كورونا والتطوير التشريعي لوقف مدد الطعن

اليمن العربي

 

يعد النص القانوني كائن فاعل في المجتمع , فهو حدث تواصلي يلزم أن يكون مكتملاً ,لذا يُفترض أن تكون صياغة القواعد القانونية استجابة لمتطلبات الحاجة الاجتماعية , بأن تكون ملائمة في حكمها لكل ما يستجد في الحياة من حالات قد تعد عائقاً لوصول الشخص إلى حقوقه , وعلى نحو يلزم الكافة بمضمونها.

وبناءً على هذا , نرى إن غياب مثل تلك الغاية في القاعدة القانونية لما تنظمهمن مسائل معينةفي حكمها, يعدُنقصاً تشريعياً , لا بد من الالتفات إليه , ومعالجته بالتعديل التشريعي .

   وفي إطار وضعنا الحالي وما نمر فيه بسبب انتشار وباء كورونا ( كوفيد-19 ) , تعطلت كل مجالات الحياة تقريباً ومنها المجال القضائي , والذي يضطلع بمهمة أساس تتمثل في تحقيق العدالة وإيصال الحقوق لأصحابها من خلال ما ينظره من منازعات أمام المحاكم المختصة , على وفق القانونمن دون إبطاء.

   فبسبب وباء كورونا وما أدى إليه هذا الوباء من ضرورة فرض الحظر الشامل على جميع محافظات العراق تعطل القضاءفي إداء مهامه , فلا يستطيع الطاعن أن يقدم طعنه , والذي حدد القانون على سبيل الحصر مدة معينة لوجوب تقديمالطعنوإلا سقط حقه فيه .

   وفي ضوء ذلك , من الممكن أن يسهم وباء كورونا في التطوير التشريع لأسباب وقف مدد الطعن , فذلك الوباء يمكن توصيفه بأنه من تطبيقات القوة القاهرة التي تتوقف بها مدة الطعن ؛ حيث إنه يعدُ حدثاًخارجياً،لايمكنتوقعه،ولادفعهمطلقاً.

    فالطعن في الحكم خلال المدة المحددة قانوناَ , يعدٌ مجالاً لتطبيق القوة القاهرة كون التزام بعمل, فيعمل وباء كورونا عمل القوة القاهرة في إيقاف الميعاد المقرر قانوناً للطعن في الأحكام ، وعدم احتساب المدة المسقطة لسماع دعوى الطعن .

    وإذا ما انتهينا إن وباء كورونا, يمكن توصيفه بأنه من تطبيقات القوة القاهرة , التي يكون لها وحدها التأثير على المواعيد القانونية بأن توقفها أو تطيل آجالها, فهل يصح أن يعد هذا الوباء من أسباب وقف الطعن التي نظمها المشرع العراقي ؟

تعدُ طرق الطعن من الوسائل التي ينظمها المشرع ليتمكينبها المحكوم عليه في الحكم القضائي من اصلاح الأخطاء المحتملة الوقوع من القاضي اثناء نظره للنزاع ,الذي كان معروضاً عليه للفصل فيه خلال مدة محددة.

وبانقضاء مدد الطعن يصبح الحكم القضائي عنواناً للحقيقة , ويمتنع المساس بها بأي وجه من الوجوه, إذ حدد المشرع لكل طريق من طرق الطعن مدة وجب تقديم الطعن خلالها إلى المحكمة المختصة بنظره , ورتب على عدم تقديمه خلالها سقوط الحق في الطعن, وهذا ما نصت عليه المادة (171 ) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.

فتلك المدد تعدُ من مدد سقوط الحق وليست من مدد التقادم ,ومن ثم لا يُسمَع أي عذر لقطع تلك المدة أو وقفها عدا الحالات المنصوص عليها في المادة (174) من ذات القانون المذكور,والتي حُدِدَت بوفاة المحكوم عليه أو فقد أهليته للتقاضي أو زوال صفة من كان يباشر الخصومة نيابةً عنه, بعد تبلغه بالحكموقبل انقضاء المدة القانونية للطعن.

   وتوقف المدة إلى حين تبليغ مَن يقوم مقام المحكوم عليه , ويبدأ سريان المدة المحددة للطعن من جديد من اليوم التالي لتبليغ من يقوم مقام المحكوم عليه في حالة الوفاة أو الفقدان أو زوال الصفة, مادامت مدد الطعن لم تنته قبل تحقق أحد تلك الأسباب الثلاث , أما إذا انتهت فلا يكون للخلف الطعن في الحكم.

  وعلى وفق ما تقدم, إن ما استنتجناه في وصف وباء كورونا , بأنه من تطبيقات القوة القاهرة لا يمكن عده من الأسباب التي توقف بها مدة الطعن بموجب المادة (174) , فالأسباب التي توقف بها مدة الطعن محددة في هذا المادة على سبيل الحصر .

 في حين إن وقف المدد القانونية , ومنها مدد الطعن يَعِدُ من آثار القوة القاهرة , ومن مصاديق هذا الأثر مايشهدهُ وضعنا في العراق بسبب وباء كورونا وما يرتبه من آثار , أدت إلى توقف جميع المحاكم في إداء عملها ,ومنها محاكم الطعن , فيكون من الطبيعي توقف مدد الطعن , ومن ثم عدم إمكانية الطاعن الطعن بطرق المحددة قانوناً.

بعبارة أخرى , إن التنظيم التشريعي لأسباب وقف مدد الطعن في الأحكام , يفتقر إلى معالجة القوة القاهرة من ضمن تلك الأسباب , على الرغم مما يشهده الواقع العراقي من تطبيقات عديدة للقوة القاهرة , وما يصاحب تلك التطبيقات وقفاُ فعلياً لتلك المدد .

    وعليه , نرى ضرورة قيام مشرعنا العراقي بالتعديل التشريعي لنص المادة (174) من قانون المرافعات المدنية النافذ , ومن ثم عَد القوة القاهرة بما تتضمنه من تطبيقات مرتبة لأثرها , من الأسباب التي تتوقف بها مدد الطعن في الأحكام القضائية بقوة القانون .

ونستد في ذلك, إلى إن لصياغة النص أثراً مهماً في حمل الحكم القانوني الذي يتضمنه النص التشريعيعلى أن يُطبق على كافة الحالات التي يشملها روح ومفهوم النص, وبهذا يتحقق التماسك المعنوي لنصالمادة (174) من قانون المرافعات المدنية النافذ, فتكون له استمرارية دلالية على العلاقات القانونية المرتبطة بالوقائع التي تتضمنها مفاهيمه , ومن ثم تطبيق حكمها على كل زمن للمناسبة التي تنطبق عليها تلك الوقائع.