف بالتالي دوائر الإسلام التركي والشبكات الإسلامية الأردوغانية (المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية والحركات القومية المتطرفة).، الأمر الذي يُعتبر مشكلة حقيقية لـ"حزب العدالة والتنمية" في أنقرة، والذي يعتمد بشكل كبير على الناخبين الأتراك في الخارج، لأن خسارة تلك المجموعات تعني خسارة نشطاء وناخبين وقدرة على التنظيم.

 

وتنطوي دعوة أنقرة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، وتصريحات "السلطان الجديد" أردوغان الفاضحة ومقارنته معاملة المسلمين في فرنسا بمعاملة "يهود أوروبا في الثلاثينيات"، على الكثير من الاتهامات الباطلة، والهدف منها شيطنة فرنسا وتعريضها للخطر في العالم الإسلامي. لكن الهدف الأبعد هو محاولة ثني باريس عن الإستمرار في سياستها الرامية إلى إعادة دمج المسلمين الأتراك في فرنسا، ومنع البلدان الأوروبية من معارضة تدخّل أنقرة في قضايا الجالية التركية الإسلامية، والتوسّع العثماني الجديد في البلقان وشرق البحر المتوسط 

 

وخلص ديل فالي إلى أن الإحتجاجات ودعوات المقاطعة لفرنسا ستهدأ في نهاية المطاف، كما سبق وحصل خلال الحملات العالمية لمقاطعة الدنمارك (2004)، لكن من الواضح أن الآثار المترتّبة على حملة أردوغان لشيطنة "الكفار الأوروبيين" ستظلّ ملموسة لفترة طويلة، إذ أنه نجح إلى حد بعيد في تثبيت أطروحاته كخليفة لـ"الإخوان المسلمين" والجهاديين داخل الرأي العام العربي الإسلامي.