“ممنوعات” فرضتها ميليشيات الحوثي.. "حراس فضيلة" يخنقون سكان صنعاء

أخبار محلية

اليمن العربي

قبل أقل من شهر من حلول الذكرى السادسة لاجتياح ميليشيات الحوثي صنعاء، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014 ، تبدو المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، مكبّلة بقيود وفرمانات رجعية يجري فرضها بشكل دوري على المجتمعات.

 

ويبدو أنّ تراجع منسوب القتال خلال الفترة الماضية، دفع الحوثيين إلى التفرغ بشكل أكبر لإدارة معارك من نوع آخر، ساحاتها هذه المرة المطاعم والكافيهات والجامعات الحكومية والخاصة ومعاهد اللغات، فضلاً عن صالات الفنادق التي تحتضن الدورات التدريبية لمنظمات المجتمع المدني وغيرها.

 

في صنعاء التي كانت حاضنة للتنوع والتعايش، وعاصمة لكلّ اليمنيين بمختلف انتماءاتهم وأفكارهم قبل أن تصبح بلون واحد منذ أواخر عام 2014، لم يعد بمقدور أحد الشبان الخروج مع خطيبته أو صديقته لتناول وجبة غداء في مطعم بحيّ حدة الراقي، بعد صدور تعميمات حوثية تمنع دخول من ليس لديهم أطفال.

 

 يقول محمد الصايدي، وهو من سكان صنعاء، إنّ السلطات الحوثية عممت على مطاعم العاصمة كافة، بعدم دخول الرجال مع النساء لتناول الطعام، ما لم يكن لديهم أطفال، حتى وإن كانوا متزوجين. 

 

يضيف الصايدي، وهو مهندس في تقنية المعلومات: "هناك مذكرة رسمية صادرة من مدير مديرية السبعين، وضعت في واجهة غالبية مطاعم حي حدة، تشترط الالتزام بالسلوكيات الأخلاقية، وتخصيص المطعم للنساء والأطفال، والأسر التي تصطحب أطفالها فقط. 

 

وتؤكد مصادر متطابقة، أنّ عدداً من مطاعم وكافيهات صنعاء اضطرت لإغلاق أبوابها من جراء القوانين الحوثية التي يصفها ناشطون بـ"الطالبانية" فيما قدّم البقية تعهدات خطية التزموا فيها بالتعليمات الحوثية، خشية من فقدان مصادر رزقهم.

 

ولا يقتصر الأمر على المطاعم، إذ يقول سكان في صنعاء، إنّ تعميمات ألزمت محلات الحلاقة، بعدم تقليد قصات الشعر الغربية، كما يؤكد ناشطون في منظمات مدنية، أنّ توجيهات حوثية صارمة، قضت بفصل المتدربين من الشبان عن الفتيات في قاعات التدريب، ومنع تبادل المعلومات الشخصية، واستبعاد جميع النشاطات التي تفضي إلى الاختلاط بين المتدربين.

 

لن يكون بمقدور طلاب جامعة "صنعاء" مشاهدة زميلاتهم تحت سقف قاعة واحدة في حفلات التخرج، أو كتابة أسمائهم معاً في مشاريع علمية، وذلك بعد قرارات حوثية صادمة، تراقب الاختلاط ليس في قاعات الدرس، بل على الورق أيضاً. 

 

ويعرف عن جامعة "صنعاء" أنّها كانت إلى فترة قريبة من أهم المنابر التي خرّجت آلاف الكوادر اليمنية والعربية طوال أربعة عقود. لكن، منذ ستة أعوام، تحوّل الصرح العلمي الشامخ إلى منصة يحرص من خلالها الحوثيون على نشر أفكارهم بين من بقي فيها من طلاب.

 

وبالإضافة إلى استغلال الحرم الجامعي لتنفيذ نشاطات تتهم بالطائفية، نشرت جماعة الحوثيين مئات من أفراد الأمن كـ"حراس فضيلة" لا مهمة لهم سوى قاعات الدراسة وفناء الكليات، لرصد ما إذا كان هناك طلاب وطالبات يقفون معاً لتجاذب الأحاديث، والعمل على تفريقهم.

 

يقول طالب في كلية الإعلام، فضّل عدم الكشف عن هويته احتياطاً من الحوثيين، إنّ الحرّاس هؤلاء يرتدون الزي الأزرق، ويترصدون الطلاب في الكليات كافة، ويتخذون إجراءات مهينة ضد كلّ طالب يقبضون عليه وهو يتحدث مع زميلته في أعقاب المحاضرات.

 

خلال أغسطس/ آب الجاري، أصدر رئيس جامعة "صنعاء" المعيّن من الحوثيين، القاسم محمد عباس، تعميماً إلى عميدي الكليات ومديري المراكز التابعة للجامعة، وجه فيه بـ"الفصل بين الطالبات والطلاب في مشاريع التخرج والتكليفات، وحفلات التخرج" تحت مزاعم التمسك بـ"الهوية الإيمانية" و"الرؤية الإسلامية الصحيحة".

 

وقوبلت القرارات الحوثية بسخط واسع من طلاب جامعة "صنعاء" الذين اعتبروا ذلك "نظرة قاصرة للتعليم، وتشكيكاً في أخلاق الطالبات، والشباب اليمنيين عموماً".

 

في هذا الإطار، تعتبر الصحافية والناشطة الحقوقية اليمنية، دينا محمد، أنّ القرارات الحوثية الأخيرة، حول فصل الجنسين من طلاب الجامعات "مثيرة للاشمئزاز وتجعل من صنعاء أقرب إلى إمارة طالبانية". 

 

تقول محمد "ربما لن تتوانى الجماعة في إصدار قرارات جديدة مستقبلاً، تمنع الفتيات من التعلم أكثر من المرحلة الابتدائية إلى أن تتمكن من فك الحرف لا غير، ثم إلزامها المكوث في المنزل". 

 

وتضيف: "تتسارع خطى هذه الجماعة باتجاه طلبنة المجتمع اليمني وفرض قيود مميتة وقاتلة للنساء على وجه التحديد بحجة أنّهن مصدر للفساد إذا مارسن حياتهن الطبيعية. 

 

ومع تحوّل المدينة إلى سجن كبير، هناك مخاوف من أن يصل الأمر إلى سفك دم المناهضات لتلك القيود الرجعية".

 

كذلك، ألزم الحوثيون الدفعات المتخرجة من الجامعات والمدارس بعدم الغناء في حفلات التخرج، وخلال الأيام الماضية، بدأ تجريم الطرب يمتد إلى أوساط المجتمعات النائية الخاضعة لسيطرتهم، خصوصاً في أقصى الشمال اليمني والمحافظات الغربية. 

 

وفي منتصف أغسطس/ آب الجاري ، أجبر الحوثيون شاباً على دفع غرامة قدرها خمسون ألف ريال يمني (نحو 80 دولاراً أميركياً) عقوبة على استقدامه فناناً شعبياً لإحياء حفل زفافه بإحدى بلدات محافظة المحويت شمالي غرب اليمن، وينظر الحوثيون إلى إحياء المطربين والفنانين الشعبيين حفلات الزفاف باعتباره "عملاً غير أخلاقي لا يراعي دماء الشهداء" في إشارة إلى قتلاهم بالمعارك، كما يعتبرون كلّ ما يسبب البهجة للناس بأنّه عمل "يؤجل النصر".

 

وأكدت مصادر محلية في محافظة حجة، شمالي غرب البلاد،، أنّ جماعة الحوثيين وجهت غالبية مديري المديريات باتخاذ إجراءات حازمة ضد المواطنين في المنطقة الذين يستقدمون فنانين لإحياء حفلات الزفاف.

 

ويبدو أن الفتيات هن الشريحة الأكثر تضرراً من القوانين الحوثية الطارئة في صنعاء وغيرها من المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة، إذ تمنع النساء من ارتياد المقاهي والمتنزهات المطلة على صنعاء القديمة، كما يجرى تحديد مواصفات خاصة للعباءات الخاصة بطالبات جامعة "صنعاء" مع منع الملوّن منها، لتحقيق ما يصفونه بـ"شروط الحشمة".

 

نقلا عن “العربي الجديد”