من هو العلامة علي بن محمد بن عبدالله مديحج

بروفايل

اليمن العربي

كان ميلاد القاضي علي مديحج يوم الاثنين في (18/3/1929 ميلادي) من عام (1350) للهجرة في بلدة غيل بن يمين، ولم يكن أباه موجوداً حين ولادته، وإنما كان مشتغلاً بالدعوة والتعليم في دولة جيبوتي، وأرسل إليه ذويه يزفون إليه بشارة ولادته، فأرسل إليهم أن سموه (علي زين العابدين).

 

كانت باكورة تعلمه على يد والده في المدرسة التي أقامها بالريدة، وتلقى فيها الدروس الأولية في الفقه والسيرة والسلوك، وختم القران في سن مبكر وهو ابن العاشرة من العمر.

 

وفي أوائل شهر صفر سنة (1365هـ) وقع والده السيد محمد أحد ضحايا وباء حمى التيفوئيد الذي انتشر في المنطقة، فطلب من أخيه أحمد أن ينقله الى الشحر بمعية "ابنيه علي وحسين وزوجته " ووصلوا إليها بعد ثلاثة أيام بعد منتصف الليل، وفي صبيحة اليوم الأول من وصولهم إلى الشحر في 21 صفر من سنة (1365هـ) انتقل والده السيد محمد بن عبدالله مديحج إلى رحمة الله تعالى.

 

كان مهد دراسته الثاني بعد العليب في مدينة الشحر بعد أن استقر المقام بها في مدرسة "مكارم الأخلاق"  وتلقى فيها أساسيات العلم الشرعي واللغة العربية وغيرها من العلوم، وكان يديرها مؤسسها العلامة الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن بن الشيخ أبوبكر وقد أحاطه بعناية خاصة من تربية وتعليم.

 

وفي عام(1366هـ) سافر الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن بن الشيخ أبوبكر إلى غيل باوزير وأخذ معه بعض الطلبة الذين يهتم لأمرهم كان من بينهم السيد علي مديحج حتى يدرسوا في رباط العلامة بن سلم.

 

بعد اجتيازه اختبار القبول صار طالبا في الرباط واشتهر بتميزه وذكائه وتجاوزه لأقرانه، وقد أخذ عن مشائخ الرباط العلم على رأسهم العلامة البحاثة شيخ الرباط السيد محسن بن جعفر أبونمي والشيخ أحمد باغوزة والشيخ محمد بلحيد باوزير وأخذ كذلك عن الشيخ محمد عتعوت باوزير ومكث في الرباط أربع سنوات متفرغاً للطلب.

 

بعدها إلتحق بمدرسة القضاء الشرعي لأخذ الإجازة العلمية التي تؤهله في ذلك الوقت لأن يصير قاضياً شرعياً معتبراً من السلطنة القعيطية، ودخلها بإشارة من شيخه العلامة السيد محسن أبونمي القائم بالاشراف الفني والإداري على طلبة القضاء وتدريسهم وكان السيد علي يعبر عن الدوافع التي دعته للالتحاق بسلك القضاء قائلاً: "التحقت بها لا رغبة في وظيفة القضاء وإنما الرغبة الاكيدة في الدراسة وطلب العلم".

 

والتحق بكورس القضاء للفريق الثالث متأخراً عنهم سنة كاملة في شهر محرم من سنة (1359) للهجرة الموافق (1949) في بداية شهر نوفمبر برفقة زملائه في الكورس وهم:

 

• القاضي عبدالله علي بامخرمة

• القاضي عبد القادر محمد العماري

• القاضي احمد عمر بامخرمة

 

كان النظام بالنسبة لطلبة القضاء أن مدة الدراسة تأخذ سنتين، وبعد كل ستة أشهر يكون هناك امتحان، ومن سقط في الامتحان يفصل نهائياً من الكورس ولما كان الامتحان النهائي بالنسبة للثلاثة المذكورين والفصلي بالنسبة للسيد علي لتأخره، نجح القضاة الثلاثة في امتحانهم ونجح السيد علي أيضا في امتحانه الفصلي فتخرج الثلاثة وأصبحوا قضاة وباشروا عملهم في المحاكم أما السيد علي فلم يتخرج وأعطي مدة للتدريب عند القضاة في المحاكم تقدر بنحو سنة وقليل كفترة تطبيقية.

 

تدرب أولاً بالمحكمة الأولية بالمكلا عند القاضي أحمد عوض بامخرمة ثم انتقل بطلب منه إلى محكمة غيل باوزير عند القاضي علي سعيد بامخرمة ثم تحول إلى الشحر ليعمل عند قاضيها عبدالله عوض بامخرمة وفي هذه المدة استفاد منه ومن زميله القاضي عبدالله محفوظ الحداد وقرأ أيضاً على شيخه عبدالله بن عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر وعلى الشيخ عوض مصاقع.

 

وبعد تمام فترة التدريب المقررة له، والمقدرة بسنة وقليل، عاد أدراجه الى غيل باوزير لإكمال الدورة القضائية الشرعية مرة أخرى في كورس القضاء ليتم سنته الأخيرة فيه وألحق بالفريق الرابع برفقة الشيخ سعيد بن محمد برعية، وأتم دراسته بتفوق ونجاح وتخرج سنة (1953م).

 

بعد هذه الرحلة من الأخذ والتلقي التي استغرقت بمجملها تسع سنوات تقريبا من الجد والاجتهاد وطلب العلم فقط دون الانشغال بشي آخر عيّن قاضياً رسمياً في مدينتي الريدة وقصيعر من عام (1953م الى 1957م) في عهد السلطان عوض بن صالح القعيطي.

 

اعتاد القضاة السابقين الذين تولوا القضاء في هاتين المدينتين قلة المسائل الخلافية لأن المنطقة جبلية وسكانها من البدو، والمسافات شاسعة ومتباينة بين المناطق والمحكمة فيلجؤون الى حل المسائل فيما بينهم البين فيما عدا المسائل الكبيرة التي تتطلب تدخل اقوى باسم الدولة يستعينون بالمحكمة فيها.

 

ولما عيّن قاضياً عليها استحدث وسيلة لها فوائد عظيمة وجمة في مصلحة القضاء تلبي مقاصد الشريعة الغراء وهي "الحكم على العين" فكان إذا حضرت إليه مسألة خصام على أرض معينه مثلاً يفرّق بين الشهود ويتحرك معهم إلى الأرض التي عليها الخصام وتأخذ المسافة في بعض القضايا مسيرة نصف يوم من المشي وركوب الجمال حتى يصلوا إليها، وينصب كرسي القضاء وسطها وتكون الأرض العينية هي أرض المحكمة ويجتمع أهالي وسكان المنطقة فيملؤون المكان وهذه وسيلة لفضح الكاذب، وكثيراً ما يعلن بعض الشهود انسحابه قبل البدء في المحاكمة، ويستدعي شاهدا تلو الآخر علناً أمام الناس فيشهد، ويسمح القاضي لأهل المنطقة بالسؤال إن كان لديهم، وكان يقول كثيرا ما شهدت تضارب الشهود وانكشاف الكاذب وافتضاحه بين الناس، الأمر الذي جعل من الناس تعظم معنى الشهادة فكانوا لا يشهدون إلا عن يقين تام، وفي المقابل ارتفعت درجة احترام الناس له وأجلوه، ولم يكن مطالباً بفعل أي شيء مما ذكر إلا ورعاً وخوفاً من الله وتقديراً لمكانة ورسالة القضاء وإدراكاً لوظيفته.

 

كان اسهام وزارة العدل والأوقاف كبيراً، وقد باتت نشاطاتها تتوسع يوماً بعد يوم في إيجاد فرص للكوادر العلمية للازدياد من العلم والمعرفة وربط البلاد بكتلة علمية متينة عن طريق ابتعاث الطلاب المتميزين والناجحين والراغبين في مواصلة التعليم وتوسيع المدارك والنهل من علوم الشريعة الإسلامية إلى مراكز العلم في الخارج وكان من بين من رشح لهذه الفرصة القاضي علي مديحج، وكانت الوجهة التي اقترحت له هي جامعة الخرطوم للدراسة في كلية الحقوق قسم الشريعة الإسلامية في السودان.

 

وممن يذكرهم من الأساتذة الذين كان لهم دوراً كبيراً في تدريسه في الجامعة وأبقوا لديه أثراً وهم:

• الأستاذ محمد يوسف موسى (أحد علماء الازهر الكبار)

• الدكتور احمد عبد الوهاب الغندور (عميد الكلية)

• الأستاذ إبراهيم النور.

 

وقد تهيئت له فرصة الالتقاء برفقة زميل الدراسة القاضي عبدالله محفوظ الحداد بالعلامة الحبيب أحمد مشهور بن طه الحداد أثناء مروره بالسودان قاصداً أحد البلدان للدعوة الى الله، وقد تخرج من الجامعة وتحصل على الشهادة الجامعية في تاريخ (1/ابريل/1961م).

 

وعيّن بعد رجوعه أولاً في أواخر سنة (1961م) قاضياً على مدينتي الديس والحامي، واستمر قاضياً في تلك المدينتين مدة سنتين الى عام (1963م) وحُوّل بعدها ليكون قاضياً على لواء شبام بالإضافة الى القطن ودمون واستمر فيها مدة ثلاث سنوات من عام (1963م) الى عام (1965م).

 

بعدها نُقل من شبام ليتولى القضاء في المحكمة الابتدائية في المكلا عاصمة السلطنة القعيطية آنذاك عام (1965م) وهو نفس العام الذي عين فيه السيد عبدالله محفوظ الحداد رئيساً للمجلس العالي للقضاء في حضرموت بعد أن كان رئيساً لمحكمة الاستئناف، واستمر القاضي علي في المحكمة الابتدائية الى عام (1967م).

 

وبسبب ممارسته للأعمال القضائية بتميز، ونجاحه فيها نجاحاً باهراً، عين رئيساً لمحكمة الاستئناف بالمكلا.

 

في عام (1967م) عندما أصدرت الحكومة قرارها في تنظيم المحاكم الشرعية النهائية وتقسيمها الى ثلاث محاكم استئنافية موزعة على المكلا وسيئون، وكان يرأس المجلس العالي للقضاء بالمكلا حينذاك السيد عبدالله بن محفوظ الحداد وتسمى بمحكمة النقض والابرام النهائية، أما القاضي علي فقد تراس محكمة الاستئناف مدة من الزمن مع أعضائها القاضي عمر بن احمد المشهور والسيد شيخ بن علي.

 

وفي عام (1975م) تغيرت الألقاب والاسماء للمحاكم الشرعية وبعض القوانين بقرار وزاري من حكومة ما بعد الاستقلال، وعين رئيساً لمحكمة المحافظة أعلى منصب قضائي آنذاك مع أعضاءه وهم:

• الشيخ سالم بن محمد بامخرمة

• الشيخ احمد عوض بامخرمة

• الشيخ عمر بن أحمد المشهور .

 

ثم إنه تورع عن الرئاسة وتنازل عنها ليصبح عضواً بها فقط.

 

وفي عام (1976م) تقدم باستقالته من كرسي القضاء بعد أن أمضى حوالي عشرين سنة من حياته وهو يعمل في السلك القضائي والإداري وطلب من الجهات المعنية تحويله الى إدارة الأوقاف والشؤون الدينية فاستجابوا لطلبه، وتم تعيينه مديراً لها بالمحافظة.

 

وفي عام (1980م) انتهت سنواته الخدمية لدى الحكومة فترجح عنده أن يطلب التقاعد، واستجابت الحكومة لطلبه وحقه القانوني فأحالته الى التقاعد ليحل محله الشيخ سعد باشكيل.

 

رشح في تاريخ (1/يناير/1997م) لعمادة كلية البنات في جامعة الأحقاف إلى جانب تدريسه بها لمادة "الفقه الشافعي" الذي برع فيه خصوصاً فيما يتعلق بأمور الناس من فقه المعاملات والفرائض.

 

وقد تولى الإمامة بمسجد مشهور ثم بمسجد بازرعة بالمكلا سنوات عديدة وتولى الخطابة بمسجد الشهداء بديس المكلا سنوات طويلة ثم انتقل  للخطابة بمسجد عمر بعد وفاة القاضي عبدالله الحداد لمدة تقارب "17" سنة وكانت له جهود في الوعظ وإقامة الدروس، وخلف القاضي عبدالله الحداد في دروسه التي يقيمها في منزله، وتولى الفتوى في مدينة المكلا بعده، وكانت له برامج وعظ وفتوى تبث على الإذاعة المحلية لمدينة المكلا مع استمراره في إقامة الدروس في المساجد، وفتح بيته لطلبة العلم فكان يقيم درسين في الأسبوع وما عداها  من أيام الأسبوع يكون بيته مفتوحاً للقراءة عليه والاستفسار في المسائل العلمية وطلب الفتوى. 

 

وكانت له صولات وجولات في كثير من البلدان العربية كالمملكة العربية السعودية والعراق ومصر والسودان والكويت وسوريا.

 

انتقل إلى رحمة الله فجر يوم الجمعة الموافق (05/06/2020)، رحمه الله رحمة الأبرار وغفر له ما قدم، ونفعنا بعلومه في الدارين