النمسا أحدث ضربة .. جواسيس أردوغان يتساقطون بأوروبا

عرب وعالم

اليمن العربي

لم تكن واقعة التجسس التركي على النمسا التي كشفتها فيينا، الثلاثاء، حالة منفردة، بل كاشفة لمحاولات نظام رجب طيب أردوغان المستمرة لممارسة أنشطة تجسس، ونشر الإرهاب وازدراء المعتقدات والثقافة المحلية، ما يفتح الباب أمام رد أوروبي قوي على أنقرة.

 

وفي وقت سابق، قالت صحيفة "كرونه" النمساوية، إن سلطات إنفاذ القانون في فيينا تتبعت أثر جاسوس تركي خلال التحقيق في اشتباكات يوليو/تموز الماضي بين نشطاء أكراد، وأتراك في قلب العاصمة النمساوية.

 

ونقلت الصحيفة عن وزير الداخلية كارل نيهامر قوله: "المشتبه به اعترف أنه جزء من شبكة تجسس تنقل المعلومات إلى الحكومة التركية، ويعتزم مكتب المدعي العام النمساوي توجيه الاتهام للمشتبه به بالتجسس".

 

وتابع الوزير النمساوي "كان المشتبه به سجينا في تركيا، وكان شرط الإفراج عنه هو العمل كجاسوس على الرعايا الأتراك المقيمين في النمسا". ولم يذكر الوزير نوع المشتبه به، غير أن صحيفة كرونه قالت إنه امرأة.

 

تجسس نظام أردوغان على الأتراك والنمساويين من أصل تركي في النمسا، ليس جديدا.

 

ففي عام 2016، فجر السياسي البارز والمتحدث باسم حزب الخضر "يساري مشارك في الحكومة الحالية" في الشؤون الأمنية، بيتر بليتس، قضية التجسس التركي.

 

وقال بليتس حينها إنه يملك وثائق تخص السفارة التركية في فيينا، وتؤكد أن أردوغان يتجسس بشكل ممنهج على معارضي الحكومة عن طريق عملاء المخابرات التركية والمنظمات التابعة لحزب العدالة والتنمية.

 

وأوضح بليتس ، وفق ما نقلته وكالة الأنباء النمساوية الرسمية، وصحيفة "دي برسة" الخاصة آنذاك بأن "المخابرات التركية تتجسس على مواطنيها في النمسا، والهدف الأساسي هو رصد معارضي نظام أردوغان في بلادنا".

 

ولفت بليتس إلى أن عمليات التجسس التركي تستهدف "جميع الأشخاص من أصول تركية وكردية وعلوية من المعارضين"، مضيفا "الوثائق تؤكد أن منظمات تركية تعمل في النمسا مثل أتيب وميللي جورش "الرؤية الوطنية" وغيرها، ساهمت في بناء شبكة كبيرة من المخبرين الأتراك في الأراضي النمساوية".

 

ووفق بليتس، فإن شبكة المخبرين التركية تتولى رصد المعارضين لأردوغان ثم نقل الأسماء للسلطات في أنقرة التي تتولى بدورها اعتقال هؤلاء في حال زيارتهم لتركيا.

 

ولا يتوقف تجسس أردوغان على معارضيه في النمسا، حيث يمتد أيضا لألمانيا. وفي هذا الإطار، ذكرت وثيقة للبرلمان الألماني تعود إلى فبراير / شباط 2019، وأطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها: "تقوم تنظيمات أتيب وديتيب والرؤية الوطنية الخاضعة بالكامل لمؤسسة الشؤون الدينية التركية في أنقرة "ديانيت"، بالتجسس على المعارضين الأتراك والأكراد المقيمين في ألمانيا".

 

ووفق تقرير لصحيفة نويه زوريشر السويسرية "خاصة"، فإن السلطات الألمانية وجهت منذ 2016، تهم التجسس إلى 19 إماما تابعين لاتحاد ديتيب، بعدما قاموا بالتجسس وكتابة تقارير موجهة للحكومة التركية عن أعضاء في حركة الداعية فتح الله جولن.

 

التجسس ليس النشاط المشبوه الوحيد الذي تقوم به أذرع أردوغان في النمسا، إذ تعمل المنظمات التركية في شبكة منظمة لنشر الأفكار المتطرفة، والإرهاب وخلق مجتمع مواز يهدد تماسك واستقرار المجتمع النمساوي، وفق وسائل إعلام نمساوية.

 

وبحسب صحيفة "كورير" النمساوية، فإن اتحاد "أتيب" تعد ذراع أردوغان الطولى في النمسا، وتتلقى تمويلا لأنشطتها ورواتب أئمتها من مديرية الشؤون الدينية التركية "حكومية"، وتخضع لتأثير مباشر من النظام التركي وحزب العدالة والتنمية.

 

وفي ربيع 2018، آثار محاكاة أطفال لأحد المعارك العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) في أحد المساجد التابعة لـ"أتيب" في فيينا، أزمة كبيرة مع الحكومة النمساوية التي اتهمت الاتحاد بـ"انتهاك حقوق الأطفال"، و"خلق مجتمع مواز" في البلاد، وفق صحيفة "كرونه".

 

ووصفت الخبيرة الألمانية في شؤون الإسلام السياسي، سوزان شروتر، أتيب، في تصريحات سابقة لصحيفة "تاجس بوست" الألمانية، بأنها "منظمة وريثة لتنظيم الذئاب الرمادية المتطرف، وقريبة من الإخوان".

 

وفي 2019، أصدر البرلمان النمساوي توصية للحكومة بحظر جمعية "اتيب"، وقالت صحيفة "اوسترايش" النمساوية إن "قائمة الآن، وكتلتي حزب الشعب "صاحب الأكثرية"، وحزب الحرية، نجحوا، في تمرير توصية للحكومة بحظر جمعية "اتيب" بسبب أنشطتها المتطرفة والمزعزعة للاستقرار.

 

كما أن تنظيم "الذئاب الرمادية"، أحد أذرع أردوغان، يعمل أيضا على نشر التطرف والعنف وتهديد السلام الاجتماعي في النمسا، وصولا لزعزعة استقرار البلاد، وفق صحيفة كرونه.

 

وفي يوليو/تموز الماضي، هاجمت مجموعة من تنظيم الذئاب الرمادية المتطرف، ذراع رجب طيب أردوغان، مظاهرة للأكراد واليساريين كانت تندد بالفاشية، في فيينا، ما أدى لاندلاع اشتباكات بالحجارة وزجاجات المياه، وأحداث شغب واسعة، أصيب خلالها عنصرا شرطة، وهي الواقعة التي رصدت فيها السلطات النمساوية جاسوس النظام التركي الجديد.

 

وبعدها بأيام، استدعت الخارجية النمساوية السفير التركي أوزان سيهون، وأبلغته بضرورة وقف التحريض، والكف عن وصف المتظاهرين بأنهم داعمو منظمات إرهابية.

 

وتنظيم الذئاب الرمادية، هو تنظيم قومي متطرف نشأ في كنف حزب الحركة القومية التركي، وتحول لذراع طولى لأردوغان لنشر العنف والفوضى والتطرف في أوروبا. ويمتلك التنظيم ٢٠٠٠ قيادي نشط في النمسا، وعشرات المساجد والمؤسسات الثقافية، ويمثل خطرا أمنيا وكذلك يهدد تماسك المجتمع.

 

وفي ربيع 2019، اتخذت النمسا خطوة أولى في مواجهة الذئاب الرمادية، حين حظرت جميع شعاراته وأعلامه، لكن هذا لم يعد كافيا، وفق كرونه.

 

الأكثر من ذلك، أن السفير التركي في فيينا، سيهون، قام بإزدراء الدين المسيحي والثقافة النمساوية في فاعلية تركية في العاصمة النمساوية في مايو الماضي، ما دفع وزيرة الاندماج سوزان راب إلى استدعائه وتوبيخه.

 

منذ سنوات، تلقي الأنشطة التركية المشبوهة والمزعزعة للاستقرار، بظلالها على العلاقات بين فيينا وأنقرة، وتدفع الأولى لانتقاد الأخيرة بشكل مستمر، ومطالبة الاتحاد الأوروبي بعدم الخضوع لاستفزازات أردوغان.

 

لكن قضية التجسس التي أعلنت عنها فيينا اليوم ستدفع التحركات النمساوية بعيدا عن الانتقادات العلنية، وتنذر بأزمة قوية في العلاقات بين البلدين، وفق كرونه.

 

وفي هذا الإطار، هدد وزير داخلية النمسا في تصريحاته، باتخاذ خطوات دبلوماسية عقابية ضد تركيا، موجها رسالة واضحة إلى أردوغان بأنه "لا مكان للتجسس التركي في النمسا".

 

ووفق كرونه، لا يتوقف الأمر عند ذلك، حيث تنسق النمسا مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات قوية ضد أنشطة أردوغان وشبكات التجسس التركية في الأراضي الأوروبية.