تركيا تهدد الديمقراطية حول العالم

عرب وعالم

اليمن العربي

يقول الكاتب البريطاني، ألدوس هكسلي، إن "أهم درس يمكن أن نستفيد منه في التاريخ هو أن البشر لا يستفيدون كثيراً من دروس التاريخ".

 

بهذه الكلمات يفتتح الفائز بجائزة بوليتزر المرموقة ميكو كاكوتاني مقالته بصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية، لافتاً إلى أن الكاتب البريطاني ربما كان يتحدث عن الديمقراطية الليبرالية التي كانت في انطلاقة واعدة بعد سقوط جدار برلين في 1989 التي لا بد أن تنتصر وتنتشر، أو ربما كما يعتبر فرانسيس فوكوياما في عبارة شهيرة له أن التاريخ انتهى وأن الطبيعة البشرية تغيرت.

 

وبالفعل، التاريخ تغيّر، وعاد منتقماً. إذ سلط تقرير صادر عن مؤسسة "فريدوم هاوس" هذا العام، أن الحريات المدنية والحريات السياسية قد تراجعت للعام الرابع عشر على التوالي في جميع أنحاء العالم، وانعكس هذا الانزلاق مع تراجع الحريات الديمقراطية في دول مثل تركيا.

 

ورأى الكاتب أن هناك العديد من الكتب عبر التاريخ التي تناولت التطورات المقلقة في عدد من الدول، من بينها تركيا التي يتم تقويض الديمقراطية فيها بسرعة كبيرة. وهذه الكتب ترسم لوحة تاريخية للأنظمة الديكتاتورية الوحشية للقرن العشرين، والكتب التي صدرت مؤخراً حول الاعتداءات على الديمقراطية تثبت أن هناك أشبه بكتاب للقواعد يستخدمه المستبدون.

 

القليل من الديمقراطيات هذه الأيام تُقتل على يد الانقلابات، الديمقراطيات تموت عندما يتم انتخاب حاكم مستبد ويخرب الديمقراطية من الداخل.

 

الوصفات التي يستخدمونها هؤلاء الحكام هي تلك التي تم اختبارها على مدار الوقت والتي تتضمن مكونات متشابهة في مجموعات مختلفة: تخريب أو إعادة كتابة الدساتير من أجل ضبط الضوابط والتوازنات على السلطة التنفيذية، تهميش الهيئات التشريعية مع الادعاء بأنها "صوت الشعب"، تعبئة المحاكم والهيئات الحكومية بالموالين أثناء "تطهير" الخبراء وموظفي الخدمة المدنية، نزع شرعية المعارضين السياسيين والعمليات الانتخابية، مهاجمة الصحافة الحرة أو فرض الرقابة عليها، التسامح أو تشجيع العنف من جانب المؤيدين، التهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضد الخصوم السياسيين.

 

لا يقتصر الأمر بالتلاعب بالتشكيلات الحكومية فقط، فقط يمر الموضوع على تأجيج ديناميكية "نحن مقابل هم"، واللعب على "الخوف من الاختلاف"، أو حتى استحضار الحنين إلى الماضي الأسطوري، وهو شعور يتجلى في جنون الارتياب، ونداءات عاطفية لأفراد الطبقة الوسطى المتضررين.

 

في تركيا، جمع الرئيس رجب طيب أردوغان سلطات تنفيذية كاسحة تحت إمرته الأمر الذي وسع من سلطته إلى حد كبير على البرلمان والمحاكم، ومنحته بالتالي القدرة على تعيين مجموعة من كبار المسؤولين من دون أي إشراف يذكر.

 

وأردوغان، الذي اشتكى لفترة طويلة من "الدولة العميقة"، طرد وأوقف عن العمل أكثر من 130 ألف موظف حكومي بعد الانقلاب الفاشل في 2016. وتم اعتقال أو سجن أكثر من 80 ألف مواطن، وتم التحقيق مع عشرات الآلاف بتهمة إهانة الرئيس، تهمة قد تصل عقوباتها إلى أربع سنوات. في غضون ذلك، أدار أردوغان الاقتصاد التركي مثل شبكة محسوبيات خاصة به أدت إلى إثراء الحلفاء والمقربين منه.

 

في العديد من البلدان التي تنزلق نحو الاستبداد، قامت الحكومات بقمع الصحافة الحرة بينما شجعت وسائل الإعلام الصديقة على نشر الدعاية والهجمات على المعارضين. في تركيا، أغلقت حكومة أردوغان أكثر من 100 وسيلة إخبارية وسجنت عشرات الصحفيين منذ محاولة الانقلاب عام 2016.

 

لم تكتف منصات التواصل الاجتماعي بتضخيم الانقسامات السياسية والاستقطاب، بل تم تسليحها من قبل هذه الأنظمة لزرع الانقسام. ما يعني أن الغضب بات يفسح الطريق لإرهاق الغضب، مما يفسح بدوره المجال لنوع من السخرية التي تجعل الناس يتخلون عن العملية السياسية، والتي بدورها تساعد الديكتاتور على الاحتفاظ بالسلطة.