مجلة: خلال عقد ونصف سعت تركيا إلى إحياء إرث الإمبراطورية العثمانية

عرب وعالم

اليمن العربي

ذكرت مجلة أمريكية، أنه على مدار العقد ونصف العقد الماضيين، سعت تركيا إلى إحياء نموذج كلاسيكي لإرث الإمبراطورية العثمانية، مدعوماً باحتضان جماعات الإسلام السياسي

 

 

 

ويمكن القول إنّه "في قلب الأزمة الأخيرة بين اليونان وتركيا يكمن نموذج أيديولوجي خطير - وليس مجرد نزاع على موارد الطاقة"، كما تقول مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأمريكية. وتضيف المجلة "في الغرب، تسيء المنصات الإعلامية وصف المصدر الحقيقي للاضطراب في شرق البحر الأبيض المتوسط. من المؤكد أن أيديولوجيا القومية الإسلامية والعثمانية الجديدة في تركيا هي السبب الرئيسي وراء ظهور ملف شرق البحر المتوسط الآن، وعلى نحو مشابه للصراع في بحر الصين الجنوبي".

 

 

وترى المجلة، في تحليلها، أنّه لا ينبغي أن يكون هذا الواقع مفاجئاً؛ حيث إنّ علامات التحذير من الاضطراب الإقليمي كانت تلوح في الأفق. ومن خلال تجاهل أدلجة هذا الملف، أخطأ الإعلام الغربي والحكومات على حد سواء الإشارات الرئيسية والاتجاهات الناشئة التي أنذرت بالاضطراب الحالي.

 

 وأردفت المجلة بالقول إنّه على مدار العقد ونصف العقد الماضيين، سعت تركيا إلى إحياء نموذج كلاسيكي لإرث الإمبراطورية العثمانية، مدعوماً باحتضان جماعات الإسلام السياسي. ومن خلال تحالفها مع قطر والإخوان المسلمين، روجت أنقرة علناً لعلامتها التجارية الإسلامية، ودعمت الجهاديين المرتزقة- في سوريا وليبيا والقرن الأفريقي ومنطقة الساحل في غرب إفريقيا، بحسب المجلة الأمريكية. يُعد التحويل الأخير لآيا صوفيا الشهير في إسطنبول (الذي كان في يوم من الأيام أكبر كاتدرائية في العالم المسيحي الشرقي وموقعاً تراثياً لليونسكو) إلى مسجد هو الانقلاب العسكري.

 

 

واعتبرت "ذا ناشونال إنترست" أن هذا النموذج الأيديولوجي يعدّ حافزاً لمراجعة سياسات تركيا الصارخة، والتي تهدد الآن سلامة حلف الناتو والاستقرار الإقليمي.

 

سياسات عدوانية وتشكيك في الخرائط

 

وتقول المجلة إنّ الرئيس أردوغان يشكك صراحة في معاهدة لوزان (اتفاقية 1923 التي تحدد حدود تركيا الحديثة) ويشير إلى أنّ مصطفى كمال أتاتورك قد قدم تنازلات إقليمية غير ضرورية. وقد اشتكى أردوغان من أنّ تركيا "تنازلت" عن جزر لليونان وانتهكت خطة عام 1920 التي تتضمن مطالبات تركية بأراضي شمال سوريا وشمال العراق وأرمينيا وأجزاء من جورجيا وحتى إيران.

 

ذا ناشونال إنترست: إذا تُركت أيديولوجيا القومية الإسلامية المستوحاة من العثمانيين الجدد من دون رادع فإنها ستؤجج التوترات الإقليمية في المستقبل

 

وتنبّه المجلة إلى السرد السائد (والمفرط في التبسيط) في كثير من وسائل الإعلام الغربية يركز على استمرار المنافسات التقليدية والتاريخية. وتضيف: "هنا، يخرج المرء بانطباع بأنّ اثنين من الأعداء، اليونان وتركيا، يعيدون بكل بساطة صياغة خلافاتهم القديمة". لكن وفقًا لصحيفة دي فيلت الألمانية، يُزعم أنّ الرئيس أردوغان طلب من جنرالاته "إثارة حرب مع اليونان بإغراق سفينة يونانية أو إسقاط طائرة مقاتلة يونانية". وتوضح المجلة أنّه "في حين أنّ الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة تلعب دورها، فإنّ الأزمة الحالية في البحر المتوسط تسلط الضوء على العلاقة بين نموذج تركيا الأيديولوجي الخطير والتكاليف الحقيقية لإجراءاتها السياسية العدوانية".

 

 

وتنوّه المجلة الأمريكية إلى أنّه "من المفارقات أنّ نهج تركيا المتشدد وسياستها الخارجية المتقلبة قد جعل أنقرة تتعارض مع كل لاعب إقليمي رئيسي"، مشيرة إلى أنّ "العواقب والتداعيات تأخذ شكل منافسة إقليمية جديدة على القوة في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

 

 

وأضافت "ذا ناشونال إنترست": تتقارب مصر والإمارات والسعودية والبحرين بشكل متزايد حول المصالح المشتركة مع إسرائيل، وكذلك مع اليونان وقبرص وفرنسا. خلال الشهر الماضي، أجرت طائرات مقاتلة إماراتية تدريبات مع القوات الجوية اليونانية في جزيرة كريت. في الوقت نفسه، أجرت فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص مناورات عسكرية مشتركة في المنطقة في إظهار واضح للتضامن. كما أبرمت مصر واليونان اتفاقية تحدد حدودهما البحرية ومناطقهما الاقتصادية الخالصة، ما أبطل محاولة تركيا إبرام صفقة مماثلة مع ليبيا في وقت سابق من هذا العام. وقد صرح سفير الولايات المتحدة في اليونان جيفري بيات علناً بموقف واشنطن بأنّ جزر اليونان لها "بالكامل": الجرف القاري وحقوق المنطقة الاقتصادية الخالصة؛ مثل أي منطقة في الأراضي اليونانية.

 

الرادع

 

وفي حين أنّ الجهود المبذولة لتهدئة الموقف تصب في مصلحة الجميع، فإنّ الثناء المفرط لجهود الوساطة الألمانية للتهدئة بين اليونان وتركيا مبالغ فيه. على العكس من ذلك، فإنّ عدم قدرة برلين على حشد رد حاسم من الاتحاد الأوروبي (تأجيل التصويت لفرض عقوبات على تركيا حتى أواخر أيلول/ سبتمبر الجاري) يرسل رسائل مختلطة، ويفرض عواقب قليلة على سلوك تركيا العدواني، بحسب المجلة. وتسلط المقاربات المتضاربة من فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص، الضوء على عدم وجود إجماع في الاتحاد الأوروبي في التعامل مع هذا التحدي الأمني.

 

 

وتبيّن المجلة الأمريكية في تحليلها أنّ إجراءات السياسة الخارجية التركية "غير عقلانية" وتشوه المصلحة الذاتية العقلانية للدولة. وتختم بالقول: "إذا تُركت أيديولوجيا القومية الإسلامية المستوحاة من العثمانيين الجدد من دون رادع، فإنها ستؤجج التوترات الإقليمية في المستقبل. ولكن -كما حذرنا سابقاً- قبل أن يتمكن الفاعلون الغربيون من التعامل بفعالية مع هذه الظاهرة، يجب عليهم أولاً الاعتراف بوجودها".