كاتب: موسكو لن تسمح للجيش التركي بهزيمة قوات الجيش السوري

اليمن العربي

قال الكاتب الدكتور علي الدين هلال، إن "موسكو لن تسمح للجيش التركي بهزيمة قوات الجيش السوري، أو إجبارها على الانسحاب من مواقعها، وأنها مستعدة لدعم تلك القوات بل ومساعدتها في توسيع مساحة الأراضي التي تسيطر عليها".

 

 

وأضاف الكاتب في مقال نشره موقع "العين الإخبارية" شهد شهرا يناير/كانون الأول وفبراير/شباط من عام 2020 تقلبات حادة في السلوك التركي في سوريا، ففي يناير/كانون الأول، اتخذ هذا السلوك موقف المبادأة والهجوم من خلال تصعيد العمليات العسكرية من جانب الفصائل المسلحة والمليشيات الحليفة لتركيا ضد المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري في بعض مناطق مدينة إدلب، وازدادت هجمات الطائرات المسيرة ضد قاعدة حميميم الجوية الروسية، وكان هذا العدد من الكثرة، ما دعا الصحافة الروسية لاستخدام تعبير "أمطار الدرونز" Drones Rains.

 

وبعد تحذيرات متكررة من موسكو لوقف هذه العمليات، قام الجيش السوري بدعم من الطيران الروسي بعملية عسكرية كبيرة، وأعقب ذلك إعلان الرئيس أردوغان بدء عملية "ربيع الفرات" لدعم حلفائه في محافظة إدلب. بل وصعدت أنقرة موقفها بمشاركة قواتها النظامية مع الفصائل في عمليات عسكرية، ما أدى إلى وقوعهم في دائرة النيران. وذلك خلافا للاتفاق المعمول به وهو الإبلاغ عن أماكن وجود قوات الجيش التركي بعيدا عن هذه الفصائل العسكرية حتى يخطط الطيران الروسي لضرباته وفقا لهذه المعلومات.

 

وتطورت المعارك بالشكل الذي كشف أن موسكو لن تسمح للجيش التركي بهزيمة قوات الجيش السوري، أو إجبارها على الانسحاب من مواقعها، وأنها مستعدة لدعم تلك القوات، بل ومساعدتها في توسيع مساحة الأراضي التي تسيطر عليها. يدل على ذلك القرار الروسي بإرسال فرقاطتين حربيتين للتمركز بالقرب من السواحل السورية.

 

في نهاية فبراير/شباط، تغير الموقف برمته واستطاع الجيش السوري أن يسيطر على مزيد من الأراضي وأن يطرد قوات الفصائل العسكرية منها، ويحاصر عشرين نقطة مراقبة تركية، وأدى ذلك إلى مزيد من نزوح المدنيين وتوجههم صوب الحدود التركية.

 

دفعت هذه التطورات أردوغان إلى التراجع عن سلوكه والدعوة إلى مؤتمر رباعي بين الرئيسين التركي والروسي بمشاركة فرنسا وألمانيا لمنع تدهور الموقف. وإزاء رفض موسكو لهذه الفكرة لرغبتها في عدم توفير غطاء دولي لتركيا، وتردد فرنسا بشأن الفكرة، اجتمع الرئيسان بوتين وأردوغان في 5 مارس/آذار، وانتهى اللقاء بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب.

 

والحقيقة أن هذا الاتفاق لم يتضمن جديدا، بل كان في جوهره إحياء لاتفاق سوتشي الذي أبرم بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2018، ويؤكد ذلك أن عنوان اتفاق مارس/آذار 2020 الذي وقعه وزيرا دفاع البلدين هو "البروتوكول الإضافي للمذكرة حول إرساء الاستقرار في منطقة إدلب لخفض التصعيد". ونص هذا البروتوكول على الوقف الفوري لإطلاق النار في اليوم التالي، وإنشاء ممر آمن في الشمال والجنوب من طريق "M4" الذي تسيطر عليه الفصائل العسكرية خلال 7 أيام، وتسيير دوريات مشتركة ابتداء من يوم 15 مارس/آذار على طول هذا الطريق.

 

كان من الواضح أن المفاوضات التي أسفرت عن هذا الاتفاق عكست اختلال توازن القوي بين روسيا وتركيا، وأن أردوغان لم يكن أمامه خيار آخر، ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة عوامل:

 

أولها ميل التوازن العسكري في إدلب بشكل حاسم لغير صالح القوى الحليفة لتركيا، واستطاعت قوات الجيش السوري إخراجها من مساحات كبيرة قدرتها بعض مراكز البحوث الأمريكية بـ45% من الأراضي التي كانت تسيطر عليها قبل اندلاع المواجهات الأخيرة. 

 

وثانيها أن استغاثة أردوغان لطلب الدعم من الولايات المتحدة وحلف الناتو وقعت على آذان صماء، فاكتفت ردود الفعل بالصمت أو المساندة الأدبية، ورفضت واشنطن إرسال منظومة صواريخ باتريوت المضادة للطائرات، ولوحت بأن الدعم العسكري للدول أعضاء حلف الناتو يكون عندما يتعرض إقليمها لعدوان خارجي. وبالطبع فإن أردوغان لم يكن مرتاحا لمواقف الدول الغربية واتهم الغرب "بالنفاق".

 

وثالثها أن استخدام أردوغان لورقة اللاجئين وفتح الحدود أمامهم يوم 28 فبراير/شباط لدخول اليونان ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي لم يؤتِ ثماره، واتخذت السلطات اليونانية بدعم أوروبي كامل موقفا حاسما ضد الابتزاز التركي، ما دعا أردوغان إلى السفر إلى بروكسل وإجراء مباحثات مع المفوضية الأوروبية للوصول إلى حل للأزمة.

 

لذلك، لم يكن من الغريب أن يأتي اتفاق وقف إطلاق النار محققا للأهداف الروسية. فجاء الاتفاق خاليا من الإشارة إلى المطلب التركي بعودة قوات الجيش السوري إلى المواقع التي كانت فيها قبل بدء المواجهات الأخيرة. ما يعني استمرار خطوط التماس القائمة يوم 5 مارس/آذار، واحتفاظها بالأراضي التي سيطرت عليها.

 

ونص الاتفاق على الالتزام بفتح طريق M4 الذي تسيطر عليه قوات المعارضة والمليشيات. وفي الوقت ذاته قامت الحكومة السورية بفتح طريق M5، وهما الطريقان اللذان يربطان دمشق وحلب واللاذقية ويكون من شأن تشغيلهما تنشيط دورة الحياة الاقتصادية والتجارية في البلاد. كما جاء الاتفاق خاليا من الإشارة إلى ترتيبات تأمين وحماية نقاط المراقبة التركية التي تحاصرها القوات السورية من كل جانب.

 

حرصت موسكو أيضا على تضمين الاتفاق بنودا تتعلق بالحفاظ على استقلال سوريا ووحدة أراضيها، وبمكافحة التنظيمات الإرهابية المشار إليها في قرار مجلس الأمن التي تتضمن تنظيمات تدعمها تركيا، وإدانة كل الاعتداءات العسكرية على الأهداف المدنية والبنية التحتية، والتأكيد على أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية، وأنه لا بد من الوصول إلى حل سياسي.

 

 مع ذلك، ينبغي فهم أن روسيا حريصة على استمرار علاقات التعاون مع تركيا واستمرار دور لها في سوريا، وذلك بحكم المصالح المشتركة التي تجمع بينهما، والتي تشمل خط أنابيب الغاز، والعلاقات التجارية الواسعة بين البلدين، والسياحة الروسية التي تقدر بمئات الآلاف الى تركيا، وصفقة شراء منظومة الصواريخ الروسية S-400التي اعتبرتها موسكو انتصارا سياسيا ودبلوماسيا، باعتبار أن هذه الصفقة أوجدت شرخا في داخل حلف الناتو وتوترا عميقا في العلاقات بين أنقرة وواشنطن.

 

  وبالتأكيد، فإن روسيا لديها مصلحة استراتيجية في إبعاد تركيا عن الحلف، خصوصا أنها تمثل العنصر الرئيسي للحلف في أي مواجهة أو تصعيد مع روسيا. تمثل ذلك في الكلمة التي ألقاها الرئيس بوتين في أعقاب مباحثات يوم 5 مارس/آذار التي ذكر فيها أنه "يثمن عاليا" العلاقات مع تركيا، وحرص على تقديم العزاء في الجنود الأتراك ضحايا العمليات العسكرية.

 

 في ضوء ذلك، فإن روسيا تدير علاقاتها مع تركيا بشكل دقيق ومحسوب توازن فيها بين مصالحها من ناحية، والتحديات التي تمثلها السياسة التركية في سوريا من ناحية أخرى، مثل دعم القوى المعارضة للنظام الحاكم والذي تعتبره موسكو أهم حليف لها في المنطقة العربية والشرق الأوسط، والذي مكنها من الوجود العسكري المباشر المتمثل في قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية.

 

موسكو ترفض أيضا سياسة تركيا في دعم التنظيمات الدينية المتطرفة التي تمارس أعمال العنف والإرهاب، خصوصا عندما تكون على صلة بالأقليات المسلمة التي تعيش في إحدى جمهوريات الاتحاد الروسي. وربما رغبت روسيا في حسم الموقف في إدلب للرد على ما تقوم به تركيا في ليبيا، واتهامها المتكرر لما تسميه المرتزقة الروس في دعم الجيش الوطني الليبي.

 

إلى ماذا يقودنا هذا التحليل؟ من ناحية، لم تقم تركيا بتطبيق اتفاق سبتمبر/أيلول 2018، فلم تسحب الأسلحة الثقيلة من التنظيمات التي تدعمها في المناطق التي حددها الاتفاق، ولم توفِ بالتزامها بشأن الفصل بين تنظيمات المعارضة السورية وتنظيمات التطرف العنيف والإرهاب. وما زال الوقت مبكرا للحكم على مدى التزامها وحلفائها باتفاق مارس/آذار 2020.

 

ومن ناحية ثانية، نجحت سياسات أردوغان في تحقيق عزلة تركيا إقليميا وعالميا، فلم تحصل على التأييد الكافي لانتخابها عضوا في مجلس الأمن عام 2014، وتوافق الاتحاد الأوروبي على إدانة مواقفها تجاه قبرص والتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، وحدث تنديد عالمي لاستخدام أردوغان ورقة اللاجئين والتلاعب بأرواحهم من خلال مناورات سياسية.

 

واختتم إن اتفاق مارس/آذار 2020 ووقف إطلاق النار الذي ترتب عليه لا يمثل حلا للصراع في إدلب. وإنما يوفر لحظة هدوء.. فهل يكون فرصة لإحياء العملية السياسية وخصوصا مسار آستانة الذي تقوده روسيا وإيران وتركيا؟ أم أنه هدنة لالتقاط الأنفاس والعودة للقتال مرة أخرى؟