خبراء عرب يؤكدون أن مصير وهم أردوغان الأمبراطوري هو الإنكسار

عرب وعالم

اليمن العربي

علق خبراء عرب على المواقف والتحركات التركية الأخيرة، وآخرها "تباهي" الرئيس رجب طيب أردوغان في تصريحات حديثة له، أن بلاده "تقف بجوار المقهورين في كل مكان من سوريا إلى ليبيا ومن شرق المتوسط إلى القوقاز".

 

ورأى الخبراء وفقا لـ"العين الإخبارية" أن تركيا-أردوغان تعيش في وهم الماضي أكثر من الحقائق على أرض الواقع، حيث تحاول أن تصعد كلاعب دولي كبير تحت زعم أنها وريثة الإمبراطورية العثمانية.

 

وأشاروا إلى أن التمدد الأردوغاني يرجع إلى ما وصفوه بـ"حالة التغاضي والتلاهي الأمريكي، وغياب الردع الدولي" حتى الآن.

 

لكن هؤلاء الخبراء رجحوا في الوقت ذاته بأن مشروع أردوغان الإمبراطوري الواهم سيمنى بهزيمة بالغة ولن يكتب له النجاح، خاصة في ظل المساعي الحالية لبلورة موقف دولي موحد ضد أنقرة، ودور أوروبي حازم وحاسم يتصاعد ضدها.

 

وتباهى الرئيس التركي بـ"تصدير الإرهابيين" إلى دول عدة، مقرا بتدخل بلاده العسكري في الشؤون الداخلية للدول، حين صرح اليوم السبت: "نكافح ليلا ونهارا حتى تتبوأ بلادنا المكان الذي تستحقه في النظام العالمي. ونقف بجوار المقهورين في كل مكان من سوريا إلى ليبيا ومن شرق المتوسط إلى القوقاز".

 

وتقدم أنقرة الدعم لأذربيجان في القتال العنيف المستمر منذ أسبوع مع القوات الأرمينية في إقليم ناغورني قره باغ بمنطقة القوقاز.

 

كما لوح أردوغان بتنفيذ عملية عسكرية جديدة في سوريا، وقال إن بلاده ستذهب لتطهير أوكار الإرهاب بسوريا إن لم يتم الوفاء بالوعود المقدمة لهم.

 

وفي تعقيبه، قال الخبير الاستراتيجي اللبناني والعميد المتقاعد ريشار داغر، نحن أمام حقيقة واضحة، أن الرئيس التركي أردوغان يعيش تحت وطأة هاجس وهمي عنوانه العودة إلى زمن الإمبراطورية العثمانية، وممارسة الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط بكل ما فيها من ثروات وموارد للطاقة، إضافة إلى محاولة تشييد زعامة إسلامية تركية عالمية تسعى لقيادة العالم الإسلامي والكلمة الفصل فى جميع النزاعات الإقليمية.

 

وأردف: جميع ممارسات نظام أردوغان سواء من القمع وتقييد الحريات، أو تشديد القيود على حرية التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي، وصولا لإثارة الحروب والنزاعات عبر التدخلات العسكرية في الخارج من خلال سياسات تصادمية، سواء مع اليونان وقبرص أو في الداخل الليبي أو مؤخرا في منطقة القوقاز، كل هذه الممارسات تقع تحت عنوان واحد، وهو الميل الشديد للعودة لزمن الإمبراطورية العثمانية بكل ما تعنيه العودة.

 

داغر شدد أيضا على أن سياسات أردوغان في هذا المجال تشكل تحولا جذريا في السياسات التي اعتمدها جميع القادة والسياسيين الذين حكموا تركيا منذ عام 1923 وحتي اليوم، والتي كانت سياساتهم ترتكز على الابتعاد عن كل ما يذكر الإمبراطورية العثمانية وتحولت معهم البلاد إلى دولة علمانية ذات توجهات غربية عصرية.

 

ونوه الخبير الاستراتيجي اللبناني إلى أن تركيا استطاعت في وقت سابق أن تمارس أدوارا هامة، خاصة عندما كانت تتماشي مع التوجهات الغربية، لا سيما أنها عضو فاعل في حلف شمال الأطلسي، وكانت نقطة ارتكاز أساسية في الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي.

 

واستدرك: "لكن اليوم تغير كل ذلك وأصبحنا نرى أنقرة تنفصل عن مسارها الذى تأسس بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، لتأخذ منحى مختلفا تتواجه فيه مع العالم والقوى الكبرى، وتعمل على زعزعة الاستقرار كما نرى فى ليبيا، ومناطق الغاز".

 

وذكر موقع "غريك سيتي تايمز" مؤخرا أن "ميتين غلونك"، النائب عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، نشر تغريدات تدعو إلى "تركيا الكبرى" تمتد من جبال كردستان وشمالي سوريا إلى ليبيا، مرورا بتونس التي تشكل بوابة أوروبا بالضفة الجنوبية للمتوسط، مع إسناد توفره الدوحة التي تتخذها أنقرة قاعدة بوجه دول الخليج، وأخرى في الصومال على مقربة من باب المندب بالبحر الأحمر، كما يشمل المشروع التوسعي أيضا اليونان وقبرص.

 

ورأى داغر أن المنحى الذى يعتمده أردوغان منذ سنوات وحتى اليوم باتت دلائله واضحة في أكثر من مجال، وأبرزها تحويل الكنائس التاريخية في تركيا إلى مساجد، وتمثلت الخطوة الأولى في تحويل كنسية آيا صوفيا وكنيسة شورى في إسطنبول، وفي هذا الإجراء ما يشكل استفزازا للمشاعر المسيحية لأوروبا والغرب.

 

وزاد: من الدلالات التي تقدم عليها السياسات الاستفزازية لأردوغان استقباله مؤخرا وفدا من حركة حماس في لحظة الإعلان عن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، كأنه بذلك يثير العقبات والمشاكل مجددا فى وجه الولايات المتحدة.

 

وحول دافع العودة إلى ما وصفه بـ"النظام العثماني البائد"، قال "أردوغان يحاول إنقاذ شعبيته المتدهورة في الداخل التركي، تحت وطأة الانهيارات الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد".

 

وأكد داغر أن "المغامرات التركية تهدف إلى تعزيز الموارد التركية، لأن مشروعه الإمبراطوري يتطلب موارد هائلة لا يستطيع أن يؤمنها في ظل الأوضاع التي تعاني منها تركيا، إلا بالدخول لعالم النفط والغاز".

 

وردا على سؤال من يردع تركيا؟ أجاب داغر: "هناك قوى إقليمية ترفض الدور التركي الحالي وسوف تتصدى له، علاوة على الدور الأوروبي الحازم والحاسم الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي مؤخرا والنبرة العالية في وجه أردوغان ما أجبره على التراجع عن التنقيب في المياه اليونانية، ثم القوى العظمى مثل أمريكا والتي لن تسمح للنظام الأردوغاني في تركيا بتجاوز الحدود المسموح له بها".

 

ودلل داغر باجتماع أخير لوزيري الخارجية الأمريكي واليوناني، اتفقا خلاله على تعزيز التعاون الاستراتيجي فيما بينهما في رسالة موجهة مباشرة ضد أردوغان، وقبلها بأسابيع رفعت الولايات المتحدة الحظر ضد تصدير الأسلحة إلى قبرص بعد عقود طويلة من ممارسة هذا الحظر.

 

وتابع الخبير اللبناني "هناك أيضا قرار بوقف تصدير محركات للطائرات التي تستعملها تركيا لصناعة المروحيات، وهناك عدة خطوات واضحة للعلن بدأت تتخذ، من جانب القوى العربية والأوربية وأمريكا".

 

وأردف "تقود كل هذه العوامل إلى استنتاج بأن مشروع أردوغان الإمبراطوري الواهم سيمنى بهزيمة بالغة ولن يكتب له النجاح".

 

وكان الاتحاد الأوروبي أعطى تركيا إنذارا نهائيا في نهاية أغسطس/آب الماضي بسبب عمليات التنقيب، مهددا بفرض عقوبات إضافية.

 

ولم يسبق أن توحدت المواقف الدولية في انتقاد تركيا كما حصل في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، إذ تعرضت أنقرة لأكبر كم من الانتقادات بسبب سياساتها وانتهاكاتها.

 

بدوره، قال الدكتور منذر الحوارات، المحلل السياس الأردني، في قراءته لأسباب ودوافع التوجه التركي الحالي، إن تركيا خلال النصف الثاني من العقد الأخير تحاول أن تصعد كقوة إقليمية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، عقب الفراغ "الجيو سياسي" الذي تركه الخروج الأمريكي.

 

وأضاف وفقا لـ"العين الإخبارية": "تعتقد أنقرة أنها من القوة والإمكانات ما يؤهلها لنشر نفوذها ووجودها في أكثر من موقع بمنطقة الشرق الأوسط، وأجزاء عديدة من أفريقيا، لأنها تدرك المميزات التي ستتمتع بها هناك فيما لو حققت سيطرتها".

 

كما تسعى أنقرة، بحسب الخبير "الحوارات"، لأن يمتد نفوذها لآسيا الوسطى ومنطقه القوقاز لتحقيق أهداف اقتصادية، بعد إذكاء الصراع في المنطقة عبر تقديم الدعم الكبير لأذربيجان في مواجهة أرمينيا، حيث إن الصراع قريب جدا من مناطق حيوية تمر بها أنابيب النفط إلى روسيا، وتمر منها خط سكة حديد فيما يسمى طريق الحرير.

 

وأكد "الحوارات" أن (تركيا–أردوغان) تعيش في وهم الماضي أكثر من الحقائق على أرض الواقع، حيث تحاول أن تصعد كلاعب دولي كبير تحت زعم أنها وريثة الإمبراطورية العثمانية، وهو ما دلل عليه ما رافق مشهد تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، والذي حاولت من خلاله أن تقطع مع الأتاتوركية وأوروبا، وتعيد الوصل والصلة بماضي الخلافة العثمانية لإعادة إحيائها.

 

وينوه المحلل السياسي الأردني إلى أن إيقاظ وهم الخلافة لن يكون في مصلحة ما تقول تركيا إنه حلمها، لأن الإرث العثماني محمل بالدماء بشكل كبير، وهو ما سوف يخلق جبهة كبيرة مضادة لها، وهذا ما يجري الآن بعد اتساع دائرة المعادين لأنقرة.

 

وحذر "الحوارات" من أن التمدد المبالغ فيه لتركيا سيؤدي لعواقب قد تؤدي لإشعال المنطقة، والدخول في مواجهات عسكرية، وهو ما بدى واضحا من التصعيد المتبادل بين تركيا واليونان والتي كادت أن تصل إلى الحرب وحافة الهاوية.

 

وفي تفسيره للعوامل التي أغرت نظام أردوغان على التوسع المفاجئ خارجيا، قال "الحوارات": "تحاول أنقرة استغلال غياب الدولة الوطنية، والانقسامات والصراعات الداخلية في عدد من دول المنطقة، فضلا عن غياب الردع الدولي، وهو ما ساعد الأخيرة على التدخل وفرض إرادتها ونفوذها على غرار ما جرى من تدخلات في ليبيا وسوريا".

 

ومما ساهم في توغل أنقرة بشرق البحر المتوسط ما وصفه "الحوارات" بحالة "التغاضي والتلاهي الأمريكي، وهو ما يصعب الأمور ويعطي لأردوغان دورا كبيرا في المنطقة.

 

وتساءل: إزاء الحلم التركي في استعادة أوهام الخلافة إلى أي مدى سترضى أو تقبل الأطراف الدولية بدور تركي متنامٍ يوقظ التاريخ ومشاعر الحقد التاريخية بينها وبين أوروبا خاصة؟

 

وفي هذا الصدد، نبه المحلل السياسي اللبناني أن ثمن التوسع المفاجئ للفكرة التركية لن يكون قليلا، وسيضيق العالم بحالة اللاسلم وحالة التوتر التي تسود الإقليم، مردفا: "حينما تتوسع دولة يعاني اقتصادها من التدهور في أكثر من منطقة، فسوف تنعكس عليها بالنتائج السلبية، لا سيما أنها أصغر باعتقادي من الدور الذي تحاول القيام به".

 

وكان الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أكد في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية" أن التحول التركي في السياسات الخارجية جرى في السنوات الأخيرة وتحديدا قبل 5 أعوام، بشكل يختلف تماما عن النموذج التركي نفسه القديم القائم على فكرة الدولة القومية قبل قرن من الزمان.

 

وأوضح: لم تعد القضية بالنسبة لتركيا-أردوغان مجرد خلاف على تنقيب الغاز بشرق المتوسط، أو الخلاف التاريخي مع اليونان، بل امتد الأمر إلى دعم مباشر للمليشيات المسلحة والمرتزقة في ليبيا، والتدخل العسكري في الشمال السوري وفي العراق، وأخيرا في منطقة القوقاز