كاتب يُقارن بين كورونا الصين وكورونا الإيراني

عرب وعالم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قال الكاتب بسام بلان، "مثلما توقعنا في مقال سابق نُشر على هذا المنبر المحترم، لا يزال فيروس كورونا وتطوراته وتأثيراته التي طالت مختلف الصعد الحياتية للشعوب والدول على حد سواء، حديث الناس ومركز الحدث الذي تلاحقه وكالات الأخبار وتتلقف أي تفصيل مهما كان صغيراً عنه".

وأضاف الكاتب في مقال نشره "العين الإخبارية "ولعل آخر هذه التأثيرات هي إجباره قطار العولمة على إبطاء سرعته لجهة اقتحام الحدود الوطنية وتحطيمها، وتسارعه الكبير لجهة تأثيراته المباشرة على الاقتصاد العالمي بكل مقوماته.

ومضى "وفي هذا السياق، صار من الطبيعي إلحاق اسم الدولة التي حلّ كورونا ضيفاً ثقيلاً عليها لتحديده أكثر. فمثلاً صار من المُستساغ القول: كورونا الصيني وكورنا الإيراني وكورونا الإيطالي أو الكوري أو الخليجي أو الإنجليزي.. إلخ. ويأتي إلحاق اسم الدولة به اختصاراً للتعريف عن الإجراءات المتبعة لمواجهته واحتوائه ومدى شفافية هذه الدول في إدراة أزمتها معه. ومن هذا المنظور لاحظنا كيف سقطت دول وارتفعت أخرى.

وبحسب الكاتب، فإن "المتابع لنشرات الأخبار وإحصاءات المصابين به والناجين منه والوفيات الناتجة عنه، سيعرف من العنوان الأول أن كورونا في هذه الدولة نمر شرس، وفي تلك أرنب مذعور يبحث عن مكان للاختباء؛ فمن يطارده صياد يقظ محترف. وهنا سأضرب مثالين من دولتين فقط؛ هما الصين وإيران.

فالصين، التي لا يزال من المؤكد أنها كانت الرحم الذي خرج منه كورونا وانتشر، استطاعت أن تبدع أساليب خلاقة لمواجهته، متجاهلة كل ما تعرضت له من انتقادات وحروب نفسية جاءتها من كل حدب وصوب، وبالتالي جاء امتحان كورونا الشاق ليؤكد ريادتها. فقد استطاعت أن تجند التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بأبعادهما القصوى لمواجهة وإدارة هذه الأزمة وتحقيق نجاح كبير في لجمه والحد من انتشاره، وبدأنا بالفعل نطالع انخفاضاً ملحوظاً بعدد المصابين والموتى وارتفاعا بعدد الناجين ممن أصيبوا به.

وفي الصين أماط كورونا اللثام عن أهمية الروبوت كمساعد موثوق به للطواقم الطبية وأحياناً كبديل عنها، لتجنيب البشر مخالطة المصابين، وبالتالي نقل العدوى إليهم، حيث جندت الروبوت للكشف عن المرضى وتسجيل حالاتهم ورفع التقارير الخاصة بهم للطواقم الطبية المتخصصة. واتبعت الإجراء نفسه عندما اعتمدت سيارات الإسعاف بدون سائق لنقل المرضى وإيصال المواد الطبية.. فيما لعبت الطائرات بدون طيار "الدرونز" دوراً كبيراً في التوعية وتعقيم الأماكن والمسح السريع للناس في الشوارع وإرسال البيانات إلى غرف تحكم متخصصة تصدر الأوامر الفورية لمواجهة أيّ طارئ.

كما استفادت من إمكانات الجيل الخامس للاتصالات في إدارة أزمتها مع كورونا من خلال ربط الروبوتات وسيارات الإسعاف بدون سائق والطائرات بدون طيار وغرف التحكم بعضها ببعض، الأمر الذي مكنها من اكتشاف المرضى المحتملين وتحديد البؤر الجديدة للفيروس. وتمكنت باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات جيل الاتصالات الخامس من إجراء جلسات تشخيص فورية عن بُعد لتحديد حالات المرضى وتطورها.

واعتمدت تطبيقات الهواتف النقالة والكاميرات والشاشات الذكية للمراقبة الذكية. وبالتقنيات العملاقة بنت مستشفى خاصا في غضون أيام وجهزته بكل ما يلزم لاستقبال المصابين، الأمر الذي مكّنها من السيطرة على هذه الجائحة بكل ثقة واقتدار.. وبالتأكيد تعمل مختبراتها، المزودة بآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، منذ اللحظة الأولى لاكتشاف علاجات هذا الفيروس، وقد تُفاجئ العالم في أي لحظة بالإعلان عن توصلها إليه.

على الجانب الآخر، في إيران التي أصبحت إحدى بؤر تفشي وانتشار كورونا، عمدت إلى مواجهته بإجراءات أثارت الذهول لشدة غرابتها؛ فقد أوكلت مسؤولية مواجهته للحرس الثوري الإيراني (؟!)، ولم يستطع أحد أن يفهم أو يتفهم أبعاد هذا القرار الذي ألغى دور وزارة الصحة كلياً، أو بأحسن الأحول جعلها تابعاً صغيراً تأتمر بأمر مؤسسة عسكرية مشبوهة ومُعاقبة من غالبية دول العالم ومُصنفة كجهة إرهابية تزعزع استقرار الإقليم والعالم.

وفي الوقت الذي تأكد للصين أن تفشي فيروس كورونا أصبح مسؤولية أخلاقية تتحملها وتُحملها لأجيالها القادمة، وجدنا أن إيران غيّبت الشفافية والوضوح عن هذا الملف، وهي بالطبع لم تقم بذلك استثنائياً لأن كل سياستها تُحاك وتُنفذ في الظلام، وما اضطرها للإعلان عن حجم هذه الجائحة على أراضيها هو فشلها بالسيطرة على مفهوم "كل مواطن صحفي" الذي بات حقيقة عالمية، وبعدما فشلت في إقفال صنابير الشبكة العنكبوتية والحد من مقدرتها على الوصول إلى أيّ مكان ومن أيّ مكان. ونتيجة ذلك اجتاح كورونا أقاليمها كافة، ومعظمنا شاهد بالصوت والصورة الفيديوهات التي انتشرت من المدن الإيرانية وتُظهر الناس وهم يتساقطون بأوراق الخريف في الشوراع جراء إصابتهم بالفيروس.

وفي الوقت الذي لم تتردد فيه الصين في إعلان مدن تضم ملايين السكان مناطق مغلقة محجوراً عليها صحياً، سعت إيران بكل وسائل دعايتها السياسية وسخرت كل شعاراتها القومية لتمرير الانتخابات البرلمانية، ضاربة عرض الحائط بكل التحذيرات والتعليمات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية التي ما انفكت تحذر من خطورة التجمعات والاحتكاك المباشر بين الناس، كإجراء احترازي لا بد منه.

وبذلك أنزلت الملايين إلى مراكز الاقتراع في انتخاباتها العامة ليبدأ مؤشر الإصابات والوفيات بالتصاعد والخروج عن السيطرة. في الوقت الذي كان المطلوب منها فيه اللجوء للحكمة وتأجيل هذا الاستحقاق، لأنه من البديهيات تقديم سلامة الناس على أي قضية أخرى. وبذلك أثبتت طهران مرة أخرى أن حياة مواطنيها ليست في صدارة قائمة أولوياتها.

وفي الوقت الذي قامت فيه غالبية الدول بوضع ضوابط صارمة للشعائر والطقوس الدينية الجماعية، كما فعلت المملكة العربية السعودية بتعليق شعيرة العمرة، وكما فعل كثير من الدول بتعليق الصلاة في الكنائس، تعامت سلطات الجمهورية الإيرانية الإسلامية عن كل التحذيرات الخاصة بذلك، لتتحول مدينة قُم بيئة موائمة لترعرع كورونا ومركزاً لنشره في إيران وجوارها، وكل الإصابات تقريباً التي سُجلت في لبنان وسوريا، التي لا تزال تتكتم عليها، وفي العراق والبحرين والكويت والمملكة العربية السعودية وباكستان وغيرها، كانت لأشخاص قادمين من إيران حاملين هدية كورونا القاتلة لمواطنيهم ودولهم. ولولا الإجراءات الصارمة التي اتبعتها هذه الدول لكانت الخسائر أكبر من أن تُحصى. كما لم تفرض طهران الحظر على سفر مواطنيها لممارسة هذه الشعائر، وبخاصة في سوريا والعراق.

الحرس الثوري الإيراني الذي تسلّم ملف مكافحة فيرس كورونا من خلال قواته البرية (!!)، أعلن أنه يمتلك تسعة مستشفيات ثابتة وعشرة متنقلة جاهزة للعلاج كما قال، فهل باستطاعة هذه المرافق المحدودة مواجهة جائحة امتدت على كامل التراب الإيراني، كما يؤكد مسؤولوها، واستيعاب ملايين الإيرانيين المطلوب إخضاعهم للفحوصات؟! الجواب بالتأكيد سلبي، خصوصا أن إيران ترزح تحت نير عقوبات قاسية منذ عقود وغير مجهزة بالتقنيات الناجعة لذلك. فضلاً عن أن واحداً من طرق السيطرة على الفيروس المستجد تكمن في تبادل المعلومات بين الدول، وهو ما لم يتحقق بسبب عزلة إيران الناتجة عن سياساتها الاستعدائية ومشاريعها العقائدية، وبسبب العقوبات الدولية المفروضة على مؤسسة الحرس الثوري وحظر التعامل معها.

فيروس كورونا، رغم المآسي الناتجة عنه، أثبت من جديد أن الدول بمعناها الأخلاقي والمسؤول وطنياً وإنسانياً كلٌّ لا يتجزأ. والدول التي تقوم سياساتها وعقيدتها الوطنية والقومية على ضرب الأمن والاستقرار اللازمين لأي تطور إنساني، يمكنها أن تذهب بهذه السياسات إلى أبعد مدى من دون أن يرف لها جفن أو يردعها رادع.

ليبقى أن الحرس الثوري الإيراني الذي استخدم كل الوسائل العسكرية والمخابراتية والاقتصادية لإجهاض دول بأكملها وزرع الشقاق والفتن بين شعوبها لاتباعها كلياً أو جزئياً بولاية الفقيه، قد امتلك اليوم ملف إدارة "سلاح بيولوجي" فتّاك.. فهل يوجد أي ضمانة لتعامله معه بمسؤولية إنسانية؟

واختتم الكاتب "ثم؛ هل كانت الأسرة الدولية، بكل تشكيلاتها، مُحقّة عندما بذلت كل جهودها لمنع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية ومخاوفها المُحقة بتحولها إلى خطر مُحدق لن يسلم منه أحد بسبب المخاوف المشروعة من سوء استخدامها؟ فالثابت أن التكنولوجيا مهما كانت سلاحا ذا حدين؛ فهي نعمة بيد مُستخدمها المسؤول، ونقمة بيد من يحولها إلى أداة من أدوات السيطرة وتحقيق المشروعات المشبوهة، دون أي رادع.