الرئيس التركي يُشعل المنطقة ليطفئ حريق خسائره الانتخابية

عرب وعالم

اليمن العربي

تورطت تركيا في أزمات إقليمية عدة، من القوقاز إلى سوريا، ومن شرق المتوسط إلى ليبيا، إذ يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إحياء السلطنة العثمانية، وتقديم بلاده قوة إقليمية يصعب تجاوزها.

 

ويرى مراقبون للشأن التركي أن أردوغان يفتح المزيد من الجبهات على نفسه بعد دخوله  على خط المواجهات العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان في منطقة ناغورنو قره باخ، متسائلين عن طبيعة رهان الرئيس التركي في المنطقة.

 

ذكرت صحيفة أحوال التركية أن أردوغان زج ببلاده في نزاعات كثيرة من أزمة التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، وفي ليبيا، وقبلها في سوريا ومعها العراق، فضلاً عن خلافاته مع الولايات المتحدة بسبب الأسلحة الروسية وعدائيته المتزايدة ضد الغرب، وأخيراً الأزمة العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان في منطقة ناغورنو قره باخ، التي أضافت جبهة جديدة للجبهات التي أقحمت أنقرة نفسها فيها.

 

 

ويرى محللون ومعارضون أتراك أن دخول أردوغان على خط هذه الأزمة في القوقاز، يتزامن مع تشابك خيوط أزمات أخرى، جعلت أنقرة في عزلة خانقة.

 

وأشارت صحيفة "تايمز" البريطانية مثلاً إلى أن الولايات المتحدة تُخطط لنقل قاعدتها العسكرية الجوية من تركيا، وقالت الصحيفة إن زيارة بومبيو الأخيرة إلى اليونان "تعتبر مؤشراً على نفاد صبر واشنطن على أردوغان، بسبب لهجته المعادية للغرب، وقراره شراء نظام دفاع جوي صاروخي متطور من روسيا، رغم اعتراضات من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في حلف شمال الأطلسي".

وحسب المحللين، فإن صراعات تركيا هنا وهناك انعكست على واقع اقتصادها الذي يعاني أساساً كالكثير من اقتصاديات العالم بفعل أزمة كورونا، وألقت بظلالها على الليرة التركية التي سجلت تراجعاً غير مسبوق أمام الدولار واليورو، فضلاً عن خفض التصنيف الائتماني لتركيا.

اللجوء إلى الانتخابات

ونتيجة لهذه الأزمات والنزاعات، توصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزبه العدالة والتنمية إلى أن نتيجة أي انتخابات حرة ونزيهة في الوقت الحالي، أو حتى في المستقبل القريب، لن تكون في صالحه، ولذلك فإن كل استراتيجية النظام التركي تقوم اليوم على نزع الشرعية عن أي معارض، والتلويح "بالمكاسب" الجيواستراتيجية التي سيركز عليها أردوغان، التي حققها خارج تركيا.

ويُدرك أردوغان، أن المصاعب الاقتصادية والتدهور المتسارع في تركيا، سيكون سبباً وجيهاً يدفع الناخبين والمؤيدين للتفكير في غيره في الانتخابات المقبلة، ولذلك يعمل على "تحقيق أهداف استراتيجية" تؤكد وتحمي مصالح تركيا، في الخارج، في محاولة لتعديل الكفة، والحد من الخسائر، ما يعني أنه لن يتوقف عن إشعال مناطق أخرى، وأزمات جديدة، لتحقيق هذا الهدف.

وفي هذا السياق شدد زعيم المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو على ضرورة التفكير في انتخابات مبكرة، حتى لا تسوء الأوضاع في البلاد أكثر، وتزداد المصائب في ظل نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، وحزبه الحاكم.

وقال في مقابلة تلفزيونية لقناة "خبر جلوبال" التلفزيونية المحلية: "لابد من إجراء انتخابات مبكرة حتى لا تزيد الأوضاع سوءاً، ويتحمل تداعياتها الفقراء، خاصةً أن تركيا لا تدار من قبل أحد".

وأضاف أن "تركيا طيلة فترة حكم العدالة والتنمية الممتدة 18 عاماً، تواجه الكثير من الأزمات الاقتصادية التي وصلت ذروتها هذا العام بعد الانهيار الكبير في قيمة الليرة مقابل الدولار وغيره من العملات الأجنبية الأخرى".

تجاوز الحدود

وبدورهم، أكد محللون سياسيون أن تدخلات تركيا الأخيرة في العديد من الدول ومن ضمنها أذربيجان وأرمينيا، وذلك بإعلان أردوغان الدعم المطلق لأذربيجان، سيلقي بتبعاته على الاقتصاد التركي، منوهين بأنه قد يؤدي بتعجيل الانتخابات التركية للتخلص من أعباء وأضرار أردوغان على تركيا.

 

ويُدرك أردوغان، أن الانهيار الاقتصادي، أصبح خطراً محدقاً بزعامته ومكانته، ولذلك يعمد إلى تجنيد أنصار حزبه، والقوميين الأتراك، والإسلاميين، واليمين التركي المتطرف، لحشده ضد "الأخطار والتهديدات" التي تتربص بتركيا، ومكانتها في العالم، و"التآمر عليها" لأنها "دولة كبرى" وهو الخطاب الذي يوظف مفردات إحياء السلطنة، والطورانية القديمة والشوفينية التركية، ضد الأقليات سواء من الأكراد، والعلويين، في الداخل، أو العرب، في سوريا والعراق، ودول الخليج، إضافةً إلى الحشد والتجييش بـ"حماية الأقليات التركية، أو من أصول تركية" مثل التركمان، في سوريا والعراق، أو أحفادالأتراك في ليبيا، أو غيرهم.

وفي هذا الإطار قال المحلل السياسي الدكتور خالد باطرفي لصحيفة "عاجل" السعودية، إن "تركيا تجاوزت حدودها وقدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وفتحت على نفسها العديد من الجبهات في وقت واحد وذلك بتدخلاتها في عدد من الدول مثل ليبيا، وسوريا، والعراق، والآن أذربيجان، بالإضافة إلى الجبهات الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، وخلافاتها مع أمريكا، وأوروبا، وروسيا، والدول الكبرى في العالم العربي".

فوضى أردوغان

ومن جهته، لفت المحلل السياسي يحيى التليدي إلى أن عودة الاشتباكات على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، دليل آخر على أن نظام أردوغان لا يريد إشاعة الفوضى في المنطق بدعوى حماية مصالح تركيا.

وقال: "يمكن فهم الدور الذي تلعبه تركيا في هذا الصراع ودعمها الكامل لأذربيجان، بأنه يمثل امتداداً للعداء التاريخي بين الأرمن والأتراك من جهة، والطموحات الإقليمية التوسعية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يبحث عن مزيد من النفوذ في منطقة حيوية تمتد عبرها أنابيب الغاز عالمياً، وتدعم نفوذه مقابل روسيا التي تميل إلى دعم أرمينيا في هذا النزاع".

نظام سلطوي

ووفقاً لعدد كبير من المراقبين، تسير تركيا بخطى ثابتة نحو نظام سلطوي مغلق، ولكن أردوغان الذي غير النظام الدستوري في بلاده، بعد أن وعد بتحقيق الرفاه والازدهار لبلاده، أصبح عاجزاً عن ذلك بعد تردي الوضع الاقتصادي، وأصبح مهدداً بخسارة نفوذه الواسع وبحرمانه من البقاء في السلطة إلى 2029، بسبب ذلك.

 

ويذكر مراقبون أن أردوغان مجبر اليوم على الاستمرار في استراتيجية المواجهة المفتوحة التي  مع الغرب والشرق معاً، وعلى جبهات عدة، في إطار مناورة انتخابية تحسباً لتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية قريباً، إذ يراهن أردوغان على الفوز بها باعتباره الحامي للمجد التركي، والساهر على عظمة تركيا، في انتظار تحسن الوضع الاقتصادي، وعودة مؤشرات النمو إلى المنطقة الخضراء.