الكشف عن مساعي أنقرة لرأب الصدع مع القاهرة

عرب وعالم

اليمن العربي

كشفت تقارير صحيفة عن مساعي أنقرة لرأب الصدع مع القاهرة.

 

وفي التفاصيل، وفور إعلان القاهرة أواخر أغسطس/آب الماضي إلقاء القبض على القائم بأعمال مرشد الإخوان محمود عزت أخطر قيادات الجماعة الإرهابية، تركزت التحليلات على انقلاب في السياسة التركية تجاه مصر.

 

فالرجل الذي طالما اعتقد أنه فر من القاهرة ويتخذ من أنقرة ملجأ له ضبط في منزل بضواحي العاصمة المصرية، لكن عاصفة تكهنات هزت أركان التنظيم الإخواني الذي افترض كوادره أن عزت كان قربانا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مسعى لإصلاح ما أفسده في علاقات بلاده بمصر.

 

فزع الإخوان غادر مربع التكهنات ليستقر كحقيقة ثقيلة بعد أن تكشفت معلومات بشأن مساعي أنقرة لرأب الصدع مع القاهرة عقب سلسلة هزائم متواصلة في ملفات إقليمية كانت القيادة المصرية رسمت حولها دائرة حمراء لتعصمها من العبث التركي، وبنت تحالفات أبرزها مع اليونان وقبرص شرق المتوسط لصد أطماع أردوغان، بحسب مراقبين.

 

 

وقال الصحفي المصري المتخصص في شؤون الأمن القومي، أحمد الخطيب، إن تركيا سعت للاتصال بمصر في الشهرين الماضيين، وتقدمت بثلاثة طلبات سرية إلى القائم بأعمال السفارة المصرية في أنقرة.

 

وتحدث الخطيب عما قال إنه لقاء سري عقد في السفارة المصرية في أنقرة بين نائب رئيس جهاز الاستخبارات التركي ودبلوماسي مصري طلب خلاله المسؤول التركي معرفة المطالب المصرية لتعبيد الطرق أمام الحوار بين البلدين.

 

ويرفض المسؤولون في القاهرة التعليق على صحة الأنباء بشأن الرسائل السرية التركية للقاهرة، لكن أنقرة تقدمت باعتذار رسمي للجهات المعنية في مصر الشهر قبل الماضي بعد توغل سفن تركية في أقل من كيلو متر واحد داخل المياه الاقتصادية المصرية بالبحر المتوسط.

 

وأبدت تركيا بحسب الخطيب تفهما لمطالب القاهرة تسليم مطلوبين من جماعة الإخوان التي لجأت قياداتها إليها بعد أن أطاحت ثورة شعبية بالجماعة من حكم مصر عام 2013.

 

لكن خبراء ودبلوماسيين تحدثت معهم "وفقا العين الإخبارية" اعتبروا مساعي أنقرة لإعادة ترميم علاقتها بالقاهرة مناورة لتفكيك تحالف مصر واليونان وقبرص.

 

ولدى تركيا أطماع في احتياطات واعدة شرق المتوسط لمصادر الطاقة بالمناطق الاقتصادية اليونانية والقبرصية، إلا أن تحركاتها الاستفزازية أثارت غضب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

 

وقال دبلوماسيان مصريان سابقان وفقا لـ"العين الإخبارية" إن محاولة نظام أردوغان التقرب المفاجئ للقاهرة مؤخرا، وفتح قنوات حوار مع النظام المصري، تستهدف تخفيف الضغط الإقليمي عنها ضمن معركتها لقرصنة حقول الغاز والنفط شرق المتوسط دون أن تعكس حتى الآن رغبة حقيقية في طي صفحة الماضي.

 

ورأى الدبلوماسيان أن محاولة أنقرة استمالة القاهرة عبر ما وصفوه بـ"تصريحات زائفة" عن أهمية الحوار، تستهدف محاولة شق الصف المصري القبرصي اليوناني الفرنسي في شرق المتوسط، والتكتل المصري الإماراتي السعودي، مشددين في الوقت ذاته على ضرورة أن يستند التقارب التركي على خطوات عملية وترجمة الأقوال إلى أفعال.

 

وفي موقف مختلف ومفاجئ، بعد قطيعة مستمرة منذ 7 سنوات، نقلت وكالة رويترز للأنباء عن أردوغان قوله إن تركيا لا مانع لديها في الحوار مع مصر، موضحا خلال مؤتمر صحفي عقده منذ يومين في إسطنبول: "لا مانع لدينا في الحوار مع مصر، وإجراء محادثات مع القاهرة أمر مختلف وممكن وليس هناك ما يمنع ذلك".

 

وتأتي تصريحات أردوغان، بعد أيام من تصريجات نقلتها وكالة الأناضول التركية، على لسان ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، أشاد خلالها بالجيش المصري، ووصفه بأنه "عظيم" ويحظى باحترام تركيا.

 

كما دعا أقطاي، الذي دأب على التحريض ضد مصر ودول الخليج، إلى ضرورة أن يكون هناك تواصل بين مصر وتركيا بغض النظر عن أي خلافات سياسية قائمة.

 

ويقول مراقبون إن التراجع التركي في اللغة السياسية جاء في ضوء اقتراب القمة الأوروبية المزعم عقدها في 24 سبتمبر/ أيلول الجاري، حيث من المتوقع أن يناقش القادة الأوروبيون فرض عقوبات على أنقرة في حال عدم امتثالها للحلول الدبلوماسية والسياسية في شرقي المتوسط.

 

شروط بدء الحوار

 

وقال السفير محمد حجازي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية لـ"العين الإخبارية" إن أي محاولة تركية للتقارب مع مصر لابد أن تستند ليس فقط إلى تصريحات إيجابية، لكن لا بد من ترجمة الأقوال إلى أفعال.

 

ونبه حجازي إلى أن محاولات نظام أردوغان للتقرب لمصر، وبدء حوار مشترك بينهما، يجب أن يرتبط بمجموعة تحركات عملية من الجانب التركي، أبرزها سحب السفن الحربية من شرق المتوسط، وإخراج المرتزقة والإرهابيين من ليبيا، والالتزام بالحل السياسي السلمي الذي يتفق مع قواعد القانون الدولي.

 

ومنذ أواخر العام الماضي انخرطت تركيا بصورة علنية في دعم مليشيات إرهابية غرب ليبيا بالمال والسلاح والمرتزقة في خطوة اعتبرتها مصر مساسا بأمنها القومي.

 

وأضاف: لا بد أيضا أن يتوقف نظام أردوغان عن الإتجار بالبشر، واستخدام ورقة اللاجئين والمليشيات المسلحة، والعمل على وقف القنوات الإعلامية التابعة لتنظيم الإخوان الموجهة ضد مصر.

 

وتبث من تركيا عدة قنوات فضائية تابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي، وتواصل تلك المنصات الهجوم على النظام المصري وتدعو للفوضى في البلاد.

تعريض أمن المنطقة للتوتر الشديد

 

وشدد الدبلوماسي المصري السابق على أن تركيا لم تمارس حقها في البحث عن مصادر الثروة البحرية وفقا لقواعد القانون الدولي بل تدخلت في شؤون دول المنطقة، مما تسبب في توتر كاد أن يصل لحالة حرب بينها من جهة، وبين اليونان وقبرص من جهة ثانية.

 

وأعلنت تركيا عن مناورة عسكرية شرق المتوسط في توقيت تزامن مع مناورة يونانية ما عرض المنطقة للانزلاق في حرب إقليمية.

 

وأستطرد: "كما عرضت أمن المنطقة في شمال أفريقيا فيما يخص الملف الليبي إلى توتر شديد كاد أن يصل الى صدام عسكري واسع، وتكرار سيناريو ما حدث في سوريا".

 تركيا تتراجع

 

 وأشار إلى تراجع الموقف التركي نسبيا على ساحة شرق المتوسط بسبب الموقف الأوروبي الصارم الذي قد يصل في اجتماعات القمة الأوروبية المزعم عقدها في 24 سبتمبر الجاري إلى فرض عقوبات عليها.

 

وسحبت تركيا قبل أسبوع سفينة التنقيب "أوروك ريس" من المناطق المتنازع عليها مع اليونان في شرق المتوسط، في خطوة تعكس مخاوف نظام أردوغان من التصعيد الدولي تجاه أطماعه بثروات المتوسط، وبعد ساعات من مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية لتركيا بضرورة وقف أنشطتها المثيرة للتوتر في شرق البحر المتوسط.

مصلحة تركية أولا.. ومحاولات لشق الصف

 

من جهته، قال السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وفقا لـ"العين الإخبارية" إن محاولة التقارب التركي للقاهرة وبدء الحوار معها يرتبط حتى هذه اللحظة برغبة أنقرة في ترسيم الحدود البحرية مع مصر؛ من أجل تحقيق مصالحها، والسعي إلى المشاركة في ثروات شرق المتوسط من الغاز والنفط.

 

وأكد هريدي أن محاولات التقرب من مصر لا تعكس حتى الآن رغبة حقيقية من أنقرة في طي صفحة الماضي، بل محاولة شق الصف المصري القبرصي اليوناني الفرنسي في شرق المتوسط، والتكتل أيضا المصري الإماراتي السعودي.

 

وأضاف: "يسعى نظام أردوغان إلى الوصول لاتفاق مع مصر في تعيين الحدود البحرية على غرار الاتفاق (غير القانوني) الذي وقعه مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، ومن أجل التوصل لذلك يحتاج أردوغان أن تتحسن نسبيا العلاقات السياسية بين البلدين.

 

ولمح إلى أن تصريحات المسؤولين للتقارب مع مصر، سبقها حديث لزعيم أكبر حزب معارض طالب الحكومة التركية بتحسين العلاقات مع مصر، وأن تركيا لن تكسب شيئا من دعمها لتنظيم الإخوان على حساب علاقتها مع مصر.

 

وذكر بتأكيد وزير الخارجية التركي قبل أسبوع إنه حينما رسمت مصر حدودها مع قبرص واليونان لم تنتهك الجرف القاري لتركيا، على الرغم من انتقاد نظام أردوغان في وقت سابق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية -اليونانية، التي وقعت مطلع أغسطس/آب في القاهرة معتبرا أنها "باطلة"، و"تنتهك أيضا الحقوق البحرية الليبية".

 

وفي خطوة أخرى اعتبرت هزيمة لمشروع أردوغان في المنطقة أعلن حليفه في ليبيا السراج عزمه الاستقالة من منصبه