الجماعات الإرهابية فى ليبيا تحت الحصار.. التمويلات المشبوهة والتدخل التركى يساهمان فى انتشار المرتزقة على الأراضى الليبية

عرب وعالم

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

بعد تسع سنوات من الإطاحة بالزعيم الليبى معمر القذافى، لاتزال ليبيا تعيش فى ظل فوضى ودون حكومة مركزية، تزخر أراضيها بالجماعات الإرهابية المسلحة والمرتزقة، رغم كل الجهود الدولية المبذولة لتحقيق الاستقرار، وهو الأمر الذى ألقى بظلاله على قدرة ونطاق انتشار الجماعات الإرهابية، خاصة وأن هناك بعض الدول التى ساهمت بصورة أو بأخرى فى تمويل ودعم انتشار هذه الجماعات هناك لتحقيق مصالحها، وعلى رأسها تركيا.

ويزداد فى هذا الإطار المخاوف الإقليمية والدولية مع نمو الجماعات المتطرفة مثل تنظيمى «الدولة الإسلامية» داعش والقاعدة اللذين أصبحا يمتلكان القدرة على الانتشار فى كثير من دول جوار ليبيا فى الشمال الأفريقى على الضفة الأخرى من البحر المتوسط تجاه القارة الأوروبية.

ويجب الإشارة هنا إلى أن صعود الجماعات المتطرفة فى ليبيا يرتبط بصورة مباشرة بطبيعة التدخل الأجنبى والتدخلات العسكرية، والتى قد ساهمت منذ بداية الأزمة الليبية فى تغيير نظام الحكم وتفكيك مؤسسات الدولة وأطلقت العنان للتوترات العرقية والطائفية الخاملة، وكثفت المنافسات الإقليمية بتغيير موازين القوى. وقد وفرت هذه التطورات أسبابا خصبة لظهور جماعات إرهابيه جديدة كثيرًا ما تدعمها جهات خارجية فاعلة.

متغيرات عديدة تدور فى ليبيا، معركة؛ بين الجيش الوطنى الليبى، بقيادة المشير خليفة حفتر، الذى يتمتع بقاعدة شعبية فى شرق البلاد، وبين حكومة الوفاق الوطنى، المدعومة من قبل النظام التركى وميليشيات مختلفة. فى هذا الصدد، قال أحمد المسمارى، المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى، مؤخرًا، إن اللافتات الإرهابية، التابعة لتنظيمى «داعش» و«القاعدة»، بدأت تظهر فى المناطق التى تُسيطر عليها حكومة الوفاق فى طرابلس. بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك، متهمًا تركيا بالتدخل فى المعركة عبر إرسال متطرفين، من «جبهة النصرة» من سوريا، لدعم حكومة الوفاق الوطنى فى معركتها ضد الجيش الوطنى الليبى.

ومن ثم فإن هناك تعبئة واضحة فى كلا المعسكرين نحو طرابلس والتى خلقت فراغًا أمنيًا أتاح الفرصة للجماعات المتطرفة والإرهابية للعودة، ولكن أيضًا عن طريق تجنيد العناصر المتحالفة مع الجماعات الأخرى وتنسيق الهجمات لـ«إثبات الوجود».

وضمن نفس السياق فإن النزاع بين الفصائل الليبية منح الإرهابيين أيضا فرصة ذهبية للتحرك وإعادة تشكيل البقايا الهاربة والخلايا السرية النائمة، ولا يزال خطر قدرة المنظمات الإرهابية المتطرفة على السيطرة على أى مكان فى ليبيا قائمًا، فى ظل محاولات تقسيم ليبيا. وبالنظر إلى الصراعات الحالية، فإن الإرهاب فى ليبيا لن يكون سوى أحد القوى بين العديد من القوى القادرة على إلحاق أضرار حيوية واستراتيجية لليبيا ومحيطها الإقليمى والدولى.

من زاوية أخرى فإن مساحة الأراضى الليبية والتى تفوق مليونًا ونصف المليون كيلومتر أهم عوامل انتشار التنظيمات الإرهابية. 

خاصة وأن قرابة ٩٠ فى المائة من السكان يتمركزون فى المدن الساحلية فى الشمال، أما فى الجنوب، حيث تغلب الطبيعة الصحراوية والحدود المفتوحة، فتكوّن عشرات المدن الصغيرة والبلدات طوقًا آمنًا لتنقل التنظيمات، قياسًا بحجم سيطرتها على الأرض، لكن القوات المساندة المؤلفة من عناصر قبلية، شاركت الجيش فى عملياته القتالية لبسط سيطرته على الجنوب، وتمكنت من نشر وحدات استطلاع وقتال فى غالبية المناطق الواقعة على الحدود مع دول الجوار الأفريقى، وهو الأمر الذى حدّ من نشاط تلك التنظيمات، وشنّ عمليات قتالية على بؤرها، وهو ما يشير إلى استمرار خطرها فى تلك المناطق، وإن عملية مكافحة الإرهاب التى يخوضها الجيش ينتظرها الكثير من المراحل الأخرى.

مستقبل الجماعات الإرهابية فى ليبيا منذ توقيع اتفاقيتى ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق وأخرى تتعلق بالتعاون الأمنى والعسكرى فى نوفمبر ٢٠١٩ وتشهد ليبيا تنامىا فى أعداد الجماعات الإرهابية والمرتزقة الذين تم تصديرهم من مناطق الصراع فى سوريا والعراق، بالإضافة إلى إرسال المعدات والدعم المالى لهذه الجماعات لمساندة حكومة الوفاق المتحالفة مع أنقرة فى التأثير على الأوضاع الداخلية الليبية، ولا يتوقف الدور التركى فى ليبيا على دعم المليشيات بالأسلحة، حيث دعمت جماعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة، وساعدتها على إرسال قواتها إلى ليبيا، وقدمت تركيا المأوى للإرهابيين الليبيين مثل عبدالحكيم بلحاج، وخالد الشريف، القياديين فى الجماعة الليبية المقاتلة، التابعة للقاعدة، وساعدتهما على توسيع قاعدة تمويل الجماعة، وساعدت التنظيمات الإرهابية فى إنشاء خطوط اتصالات ومراكز تدريب فى ليبيا لإرسال الإرهابيين، وهو ما يوضح سبب تمسك تركيا بمصراتة وطرابلس للاستفادة من الميناءين البحرى والجوى لنقلهم إلى ليبيا ومنها إلى أفريقيا وأوروبا.

ويجب الإشارة هنا إلى أن تركيا تسعى لتنفيذ نفس الخطة التى اعتمدتها فى سوريا واستنساخها فى ليبيا، خاصة وأنها فتحت حدودها بترحاب، ودعم لوجستى ومالى للجماعات الإرهابية المسلحة لدخول سوريا عبر أراضيها ومنافذها الحدودية، بما فيهم (داعش) و(القاعدة)، وانتفخت هذه الجماعات الإرهابية داخل سوريا واحتلت أراضى واسعة تدخلت القوات العسكرية التركية لتحتل هذه الأراضى السورية بحجة مقاومة الإرهاب، وتريد تنفيذ هذا السيناريو فى ليبيا، رغم أن ليس لها حدود جغرافية مشتركة مع ليبيا، ولكن تستبدل ذلك بالاعتماد على التمويل المالى القطرى لتجنيد الآلاف من المرتزقة السوريين وعناصر (داعش) و(القاعدة).

وتأسيسًا على ذلك فإن تركيا شرعت فى عدم الالتزام بقواعد القانون الدولى وبالحظر الدولى الخاص بتوريد الأسلحة إلى هناك كبداية وتمهيد لتسوية الأزمة، ولكن فى واقع الأمر فإن مستقبل انتشار الجماعات المسلحة فى ليبيا ما هو إلا متغير تابع يخضع بصورة مباشرة لمدى قدرة تركيا على الاستمرار فى دعمهم، ومدى قدرتها على تعزيز دورها فى الأزمة الليبية.

كما أن هناك توجها إقليمىا ودولىا نحو مجابهة التدخلات التركية فى الأزمة الليبية والتى ساهمت بصورة أو بأخرى فى تنامى انتشار هذه الجماعات وتسببت أيضًا فى عرقلة جهود التسوية، ومن ثم فإن محاصرة الدور التركى من خلال القوى الإقليمية والدولية سوف ينعكس على مستقبل تمويل ونشاط هذه الجماعات والمرتزقة التابعين لها، ومن المحتمل أن تشهد الفترة القادمة تنسيقا إقليمىا ودولىا كبيرين حول هذه الانعكاسات لما لهذه التطورات الداخلية الليبية من تأثير على مستقبل الأمن والسلم الدوليين.