مجلة أمريكية تكشف إنتهاك جديد لأردوغان بحق التعليم العالي

عرب وعالم

اليمن العربي

كشفت مجلة فورين بوليسي، عن إنتهاك جديد إرتكبه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحق التعليم العالي في بلاده .

 

وقالت المجلة في سياق تقرير لها أنه في منتصف الليل يوم 30 يونيو/ حزيران الماضي أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرسوما، أعلن فيه إنهاء الأنشطة التعليمية في جامعة ”إسطنبول شهير“، وهي جامعة خاصة خيرية معروفة بمعاييرها التعليمية العالية، وكان السبب المعلن للقرار هو عجز الجامعة ماليا عن مواصلة أنشطتها.

 

ووفقا لمجلة ”فورين بوليسي“ الأمريكية، تعرضت الجامعة، التي افتتحت في عام 2010 في حفل شارك فيه أردوغان نفسه، لضغوط سياسية ومالية متزايدة في أعقاب النزاع بين أردوغان ورئيس وزرائه السابق أحمد داوود أوغلو، وأدى إغلاق الجامعة لترك العديد من الأكاديميين عاطلين عن العمل في وقت صعب.

 

ووفقا للمجلة ”كان حسن كوسيبالبان، وهو أستاذ مشارك في العلوم السياسية في إسطنبول، من بين هؤلاء الأكاديميين، إلا أن هذا لم يكن أول صدام له مع الحكومات الاستبدادية التي تسعى للتدخل في قطاع التعليم العالي“.

 

ونقلت المجلة عن كوسيبالبان قوله: ”لقد عانيت من استبداد الجيش التركي في التسعينيات، عندما ألغيت شهادتي الجامعية التي حصلت عليها من الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا بعد تخرجي، ما أجبرني على مواصلة دراستي ومسيرتي الأكاديمية في الخارج“.

 

وأضاف أن ”النظام التركي كره أي شيء مرتبط بالتعبيرات العلنية للممارسة الدينية، وكجزء من حملة للحد من التعليم الديني في الوقت الذي كان الجيش يسيطر على السياسة التركية، قرر مجلس التعليم العالي التركي، وهو سلطة أنشأها المجلس العسكري الحاكم عام 1980 للسيطرة على جميع الجامعات في البلاد، إلغاء الاعتراف بالشهادة بعد وقت قصير من تخرجي“.

 

وتابع حسن أن ”هذا القرار خفض مستوى تعليمي إلى خريج من المدرسة الثانوية، وجعلني غير قادر على تأجيل الخدمة العسكرية الإلزامية، وبالتالي عطل تجديد جواز سفري، وفي ذلك الوقت، كان عليّ أن أنهي دراستي للدكتوراه في جامعة توبنغن في ألمانيا، وأغادر إلى الولايات المتحدة، حيث يمكنني الحصول على تأشيرة طالب أطول“.

 

وأشارت المجلة إلى أن المجتمع التركي المحافظ يتذكر هذه الأيام باسم (28 فبراير)، في إشارة إلى تاريخ إصدار مجلس الأمن القومي مذكرته في عام 1997، وهي العملية التي أجبرت في نهاية المطاف رئيس الوزراء المحافظ  نجم الدين أربكان على الاستقالة، وخلال هذه الفترة، لم تتمكن الطالبات اللواتي يرتدين الحجاب من دخول الجامعات أو البرلمان، وفُرضت قيود صارمة على خريجي المدارس الدينية الثانوية لدخول الجامعات، وأصبح الفوز الانتخابي لحزب العدالة والتنمية في عام 2002 ممكنا بفضل رد الفعل الشعبي الهائل على هذه العملية“.

 

وفي عام 2011، مع الاعتراف بشهادته، عاد حسن وفقا للمجلة، للمساهمة في جامعة إسطنبول شهير التي تأسست حديثا، والتي تم بناؤها من قِبل منظمة أكاديمية مرموقة، وهي مؤسسة العلوم والفنون، التي أسستها مجموعة من الأكاديميين المحافظين، بما في ذلك أحمد داوود أوغلو، وكان لها سمعة قوية في تركيا وخارجها.

 

وقالت ”فورين بوليسي“ إنه ”في رسالة مفتوحة إلى أردوغان في 20 مايو/ أيار، وصفت جمعية دراسات الشرق الأوسط جامعة إسطنبول شهير بأنها مؤسسة مستقلة للتعليم العالي سرعان ما أرست سمعة قوية في العديد من التخصصات الأكاديمية، وكانت ملاذا لوجهات النظر المتنوعة، وجذبت بعض العلماء الأكثر تميزا في تركيا“.

 

وبحسب إرم نيوز، فقد أوضح حسن للمجلة: ”لقد كان لديّ حماس للانضمام إلى هذه الجامعة الجديدة كعضو في هيئة التدريس، وذلك جزئيا انعكاسا لمعاناتي السابقة، لدرجة أنني تركت ورائي منصبا في كلية الفنون الليبرالية الأمريكية المرموقة“.

 

وذكرت المجلة أنه سرعان ما فقدت جامعة ”شهير“ رضا أردوغان، ومع افترق داوود أوغلو عن الرئيس وتشكيله حزبه السياسي الخاص، أعيد فتح القضايا القانونية المغلقة سابقا ضد الجامعة، وتعرضت الجامعة لمتاعب قانونية ومالية حادة.

 

وبات أمام الآلاف من طلاب ”شهير“ مستقبلا غامضا، واضطر المئات من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة إلى دخول سوق العمل، في وقت كان فيه العثور على وظيفة أكاديمية أمرا مستحيلا في خضم أزمة وباء كورونا، بحسب المجلة.

 

وأضافت المجلة ”استمرت تجربة حسن مع الأنظمة الاستبدادية في قمع المؤسسات التي لا تحبها، على الرغم من اختلاف التوجه الإيديولوجي لدى النخب الحاكمة في فترات مختلفة، وبالطبع، لم يكن ما حدث لجامعة (شهير)، أول حالة لقمع الحرية الأكاديمية في تركيا، فقد شهدت تركيا على مر التاريخ عمليات تطهير أدت إلى طرد مئات الأكاديميين من مناصبهم خلال فترات الحكم الاستبدادي العسكري والمدني على حد سواء“.

 

وذكرت أنه في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الأخير في 15 يوليو/ تموز 2016، تم إغلاق العديد من الجامعات بسبب صلاتها المزعومة مع  فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بالتخطيط لمحاولة الانقلاب.

 

وقالت ”فورين بوليسي“ إنه ”مع ذلك، ما تظهره قضية إغلاق (شهير)، على وجه التحديد هو أن المعركة قد اتخذت الآن مرحلة جديدة وتحولت إلى معركة داخلية داخل الحزب الحاكم، وعلى الرغم من أن (شهير) كان جامعة ليبرالية تضم العديد من أعضاء هيئة التدريس من وجهات نظر مختلفة، إلا أنه كان لا يزال يُنظر إليه كمؤسسة بنتها النخب المحافظة، وربما كانت ثقافة الحرم الجامعي العالمي الفريد لا مثيل لها في أي مؤسسة أخرى في البلاد، وعلى الرغم من قصر تاريخها، إلا أن الجامعة كان لها سمعة مؤسسة من الدرجة الأولى، وبالتأكيد، فإن إغلاقها سيترك ندبة عميقة في النفس المحافظة، كحالة انقلبت فيها السلطة المطلقة التي تحققت من خلال ثورة ديمقراطية انتخابية ضد أبنائها وبناتها“.

 

وأضافت بقولها: ”ألقى داوود أوغلو، الذي يتزعم الآن حزب المستقبل المحافظ الذي يتحدى حزب العدالة والتنمية، باللوم مباشرة في الإغلاق على أردوغان، كما أعرب نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان، الذي أصبح الآن زعيم حزب الديمقراطية والتقدم، عن رد فعله على تويتر، واصفا عملية قرار الإغلاق بأنها عدائية وغير قانونية“.

 

وأردفت المجلة بقولها: ”في إشارة إلى ظهور روح تحالف متعدد الأحزاب مؤيد للديمقراطية، أدانت جميع أحزاب المعارضة الأخرى، قرار إغلاق جامعة (شهير)، واعتبرت أن إغلاق جامعة أكاديمية مرموقة بحجة الضائقة المالية ليس سوى جزء من برنامج سياسي أكبر من السلطوية الرجعية، كما يحاول الائتلاف الحاكم تشكيل عقول الشباب من خلال فرض الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي“.

 

واستشهدت المجلة بدراسة أجرتها مؤسسة ”سوديف“، وهي منظمة بحثية مقرها إسطنبول، توصلت إلى أن الأغلبية الكبيرة من الشباب (70%) لا يعتقدون أن مؤهلاتهم ستكون كافية ليعثروا على وظيفة، إذا لم تكن لديهم علاقات قوية بما فيه الكفاية.

 

ولفتت إلى أن ”نسبة البطالة بين الشباب بلغت  27 % في عام 2019؛ ويشير 62 % من الشباب إلى أنهم سيغادرون البلاد للبحث عن مهنة في الخارج إذا أتيحت لهم الفرصة للقيام بذلك، بل ونصف الشباب الذين يعتبرون أنفسهم من مؤيدي الحزب الحاكم يقولون إنهم سيفعلون الشيء نفسه“.

 

وقالت ”فورين بوليسي“ إن ”الاستياء الذي شعر به الشباب في المجتمع التركي كان واضحا خلال برنامج مباشر على ”يوتيوب“ نظمه الرئيس، وتوافد الشباب على الموقع فقط لترك تعليقات سلبية والضغط على زر (الكراهية)، وهو أمر دفع الحكومة لتجنب مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وعلاوة على ذلك، في أعقاب بعض الإهانات الشخصية على ”تويتر“ ضد ابنة أردوغان إسراء، وهي زوجة وزير المالية التركي بيرات البيرق، كانت هناك دعوات متزايدة ضد شركات التواصل الاجتماعي، وفق المجلة.

 

وقالت المجلة: ”أصر أردوغان أنه يدرك أهمية مواقع التواصل الاجتماعي خلال محادثته مع الشباب الأتراك، لكنه أعرب في وقت لاحق عن رد فعله ضد منصات التواصل الاجتماعي التي تنشر (الأكاذيب والافتراءات والاعتداء على الحقوق الشخصية والكرامة)، داعيا إلى اقتراح برلماني لإزالة مواقع التواصل الاجتماعي والسيطرة عليها، مشيرا تحديدا إلى يوتيوب وتويتر“.

 

وبينت المجلة أن ”الحكومة التركية تطالب شركات مواقع التواصل الاجتماعي بفتح مكاتب لها في تركيا، حتى يمكن فحص هياكلها المالية ومحتواها رسميا، ولا تعتبر الحملة ضد تويتر جديدة، ففي عام 2014، أغلقت تركيا منصة التواصل الاجتماعي، لكن الحظر استمر شهرا فقط“.

 

وذكرت أنه ”في تحدٍ صريح ضد الحظر، أعرب الرئيس السابق عبد الله غول، وهو صوت ليبرالي في الأوساط السياسية المحافظة في تركيا، عن رد فعله من خلال نشر تغريدة على تويتر“.

 

ورأت المجلة أن ”السبب الأكبر لغضب الحكومة من شركات التواصل الاجتماعي هو أنها توفر منصة للمعارضة والأصوات الناقدة“.

 

وقالت المجلة إنه ”نظرا إلى تزايد احتكار المؤسسات الإعلامية التقليدية من قِبل شخصيات موالية للحكومة، الأمر الذي يحد بشدة من فرصة المعارضة في بث آرائها، فإن القيود التي اقترحها أردوغان على مواقع التواصل الاجتماعي مدفوعة بأهداف سياسية، ولم يبق سوى عدد قليل من المؤسسات الإعلامية خارج سيطرة الحكومة، وتفرض عليها هيئة تنظيم الإعلام الحكومية العقوبات بانتظام“.

 

وأضافت أن ”الأهم لحزب العدالة والتنمية الحاكم، هو أن الأحزاب السياسية الجديدة التي شكلها أعضاؤه السابقون مثل داوود أوغلو وباباجان، تستخدم منصات التواصل الاجتماعي في حملاتها الانتخابية ومخاطبة الناخبين، والعديد من المقابلات التي أجراها معهم صحافيون مستقلون فقدوا وظائفهم في قطاع الإعلام التقليدي يشاهدها ملايين الأشخاص على موقع يوتيوب، وبدون مواقع التواصل الاجتماعي، لن يجد الجمهور التركي سوى القنوات التقليدية المملوكة للحكومة“.

 

وشددت المجلة على أن ”قضايا إغلاق (شهير) ومواقع التواصل الاجتماعي تكشف عن يأس الائتلاف الحاكم، في الوقت الذي تكافح فيه تركيا أزمة اقتصادية كبيرة وتحولا ديموغرافيا يزيد من عدد الناخبين الشباب في الانتخابات المقبلة، وعلى الرغم من أن أردوغان كان في يوم ما زعيما يلهم الإصلاح والتمسك بالديمقراطية، إلا أنه أصبح اليوم عاجزا عن تنشيط المجتمع التركي الذي يتزايد عدد شبابه، ولذلك فهو يسعى بدلا من ذلك إلى السيطرة على عقلية الشباب المتعلمين في المجتمع التركي من خلال حرمانهم من الوصول إلى بيئة أكاديمية وإعلامية متنوعة“.

 

وخلصت المجلة إلى أنه ”رغم هذه الصورة، لا يزال هناك مجال للتفاؤل، حيث أظهر التاريخ، أن تركيا لا تستطيع أن تحافظ على أسلوبها السلطوي لفترة طويلة، فكونها دولة فقيرة في مجال الطاقة، هذا يجعلها تحتاج إلى اقتصاد تصديري ديناميكي ذي توجه اقتصادي ليبرالي، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الانفتاح على العالم الخارجي، والتعرض لمجموعة متنوعة من الأفكار ووجهات النظر، وإبقاء شبابها متفائلين بشأن مستقبل أمتهم“